اعتبر أنطون سعاده أن الاجتماع صفة ملازمة للإنسان، وحيثما وجدنا الإنسان، وجدناه في حالة اجتماعية، وبالتالي فإن المجتمع هو الحالة والمكان الطبيعيان للإنسان الضروريان لحياته وارتقائها، ومن هنا نجد أن نظرة سعاده إلى الإنسان هي على أنه الإنسان المجتمع، هذا المجتمع الذي كان بدائياً، أخذ يتطور بفعل المعارف التي أخذ الإنسان يكتسبها من خلال تفاصيل حياته اليومية، في سكنه أو طعامه ولباسه، وباقي تفاصيل حياته، وبسبب هذه المعارف بدأ بتلافي الأخطاء التي كانت تكلفه الكثير من الخسائر، سواء كانت الإصابات الجسدية والتي قد تؤدي إلى موته أو موت أحد أفراد عائلته، أو خسارة طريدة سعى وراءها لوقت طويل، وبذل في سبيلها جهداً، أو غيرها.
من هنا برزت العلاقة الوثيقة بين المجتمع والمعرفة، وكيف أن هذه المعرفة أدت إلى تكوين مجتمع أخذ بالتطور بشكل موازِ لتطور المعرفة، ومن ناحية أخرى ندرك كيف أن المعرفة أعطت الإنسان مخزوناً من القوة المنظمة، فكانت السبب الأساسي في تمكنه من السيطرة على كل ما يوجد حوله، من نباتات أو حيوانات، وأصبحت المجتمعات المتطورة والراقية مرتبطة حُكماً بنسبة المعرفة الموجودة لديها.
ومن المعارف هناك معرفة الإنسان لحقه، سواء كان هذا الحق فردياً، أو قومياً، والذي لا يعرف حقه لن يحافظ عليه، ولن يستطيع أن يدافع عنه إذا تعرض للإستيلاء، أو أن أن يطالب به إذا انتقل إلى يدِ الآخرين، والمعرفة هي ذاك الحصن المنيع، الذي بفضله يمكننا أن ندافع عن وجودنا بالدرجة الأولى، وعن أرضنا التي قد تتعرض للاحتلال، وأن نحمي خيرات أمتنا من أطماع الطامعين.
ليس من باب الصدفة أن يعمد المستعمرون إلى نشر الجهل والتخلف، في أي مجتمع سيقومون بالسيطرة عليه، فتصبح مهمتهم أسهل، لأن الجهل يؤدي إلى الضعف من ناحية، ويسهّل عملية انتشار المشاجرات والفتن بشكل سريع بين أبناء هذا المجتمع، فيغرقون في وحول الانهزام والعبودية والخنوع والطائفية، ويظلون بحاجة للمحتل ليدير شؤونهم ويقرر عنهم في كل شيء، بدلاً من يحكموا أنفسهم بأنفسهم.
تأتي المعرفة لتقوم بنشر الوعي، وإلقاء الضوء على مكامن الضعف في الأمة، وتنطلق فكرة النهضة من روح المعرفة، حيث تُخرج الأمة من التناقض والتضارب والتخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة، لإنها تعني وضوحاً وجلاءً وصراحةً، فهي نظرة واضحة، فاهمة، واعية، وهذه الفكرة الواضحة في معنى النهضة كانت ملازمة للحركة القومية الاجتماعية منذ بدئها، فقد وضع أنطون سعاده المبادئ السورية القومية الاجتماعية لتخليص الشعب السوري من الويل الذي جلبه الجهل عليه.
ومما لا شك فيه أن المعرفة لمجرد المعرفة لا تكفي للنهوض بالمجتمع، ولن تكون مصدراً للقوة، تلك القوة التي اعتبرها سعاده القول الفصل في إثبات الحق القومي أو انكاره، ولا بد مع توفر المعرفة العمل بها لتأخذ مكانها الطبيعي، ولتلعب دورها الأساسي في حياة الأمة، فمعرفة العقيدة القومية الاجتماعية والمبادئ الأساسية والاصلاحية وغاية الحزب، دون العمل بها لا يكفي، لأن الحزب ليس مجرد فكرة، بل فكرة وحركة تتناولان حياة الأمة، فنحن نبذل أنفسنا أفراداً في سبيل تحقيق المبادئ التي في تحقيقها تحقيق لحياة الأمة، وليس أن المبادئ مستقلة عن الأمة خارجة عنها لا علاقة ولا صلة لها بها، وأننا من أجل هذه المبادئ بذاتها، وليس لأنها تعني حياة الأمة، نحن مستعدون للتضحية، حتى تتحقق الوحدة الاجتماعية، فتضمحل العصبيات المتنافرة والعلاقات السلبية، وتنشأ العصبية القومية الصحيحة، التي تتكفل بإنهاض الأمة، وتزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة وتضمحل الأحقاد وتحل المحبة والتسامح القوميان محلها.
محمد جميل عليان