لا يمكن لدولة، أو لا يمكن أن تكون دولة، من تدعم الكراهية، أو تتغاضى عن أفعالها، أو أن تكون أقل صراحة في تعريفها، فالمسألة حقوقية إلى أبعد حد، انطلاقاً من التحريض على الفعل الجنائي، الذي هو القتل أو الإبادة، وليس انتهاء بتعطيل آليات إنتاج الثروة وتوزيعها، وقوننة جرائم الكراهية، هو دعم الدولة لذاتها، وذلك عندما تحاسب مرتكبي هذه الجريمة، حساباً تربوياً وجنائياً، فالكراهية فعل ثقافي يؤثر في المستقبل الاجتماعي، كما يتعارض بشكل أساسي، مع مبدأ الحق بالحياة الكريمة، كمبدأ أساسي من مبادئ شرعة حقوق الإنسان، وكمبدأ أساسي لإقامة مجتمع مولد للدولة، وعليه تبدو الثقافة الحقوقية، هي مهمة الدولة، إذا كانت تريد أن تكون فعلاً دولة، تستطيع إنقاذ نفسها ومجتمعها، من بلية نمت وترعرت تحت ناظريها، لتستمر بالتداول كثقافة اجتماعية مستمرة، تتضمن العداء لأي آخر اجتماعي، يشاركها الوطن، أو حتى الكرة الأرضية، ليصير الصراع البيني إلى صراع إبادي، يحمل كل ما في الكراهية من توحش وتنكيل.
وتعريف جريمة الكراهية هو: كل فعل «إجرامي» بدافع العداء والتحيّز تجاه هوية شخص ما، أو حتى هويته المفترضة، وهذا العداء والتحيز كدافع إجرامي، لا يأتي من الميل الفردي للجريمة الجنائية، بل مفرز من ثقافة أم، تدعي الاكتمال المعرفي، وإليها يتم الاحتكام، كمعيار نهائي للحكم على كرامة الإنسان وحقه في الحياة، وعلى هذا تبدو جريمة الكراهية مدعومة ومحاطة بما هو أعلى من الدولة والدستور والحقوق الشرعية، بل أنها وفي نفس الأداء تتحول إلى مظلومية تنتج الحق بتقييم الناس على أساس صلاحيته للحياة، وبالتالي الاحتجاج على المكروه برفض حكم كارهه الجنائي، بحيث يتحول الدفاع عن حق الحياة فعل داعم للكراهية، ودافع للإصرار على مقاصصة المكروه، غير المطيع و غير الراضي بقرار كارهه أو جلاده.
الشعور بالكراهية، هو غير جريمة الكراهية، لكل إنسان أن يكره ويحب ويعبر عن ذلك بالمصارحة في وسائل التعبير السلمية، التي تعاقد عليها مجتمع التسالم صوناً للمصالح، وربما يصلح هذا التعبير لحوار أو جدل يذهب إلى نتيجة تحقق المصلحة، ولكن التحيّز الكرهوي، هو جناية كاملة التوصيف، ويمكن اعتبارها حقوقياً، كتصميم وترصد، أي أنها تتحول إلى جناية كاملة الأركان، إن كانت عن بيد الكاره نفسه، أو من المتأثرين به من رعاع وسوقة الثقافة، وهنا يكمن الفارق بين نوعين من التعبير، أحدهما همجي بالضرورة. فحق التعبير الفني بالجسد ( مثلاً) هو من بدهيات حقوق التعبير، وكبحه، هو إتاحة فرصة للكراهية كي تفعل فعلها الجرمي، فالفن واحد من أهم عوامل التربية التحضرية للمجتمع، ووضعه في بيئات شرطية، مطابق تماماً لفعل الدفع إلى التحيز كما يحصل تجاه المجموعات العرقية والدينية واللغوية واللونية ..إلخ، وهو ما يمكن اعتباره سلب ذاتي لقيّم الدولة وصلاحياتها، وهي الضامنة الأولى لحق الحياة، وعدم دفاعها عن هذا الحق، هو خيانة لذاتها ولناخبيها، ولمهمتها في إدارة الاجتماع وتطويره، وردع التكاره الجرمي هو أولوية عند «الدولة»، بواسطة القوانين الحازمة، يتطابق معه ردع الثقافة التكارهية، واستبدالها بثقافة المساواة الحقوقية، بواسطة البرامج التنموية. فتفكيك المجتمع، يبنى بمداميك من جرائم الكراهية، المولدة للثأر والانتقام والانعزال و التقسيم، ناهيك عن الهجرة والاهتراء المجتمعي، وكلها مسائل تربوية ثقافية تقع على عاتق الدولة.
الاكتمال المعرفي، هو ادعاء فاسد شكلاً ومضموناً، فليس هناك من ينتج الصواب الدائم معلوماتياً ومعرفياً، فالزمن بعلمه ومعرفته متغيران، والثابت هو حق الحياة والكرامة، وكل من يهدد هذا الحق، يهدد حياته وكرامته هو، بمعنى انتقاص اكتماله المعرفي بفضائحية معلنة، فادعاء الاكتمال المعرفي، يضعه على طاولة التشريح النقدي والانتقادي، وليس من اكتمال معرفي على وجه المعمورة، وفي سيرورة التاريخ، إلا وتعرض للتفكيك والهزء والزوال، فهكذا مسائل لا يتركها الإنسان العاقل على عواهنها، وهو يعرف نتائجها السلبية التي سوف تقع عليه، خصوصاً أننا أمام «اكتمال معرفي» مسبب لجريمة الكراهية ويحض عليها، بل يرفعها إلى واجب إنساني يجب العمل بتعليماته، وهنا الطامة لكبرى حيث ينضج هذا الغباء المعرفي كواقع على الأرض لا يمكن لملمته، كما لا يمكن وصفه بالتحضر أو الإنسانية، وبهذا لن تقوم قائمة لهكذا تجمع سكاني بوصفه مجتمعاً بالمجاز.
ليس المقابل لفعل الكراهية الإجرامي، هو الحب الخيري التبرعي، بل ما يقابله، هو الحقوق والواجبات، غير المستندة إلى أي إكتمال معرفي، بل إلى المعرفة الحقوقية التي اتفق عليها البشر في هذه الدنيا، وهي معرفة أثبتت جدواها في كل يوم من أيام ممارستها، هذه الممارسة التي تقدم الأفكار حول الإتجاه الإرتقائي لهذه الحقوق والواجبات من أجل الحفاظ مصلحة الفرد بالعيش في مجتمع معاصر يريد البقاء والإستمرار بتحضر مشهود يشارك البشرية رفاهيتها.

