تفتك بأمتنا أمراضُ التفتيت الديني والمذهبي والتقسيم الجغرافي، فتنخر عظامها وتنهك جسدها حتى غدت واهنةً ضعيفة، يتربَّص بها خطر الزوال وتهديد الوجود الحالة الكيانية عبر ثمانين عاماً.
ففي الأمة السورية، امتدَّت الحالة الكيانية وتجذَّرت طيلة ثمانين عاماً، راسمةً انقساماً إلى جمهورياتٍ وممالكَ سياسية هشَّة. وعلى مدى عمر هذه المكوّنات السياسية، رافقها صراع أضدادها وخلافها، وانقسامها نتيجة تمركز كل شكلٍ ونظامٍ سياسي في محورٍ سياسي عالمي بعيدٍ عن مصالح سورية وغاياتها وأهدافها.
الخطر اليهودي:
ورافق هذا الجو المميت لمصالح سورية، زرعُ هجرةٍ يهوديةٍ غريبةٍ عن الثقافة السورية، هجرةٍ متوحشة غير قابلة للتفاعل. أُسِّس لها بمعونة غربية كيانٌ سياسي ترمي أهدافه إلى اقتلاع الشعب السوري من جذوره، وإقامة مملكة «إسرائيل من الفرات إلى النيل».
فتلهَّت جمهوريات الشعب السوري في خصومتها الداخلية، وأشاحت بطرفها عن هذا الخطر الوجودي الذي يهدد وجودها. ذلك كان في عصر الجمهوريات.
أما الواقع اليوم، فقد تلاشت الجمهوريات ونظم الدول الكيانية، وطال الداء الانقسامي كل الشعب وكافة المؤسسات الرسمية والحكومية والأهلية. والصورة باتت كما يلي:
لبنان: انقسام شعبي عام.
الشام: تنافر واقتتال شعبي عام.
العراق: انقسام شعبي وتكاذب موحَّد.
الأردن: انقسام شعبي.
فلسطين (رغم الجراح): انقسام شعبي حاد.
للانقسام محاور، محوره الأول: المشروع الأمريكاني ـ اليهودي
مؤسسات حكومية وشعبية، من أحزاب وجمعيات وأنشطة ثقافية، مؤيدة للمشروع الأمريكاني، الداعم بدوره لخطة العدو اليهودي المحتل، التي تسعى لإبادة شعبنا وقضم أراضينا على قدر إمكانيات العدو مرحليا.
ولقد شرع في تحقيق أولى إباداته في غزة حيث القتل والتهجير والقضم في الضفة.
كما نراه يتقدَّم في جنوب لبنان بنسف قراه واحتلالها بالنار ومنع عودة المواطنين اليها.
ويتقدَّم في جنوب الشام تقدُّماً بارزاً، واحتل كيلومترات ليست بالقليلة، حتى أضحى على كتف العاصمة، وتمركز في المرتفعات الحاكمة للأراضي الشامية.
المحور الثاني: المشروع الوحدوي ـ التحرري ـ المقاوم
المشروع الوحدوي المقاوم هو مشروع الوجدان الوطني، الذي يتشبث بالثوابت القومية:
حفظ أرض البلاد، حرية الشعب واستقلاله وسيادته على ارضه وثرواته الاقتصادية الطبيعية.
إذن، صار الانقسام على خيارين سياسيين:
1 ـ خيار الاستسلام للأمريكاني، وبالتالي للعدو اليهودي المحتل لفلسطين.
2 ـ خيار التحرر والتحرير والاستقلال.
وهذا الانقسام لم يعد على أساس ديني أو مذهبي فقط، كما كنا سابقاً. إذ نجد من مختلف المذاهب مؤيدين للمشروع الأمريكاني، كما نجد مؤيدين بغالبية وازنة للمشروع التحرري الاستقلالي من كل الديانات والمذاهب.
الخلاصة: البلاد بين مشروع العبودية ومشروع التحرر والتحرير
إن الشعب، بغالبيته الساحقة، مؤيد للتحرر والتحرير، لكنه يفتقر إلى:
تنظيم صفوفه وتنظيم قدراته وأيضا حشد إمكانياته.
هذا يفرض على القوى الحية أن تبادر فوراً إلى خلق إطار عمل جبهوي واسع، مؤسَّس على قواعد مشروع سياسي صحيح، متوافق مع مفهوم الدولة القومية المدنية الحديثة، التي تؤمّن الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين دون تمييز.
أهداف المشروع الجبهوي، مقاومة ومحاربة الاحتلالات جميعها: اليهودية، الأمريكانية، التركية وعدم التنازل عن أي شبر من أرض الوطن السوري في كل كياناته.
وحدة الشعب في دولة مركزية يتساوى فيها المواطنون.
استقلال كل المؤسسات الحكومية في كل الأمة استقلالاً تاماً، وعدم ارتباطها بمشاريع أي دولة مستعمِرة.
رفض التطبيع مع العدو اليهودي.
رفض السلام مع العدو المحتل لفلسطين.
إزالة الأحقاد الدينية والمذهبية التي غرسها الأجنبي والعدو اليهودي بين أبناء الشعب الواحد.
هذه الثوابت عابرة للحدود المصطنعة، المرسومة بسيف الأجنبي المسموم.
حتى أن بعض القوى التي قد تكون غارقة في الكيانية، لا بد أن تتضامن كيانياً لمواجهة تهديدات تمس حياة كيانها.
ولو تأملنا بعمق، لوجدنا أنفسنا كشعب سوري موحَّدين المصير، لأن الذي يهددنا عدو واحد وهو اليهودي، والذي يحاصرنا جميعاً ويفرض علينا سياساته هو الأمريكاني وحلفاؤه. والأطماع التركية لن تقف عند الشام، بل ستمتد في كل الأمة.
طالما أن الأعداء قد اجتمعوا موحَّدين خططهم لتقاسم النفوذ في الأمة السورية، فسنجد أنفسنا نحن موحَّدين، لأن العدو والخطر واحد.
على القوى الحية في بلادنا ألّا تتأخر في تنظيم نفسها، وإلّا ستكون مهمة إنقاذ سورية والشعب السوري مهمة صعبة وقاسية. فعلينا ألّا نعطي العدو والمستعمر فرصة تمكين عملائهم من المؤسسات الرسمية بالبلاد.

