لم تكتف قوى الثورة الملونة من الليبراليين المزعومين وأصدقاء السفارات الأطلسية ومحميات النفط والغاز المسال باختطاف وجع الناس وتوقهم للعدالة والديمقراطية الحقيقية، بل اختطفت قاموسهم ولغتهم ومفردات خطابهم وفق مرجعيات مموليهم ومشغليهم، كما كشف ذلك كتاب (من يدفع للزمار) لـ بوبي سوندرز، وكتاب (الدعارة الأكاديمية) لـ كوستلر، وكتاب (الاحتلال المدني) لـ عمرو عمار، وغيرها من الكتب التي فضحت دور جماعات المجتمع المفتوح، الاتبور وكانفاس (القبضة) وراند ونيد ومعهد واشنطن وفورد فاونديشين وغيرها، وتدار غالبيتها من موجهين وممولين يهود أمريكان مثل: سوروس، اكرمان، ساتلوف، فريدمان، صبان، ومن ذلك:
- مفردة المجتمع المدني، علماً بأن هذه المفردة في كل مرجعياتها من المدن الإغريقية إلى هيغل وماركس (المجتمع المنتج) إلى غرامشي (الأحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية الواسعة غير الحكومية) أبعد ما تكون عن دكاكين الثورات الملونة المدارة من السفارات الأطلسية.
- مفردة النهضة ثم التنوير، التي كانت تعبيراً عن نهضة كل الأمم والانتقال من الإقطاع إلى الأزمنة الحديثة والمجتمعات المدنية والعقل النقدي، إلا أنه في بلادنا، عندما اختطفت هذه المفردة وتحولت إلى عنوان للعودة إلى الوراء على طريقة حركة النهضة وزعيمها الغنوشي ونظريتها القطرية… ومن طالع السوء أيضاً إطلاق النهضة على اسم السد الإثيوبي الذي يستهدف فيما يستهدف إعادة مصر إلى الوراء بتجفيف منبع هام من منابع النيل.
- مفردة الحرية والحرة، التي تحولت على يد المخابرات الأمريكية إلى عناوين للهيمنة الجديدة للمراكز الامبريالية وإلى عناوين عمالة شمالا أيام الحرب الباردة مثل إذاعة أوروبا الحرة، اتحاد النقابات الحرة، رابطة القلم الحر وغيرها، وجنوبا من (جيش لبنان الحر) أيام سعد حداد ولحد، إلى جيش سوريا الحر، إلى عناوين لفضائيات وإذاعات ومراكز دراسات وجمعيات ثقافية.
- مفردة الديمقراطية، التي جرى خلطها عمداً بالليبرالية، فيما الأولى شكل من أشكال الحكم، مقابل الليبرالية التي ربطت الحريات السياسية بحرية الأسواق.
وإذا كانت الليبرالية الأولى أيام جون لوك قد تزامنت مع صعود البرجوازية مقابل الإقطاع، فإن ليبرالية اليوم ليبرالية متوحشة شأنها شأن حاضنتها الرأسمالية، ولا تخفي نفسها كما يدعو لذلك فيلسوف المحافظين الجدد، اليهودي الأمريكي، ليو شتراوس.
- مفردة الثورة، التي تحولت على يد المخابرات الأمريكية والبريطانية ومحميات النفط والغاز المسال والعثمانية الجديدة والإسلام الأطلسي المرتبط بها إلى دلالة مغايرة تماماً هي الثورة المضادة، فيما عناصر الثورة الحقيقية واضحة وضوح الشمس، ولا يمكن فصل عنصر فيها عن البقية وهي: الكتلة الشعبية التاريخية من الفقراء والعمال والفلاحين والطبقة الوسطى والمثقفين الراديكاليين والتنظيم الثوري والنظرية الثورية والأهم التحالفات والأهداف الثورية التي لا تعزل الحريات السياسية عن قضايا التحرر الوطني، والتي لا مكان فيها لفلسفة السوق والليبرالية والأمركة والصهينة والعثمنة وجماعات النفط والغاز المسال.
- مفردة التغيير والجمعيات التأسيسية التي تحولت من نظريات العقد الاجتماعي (لوك، روسو، مونسيكيو) التي تزامنت مع نشأة دولة وستفاليا القومية البرجوازية من قلب الإقطاع الأوروبي – البابوي، إلى عنوان للفوضى وتفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، فيما التغيير المنشود يستهدف حملة أهداف مرتبطة ببعضها ربطاً جدلياً، فالتغيير مشروع تاريخي لإقامة دولة ديمقراطية لا مكان فيها للخطابات المعادية في جوهرها لأية ديمقراطية مثل خطابات الدين السياسي الأطلسي، الإسلامي والمسيحي واليهودي، والتغيير مشروع لإقامة دولة وطنية ضد التبعية وضد الارتهان للإمبريالية والصهيونية والعثمنة الجديدة. والتغيير مشروع لإقامة دولة العدالة الاجتماعية الراديكالية: سيطرة الدولة على مفاتيح القطاع المالي والنقدي والموارد العامة، مجانية التعليم في كل مراحله، منظومة الضرائب لصالح الطبقات الشعبية، توزيع الثروة بشكل عادل، الصحة، الثقافة…. إلخ.
- مفردات عديدة أخرى، بينها الشفافية وبرامج تحت عناوين مثل الصحافة الاستقصائية و(يسقط حكم الفاسد) ولدت برعاية السفارات الأطلسية في عمّان عبر أكثر من مؤسسة (غير حكومية) وحاز المشاركون فيها على جوائز السفارات إياها، وكان الهدف منها ولايزال استبدال دولة الحرس البيروقراطي بـ (شفافيات محلية) في قلب الفساد الامبريالي الكبير.
د. موفق محادين – الأردن