صندوق الثروة السيادية النرويجي: سحب الاستثمارات من شركات «إسرائيلية»

بعد اندلاع الحرب «الاسرائيلية» على قطاع غزة استفاق العالم والحكومات والشعوب على همجية العدو الصهيوني وخرقه لشرعة حقوق الانسان والأعراف الدولية، بعد أن لعبت الدعاية الصهيونية وعلى مدى عشرات السنوات دوراً كبيراً في طمس الحقائق وتحويرها وإظهار الكيان الصهيوني أنه مضطهد ومظلوم وسط محيط جغرافي معادٍ له.

ولطالما كان العامل الاقتصادي هو عادة ما تتذرع به «اسرائيل» لتستجدي المساعدات على مستوى دول العالم وصناديقها الاقتصادية والاستثمارية بغية تمويل استيطانها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتغذية ترسانتها العسكرية والأمنية. إلا أن الحرب على قطاع غزة دفعت الجامعات ومديرو الصناديق على مستوى العالم لممارسة ضغوط لسحب استثماراتهم بسبب حرب «إسرائيل» على قطاع غزة المستمرة منذ ما يقارب السنتين.

صندوق الثروة السيادية النرويجي الذي يدير أصولاً بقيمة تتجاوز 1.5 تريليون دولار ويمتلك نحو 1.5% من الأسهم المدرجة في 9 آلاف شركة في أنحاء العالم، يعتبر من أبرز المؤسسات الاستثمارية التي تلتزم بمعايير بيئية واجتماعية وحقوقية صارمة، ويخضع لإشراف البرلمان النرويجي. حتى نهاية عام 2023 كان هذا الصندوق يستثمر في 76 شركة في الكيان الصهيوني، وتطال نشاطاته استثمارات في العقارات والبنوك والطاقة والاتصالات، حسبما تظهر البيانات الصادرة عنه.

الصندوق يعمل بموجب قواعد أخلاقية وضعها البرلمان، وقام على مدى سنوات بسحب استثماراته من 9 شركات، جميعها «إسرائيلية»، بسبب أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتمثل هذه الاستثمارات 0.1% من إجمالي استثمارات الصندوق. وبسبب الانتهاكات العدوة في الأراضي المحتلة، دعا برلمانيون وعدة منظمات غير حكومية في النرويج إلى سحب الاستثمارات بالكامل من هناك.

في أيار من عام 2024 بدأت الهيئة المعنية بمراقبة أخلاقيات العمل التابعة للصندوق بإجراء تحقيق فيما إذا كانت الشركات «الإسرائيلية» التي يملك الصندوق أسهماً فيها لا تمتثل للمبادئ التوجيهية للاستثمار المسموح بها بسبب الحرب. تجدر الإشارة إلى أن الصندوق يملك حصصاً في 65 شركة إسرائيلية بقيمة إجمالية بلغت 1.95 مليار دولار حتى نهاية 2024.

وقد دعا مسؤولو العديد من المنظمات غير الحكومية، ونواب في البرلمان النروجي إلى ابتعاد النروج عن الاقتصاد «الاسرائيلي» لوقف الإبادة الجماعية المستمرة على غزة، وإلى سحب الاستثمارات فوراً وفرض عقوبات على «إسرائيل» وإصدار تعليمات للصندوق ببيع أسهمه في الشركات «الإسرائيلية» بالكامل، خصوصاً أن اقتصاد دولة العدو يعتمد على الاستثمارات الدولية والدعم من الولايات المتحدة الاميركية.

في أيار الماضي أعلن الصندوق النروجي أنه تخلّى عن جميع استثماراته في شركة «باز» الإسرائيلية للتجزئة والطاقة، بسبب امتلاكها وتشغيلها للبنية التحتية التي تزوّد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بالوقود. وتُعد هذا الشركة أكبر مشغّل لمحطات الوقود في «إسرائيل»، وتدير 9 محطات في الضفة الغربية المحتلة، وهذا ما يجعلها لاعباً رئيسياً في البنية التحتية التي تخدم المستوطنات.

وقال مجلس الأخلاقيات في توصيته بسحب الاستثمارات «إن تشغيل البنية التحتية لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالوقود يجعل شركة «باز» تسهم بصورة مباشرة في إدامة هذه المستوطنات»، مضيفا أن «المستوطنات أُنشئت في انتهاك صارخ للقانون الدولي، واستمرارها يمثل خرقاً مستمراً له».

وتعد هذه الخطوة الثانية من نوعها، بعد أن قام الصندوق في كانون الأول الماضي بسحب استثماراته من شركة «بيزك» «الإسرائيلية» للاتصالات، إثر تبني مجلس الأخلاقيات التابع له في آب تفسيراً أكثر صرامة لمعايير السلوك الأخلاقي، خصوصاً فيما يتعلق بالشركات المتورطة في دعم أنشطة «إسرائيل» في الأراضي المحتلة.

وتتزايد الدعوات في الأوساط الأوروبية والدولية لمراجعة الاستثمارات في الشركات التي تسهم في تعزيز البنية التحتية أو الأنشطة الاقتصادية في المستوطنات غير القانونية، بعد صدور رأي استشاري من محكمة العدل الدولية العام الماضي يؤكد أن احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية غير قانوني ويجب إنهاؤه، وذلك منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة في تشرين الأول 2023.

وكشفت تقارير إعلامية في النرويج عن امتلاك الصندوق أسهماً في شركة «موتورز بيت شيمش» «الإسرائيلية»، التي تقدم خدمات لصالح جيش الاحتلال، منها صيانة مقاتلات حربية. وحسب ما نقلته صحيفة غلوبس الاقتصادية «الإسرائيلية»، فإن هذه الشركة المدرجة في بورصة تل أبيب، كانت من أبرز الشركات التي شملها القلق النرويجي، كما أفادت صحيفة «آفتنبوستن» النرويجية أن الشركة «تدعم الطائرات المقاتلة المستخدمة في القصف الجوي على غزة»، وتساهم في صيانة أو توريد مكونات حيوية للطائرات الحربية «الإسرائيلية»، والتي استخدمت في الغارات الجوية المكثفة على غزة في الأشهر الأخيرة. والجدير ذكره أن صندوق الثروة النرويجي امتلك، حتى نهاية عام 2024، حصة بلغت 2.09% من شركة بيت شيمش، تعادل نحو 15.2 مليون دولار أميركي.

إذن يأتي هذا التحرك النرويجي في سياق موجة متصاعدة من الضغوط الأوروبية لمراجعة العلاقات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني خصوصاً تلك المرتبطة بصناعات الأمن والدفاع، على خلفية الانتقادات المتزايدة للعمليات العسكرية «الإسرائيلية» في غزة.

وفي هذا السياق، تؤكد صحيفة غلوبس أن قضية «بيت شيمش إنجنز» تمثل اختبارا جديدا لمدى صمود الاستثمارات الأجنبية في السوق الإسرائيلية أمام العزلة الدولية المتزايدة.