أخطاؤنا بين الماضي والحاضر.. وسُبُل الإصلاح

لا شكّ بأنّ الأمراض النفسية متنوعة ومتعددة، ولكن ليس من المستحيل ابداً مداواة هذه الأمراض ومعافاتها لا سيما للمعترفين بأنهم واقعين تحت تأثير هذه الأمراض والذين يبحثون عن علاج لها.

الأنانيّة (إن كانت فردية او جماعية) والسّاعين لتحقيق مصالحهم الفرديّة على حساب مصلحة المجتمع كثر، ويبرزون في بعض الأحوال كضحايا محاولين كسب التعاطف معهم فينمقون أقوالهم وأفعالهم بصفة الضحايا (في بعض الاحيان) حتى يصدقهم الاخرون فيدافعون عنهم بلسان المظلومية حتى ليخيل للسامع انهم على حق.

ولأنّ العظماء في الشأن الاجتماعي والقومي أمثال أنطون سعاده قد أيقنوا ووعوا خطورة هذه الفئات على المجتمع فقد شخصوا ووصّفوا وبحثوا وانتجوا وحدّدوا مبادئ تنقذ وتنتشل مجتمعهم من براثن تلك الأمراض وحامليها.

لا شكّ أنّ جميع مبادئ انطون سعادة الأساسية والإصلاحية كانت وما زالت وستبقى منقذة للشعب السوري، وما مفهوم النهضة الذي أطلقه إلا تلخيصاً شاملاً لواقع الأمراض الاجتماعية التي يعانيها المجتمع السوري وسبل التخلص منها فهو يعرف النهضة بأنها: مسيرة “الخروج من التفسخ والتضارب والشك، إلى الوضوح والجلاء والثقة واليقين والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة. وفي هذه المسيرة، يشكل تطبيق الثقافة الإنسانية بطريقة موضوعية حرة، جزءاً من الإحياء القومي. وكما قال سعادة: “النهضة، بالنسبة لنا، يجب أن تعني أكثر من مجرد الإطلاع في مختلف النواحي الثقافية المتعددة التيارات الفكرية الموزعة في هذه البلاد والتي جاءت مع بعض المدارس الأنجلو – سكسونية أو اللاتينية أو غيرها،… إنها لا تعني مجرد الإطلاع على المواضيع المتعددة أو المتضاربة بدون غاية وقصد ووضوح”. وبناء عليه، ينبغي أن تكون الأمة قادرة على التعبير عن نفسها في أي مسألة انطلاقاً من نظرة حرة ومستقلة قبل أن تستطيع الإدعاء بأنها حققت نهضة.

في هذا الإطار، يعبّر المبدأ الثامن من المبادئ الاساسية بشكل واضح عن مصلحة الامة السورية (مصلحة الامة السورية فوق كل مصلحة).
عندما يؤمن السوري بأن مصلحة أمته فوق كل مصلحة يكون قد تجاوز المصلحة الفردية (أحد الأمراض الاجتماعية ، ويكون قد تجاوز أيضاً الانانية، أحد الامراض النفسية. هذا الإيمان ليس إيماناً دينيّاً، هو إيمان مرتبط بالمشرع الأعلى وهو العقل الذي أدرك أن المصلحة الشخصية وتفضيلها، تضر بالمصلحة العامة المعبر عنها بمصلحة الأمة السورية، هو بُعدٌ أخلاقي ومناقبي قد يلحق الضرر المباشر والكبير في بعض الحيان بفئات كبيرة من فئات المجتمع السوري.

يقول انطون سعاده:
“إنّ انشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم اعمالي بعد تأسيس القضية القومية، لأن المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الإتجاه ووحدة العمل”.
(المجلس الأعلى – مجلس العمد – المنفذيات – المديريات – المفوضيات هي المؤسسات في الحزب السوري القومي الاجتماعي)

هذه المؤسسات هي التي تدير عمل المتحدات في سبيل تحقيق النهضة استنادا الى مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي، عندما تكون هذه المؤسسات التي أنشأها سعاده هي القيمة على مصلحة الأمة السورية ومعينة بموجب الدستور الذي وضعه فلا يستطيع اي منتمي الى هذه المؤسسات (بالنظام الذي يسيرها) أن يُسيّر مصلحته الفردية فوق مصلحة الامة.

في توصيف الزعيم، للنهضة الوطنية (الرجعية) في مقالته: شقّ الطريق لتحيا سورية التي تزعمها نفر من الإقطاعيين وأبناء الإقطاعيين المتعلمين وعدد من النفعيين يلخص ما يلي:
( قامت النهضة “الوطنية” (الرجعية) على المبادىء الآتية:
1 ـ إنه ليس في سورية أمة.
2 ـ سورية بلاد صغيرة لا تتمكن من الصمود لعدو ولا تقدر على الحياة مستقلة.
3 ـ عدم التعرض للنظام الاجتماعي الاقتصادي الداخلي.
4 ـ الدين اساس الدولة.
5 ـ الاعتراف بصلاحية رجال الدين للتدخل في شؤون البلاد السياسية والإدارية والقضائية.
6 ـ توفيق الرغبات لمجرى الإرادة الأجنبية.
7 ـ عدم التعرض لمسألة مستوى الحياة.
8 ـ المصلحة الفردية أساس كل مصلحة.
وقد توفقت هذه النهضة إلى إيجاد مؤسسة واحدة هي مؤسسة الشركة السياسية المحدودة التي وضعت يدها بيد الرأسمال)
( انطون سعادة: مقالة شق الطريق لتحيا سورية . الجمهور – العدد 41 – السنة الاولى : 12-7 – 1937 )

في عملية إسقاط الأوصاف السابقة الذكر على بعض المنتفعين (ونشدّد على كلمتي بعض المنتفعين) الذين انغمسوا في متاهات السياسة في الكيان اللبناني للانتفاع الانتخابي ومن بعده لمراكمة ثروات بتحالفاتهم مع رموز الفساد، سوف نلاحظ أن هؤلاء المنتفعين وصلوا الى مركز القرار الأعلى في حزب سعاده، وجسدوا طوال سنوات كثيرة البنود الثمانية السابقة الذكر التي وصف فيها سعاده أصحاب النهضة الرجعية ، فأصبحوا يمثلون النهضة الرجعية ولكن من داخل التنظيم الحزبي.
لم يكتف هؤلاء بهذا الأمر بل تعدّت أفعالهم حدود الأمة السورية الى المغتربات المتواجد بها السوريون القوميون الاجتماعيون فأصبحنا نرى في هذه المغتربات من يمثلهم ويسير “بنهجهم” حتى أضحى موضوع المتحدات الحزبية في المغتربات يجسد في بعض الأحيان ذات النقاط الثمانية السابقة الذكر . والمتسائل عن طريقة اصلاح هذه الاخطاء الداخلية، سوف يجد الاجابة والحل بما ذكره انطون سعاده في مقالته “شق الطريق لتحيا سورية” عبر ما يلي:

(1 ـ سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
 6 ـ الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة.
8 ـ مصلحة سورية فوق كل مصلحة.مع عدم اغفال بقية المبادئ الاساسية والاصلاحية 
هذه مبادىء أساسية للنهضة القومية التي بعثت الأمة السورية حية وهي ذات معنوية عظيمة في هذه النهضة. ففي الأول ينقض السوريون القوميون حكم الحقوق المكتسبة من عوارض التاريخ. وفي المبدأ السادس يضع السوريون القوميون فكرة المجتمع السوري مكان فكرة الطائفة أو العشيرة وهو مبدأ ذو فاعلية عظيمة في توحيد الأمة توحيداً ثابتاً راسخاً. وفي المبدأ الثامن يعلن السوريون القوميون صراحة أنه متى بلغت الأمة مفترق طريقين تؤدي الواحدة منهما إلى الفناء وتؤدي الأخرى إلى الحياة والارتقاء فليس هنا الزمان والمكان لتبشيرها بالسلام الإنساني والإخاء البشري وتنازع الطبقات في مذهب اللاقومية. ) ( انطون سعادة : شق الطريق لتحيا سورية)

لعل إعادة تذكير السوريين القوميين الاجتماعيين بمبادئ سعاده، تعيد تصويب فكرة “أصحاب النهج”، الى الخروج من النهضة الرجعية التي لاحظها هذا العظيم سابقاً.

علي زيتوني