دولة ائتلاف الطوائف…منافية للإرادة الشعبية

لا يُفرَض القرارُ السليمُ بأغلبيةٍ ضعيفةٍ جاهلة، أو أقليةٍ قويةٍ غبية، ولا يكون استبداداً لأكثريةٍ غوغائيةٍ فاقدةٍ للأهداف. وليس القرارُ مزاجاً شعبياً عارماً أو مزاجاً شعبياً ضامراً. فمصلحةُ الدول والشعوب لا تُقرَّرُ حسب المزاج الشعبي المتكوِّن في اللحظة، ولا تُقرِّرُها حادثةٌ ولا مظاهرةٌ حاشدة، ولا يُحشَدُ للقرار مؤيدون بواسطة التسويق الإعلامي والإعلاني. كذلك، فإن القرارَ في الحكومة، أو القانونَ في مجلس النواب، والمعاهداتِ والاتفاقاتِ والتفاهماتِ بين الدول، لا تُؤخَذُ ولا تُقرُّ قياساً على ما حُشِدَ له عالمياً. الحشدُ الباطلُ لا يُبطل حقاً قليلَ العدد.

سُننُ الحياة المستخلَصة من تجارب الشعوب، والتي أوصلتها إلى سلوك مسلك الارتقاء، كانت وما زالت تعتمد على مبادئ أخلاقية وقيمية في تأمين المصلحة الوطنية العامة. فالمصلحة الشعبية العامة تُفرَض بأن يكون القرارُ والقانونُ، أو أيُّ شكلٍ من أشكال إدارة السلطة، تأمين المصلحة العامة.

 إن النظام وإدارة شؤون الدولة الحديثة يخضع لجملة مبادئ وأُسُسٍ تمثِّل غايةَ الدولة والسلطة لأي شعب. بل إن هذه المبادئ كانت السببَ الأساسي لإنشاء الدولة، ومن أبرزها: ·الشعبُ واحدٌ موحَّدٌ، أبناؤه يتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها دون تمييز.

 ·الالتزامُ بالمبادئ والأخلاق القيمية للشعب. 

·تأمينُ المصلحة العامة للشعب. ·تأمينُ حقوقِ الشعب السياسية والمدنية.

·حريةُ الفكر للشعب في مسيرة الارتقاء.

 ·استقلالُ الشعب، وبالتالي الدولة.

·سيادةُ الدولة على كامل مساحتها الجغرافية. برا وبحرا وجوا

·سيادةُ الدولة على مواردها الطبيعية.

·استقلالُ الشعب ومؤسساته عن أيِّ تدخُّل خارجي.

 ·استقلالُ الدولة في إنشاء مؤسساتها وبنائها وعقد الاتفاقات والمعاهدات بعيداً عن أي ضغط أو منع خارجي.

غير أن دولة الكيان اللبناني تأسست على نقيض هذه المبادئ. فلبنان أنشأه الأجنبي على أساس ديني مذهبي، مما جعله قائماً على فوارق حقوقية بين أبناء الشعب الواحد. بهذا التأسيس ضُرِبَت أبسطُ مفاهيم الدولة الحديثة، سواءٌ بالتقاسم المذهبي أو بالفوارق في الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين. لقد فُخِّخَت الدولة في قواعد إنشائها، فأصبحت قابلةً للتفجير ساعةَ يريد أيُّ مذهب. والسلطة في لبنان تنبثق عبر قانون انتخابي مذهبي، لا من إرادة وطنيَّة شعبيَّة عامَّة، مما جعل كلَّ مؤسسات الدولة، التمثيلية والحكومية والإدارية، والرئاسات، وكلَّ القوانين الصادرة عنها، مفخخةً بدورها؛ لأنها ترعى مصالح المذاهب المتنافرة لا المصلحة الشعبية العامة.

من هنا نرى أن الآراء في لبنان حول أية قضية وطنية تكون متفاوتةً متضاربةً، منقسمةً على نفسها ومشلولةً. على سبيل المثال: انقسم اللبنانيون بين مؤيد للوحدة مع الشام ورافض لها، وانقسموا بين مؤيد لفرنسا ومقاوم لها في النصف الأول من القرن الماضي. ثم في الخمسينيات انقسموا بين فرنسا وبريطانيا، وبين مناصر للقضية الفلسطينية ومعارض لها. ومع بروز الحرب الباردة، انقسموا بين الحلف الأطلسي وحلف وارسو، وبالتالي بين سياسة عبد الناصر والسياسة السعودية. وفي الستينيات، انقسموا بين مؤيد للكفاح المسلح الفلسطيني ومعارض له. ولا ننسى الاقتتال وفتنة 1958، ثم الحرب الأهلية 1975، وصولاً إلى الاجتياحين اليهوديين، الأول في السبعينيات والثاني عام 1982، حيث انقسم اللبنانيون مجدداً بين مؤيد ورافض. وعند تحرير الأرض عام 2000.  كان التحرير على يد المقاومة الشعبية بعيداً عن السلطة وقراراتها.

لقد أثبتت العقود الماضية أن لبنان لم يعرف سلطةً واحدةً موحَّدةً منبثقةً من إرادة الشعب ومصالحه، طوال أكثر من مئة عامٍ. واليوم، في حربنا مع العدو اليهودي، يستمر الانقسام الحاد: فريق قرر محاربة الاعتداء والاجتياح اليهودي، وفريق رفض المحاربة. عجباً للرأي العبثي بعدم المحاربة! ما البديل والعدو يتقدم ويقصف، ومؤيَّد من كل القوى الدولية صانعة القرارات في المؤسسات الدولية؟ على أي أساس اتخذ الرافضون التصدي للعدوان قرارهم؟ السلطة في لبنان غارقة في حفلة تكاذب بعضها على بعض. فلا يؤمنون أنهم لهم قضية واحدة ولا يشعرون أنهم شعبٌ واحدٌ، ولو كانوا في سلطةٍ واحدة؛ بل بقوا طوائف متنافرة اتفقت على تكوين سلطة وصواعق تفجير في كل مؤسسة لتعطيلها، إن لم تكن “الجبنة” متقاسَمة بالتساوي بين مغتصبي إرادة الشعب.

راهناً، السلطةُ أتت من خارج إرادة الشعب العامة؛ فهي بالأصل إرادةُ طوائف، ومنبثقة من قانونٌ طائفيٌ بامتياز. لا، بل أتت بإرادة أجنبية، بتدخُّل الأجنبي باسم كل وزير وكل رئيس.

 هذه السلطة تواجه مجموعة أزمات خانقة أهمها:

·الاحتلال اليهودي والتدمير المستمر.

 ·افلاس الخزينة وإداراتٌ مهترئة إضافة الى اقتصادٌ مدمر حيث لا زراعة، لا صناعة، لا تجارة ولا كهرباء لا مياه، وازدحام طرق مواصلات وضآلة رواتب للقطاع العام. وايضا لا خدمات صحية ولا أمن، حتى لا قضاء، ولا أجهزة رقابة.

لم تبقَ مؤسسة تحظى بثقة اللبنانيين سوى الجيش، الذي مُنِعَ عنه التسليح وتنويع مصادره، حتى عجزت السلطة عن تأمين رواتبه، وصولاً إلى محاولة السلطة توريطه في نزاعات سياسية داخلية ضيِّقة، وإخضاعه للإرادة الخارجية وإنهاء لبنان ككيان سياسي، انسجاماً مع الخرائط الاستعمارية الجديدة للهيمنة على المنطقة.

لكي يبقى لبنان كياناً سياسياً لا بد للبنانيين من الالتزام بجملة مبادئ منها:

 ·اعتبار الشعب واحداً متساوياً في الحقوق والواجبات لدولة مدنية لجميع ابنائه

 ·تحصين الوحدة الوطنية. ·وتثبيت النظر الى العدو اليهودي عدوا استراتيجيا، وانتهاج نهج الكفاح المسلح لطرده واعداد قانون انتخابي وطني غير طائفي.

وبناء تحالفات إقليمية ودولية تحمي لبنان، ولا تخضعه لإرادة العدو كما انه لا مناص من إعادة الإعمار مما دمَّره العدو بمعونة الأصدقاء دون التزامات سياسية تمس السيادة هذا في السياسة اما في الموضوع الاقتصادي، لا بد من تنظيم الاقتصاد بجلب استثمارات غير استعمارية. وإقرار الضريبة التصاعدية مراعاة لأصحاب الدخل المحدود وإصلاح النظام المالي والمصرفي. ولا يتم ذلك دون إعادة أموال المودعين.

·رفع مستوى الجامعة الرسمية والمدرسة الرسمية، والإنصاف في رواتبهم.  وتطوير المنهاج التربوي ليتحول الى منهاج وطني لا طائفي ثم صوغ قانون جديد للأحزاب يكون وطنياً لا طائفياً أو اثنيا.

·تنظيم قانون البلديات ليلائم تطوير القرى ورفع مستوى خدماتها، ورصد استثمارات فيها لإقامة مشاريع انتاجية للحد من النزوح منها.

 . دعم الزراعة والصناعة، وتوزيع الاستثمارات الحكومية والخاصة في كل المناطق وتأمين أسواق لتصريف الانتاج.

·    استثمار النفط والغاز محلياً دون الخضوع لشركات المستعمر. ·تنظيم الإعلام ليكون وطنياً جامعاً. وضبط تمويله وطنيا ليبقى حرا.

 ·ضمان استقلالية القضاء من التدخلات السياسية.

 ·أمّا الجيش فيجب تسليحه من دول صديقة، تُمكِّنه من مواجهة العدو، وهنا نؤكد على اعادة العمل في الخدمة الوطنية العسكرية. “الخدمة الإلزامية “

 ولحين قيام الدولة الموعودة، على اللبنانيين إقامة حوار وطني لا طائفي، هدفه إنقاذ لبنان لا خدمة الطوائف وتوزيع المكاسب. وفي هذه المرحلة، حيث يفتقد لبنان القوة، يجب التمسك بما بقي من مؤسسات والتمسك بالوحدة الوطنية وبالمقاومة حتى يكتمل استعداد الجيش لمواجهة الأخطار. والمقاومة على مختلف فصائلها أثبتت أصالتها، باعتبارها جوهرة الوجدان الوطني. والمقاومة، كما أعلنت دائماً، لن توظف قوتها في صراعات داخلية، بل ستبقى وطنية لا مذهبية، هدفها محاربة العدو اليهودي وللحق بقيت أمينة لهذا الهدف.