اليهود ـ العبرانيون ـ الاسرائيليون: هل هي تسميات لمسمًى واحد؟ يختلف الدارسون حول ذلك إذ منهم من يعتبر أن تسمية يهود يرجع إلى يهوذا وهو أحد أبناء يعقوب، ويبدو أنه أسس مملكة صغيرة حكمها بعده أبناؤه وكانت جزءا من مملكة إسرائيل. ويفسر آخرون الكلمة من الناحية اللغوية إذ جاء في محيط المحيط للبستاني: هاد الرجل، يهود في المضارع، أي تاب ورجع إلى الحق، وفلان دخل في اليهودية. وكذلك اختلف المفسرون حول كلمة عبرانيين فمنهم من قال إنها تنسب إلًى عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح حسب ما هو وارد في الاصحاح العاشر من سفر التكوين التوراتي. ويقول آخرون إن الكلمة مشتقة من فعل عبر مرتكزين على ما ذكر في التوراة من عبور إبراهيم من أور الكلدانيين إلى أرض كنعان مرورا بحاران. وفي الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين ترد لأول مرة كلمة عبراني في الآية 13 حيث نقرأ:« فأتى من نجا وأخبر أبرام العبراني» إذ لم يكن بعد دين يهودي، فهل عنى الكاتب بذلك أبرام الذي ينتمي إلى قبيلة عابر أم الذي عبر من أور إلى أرض كنعان؟ أسئلة لا نجد أجوبة لها في العهد القديم. أما كلمة إسرائيلي فلا خلاف عليها لأنها تعني كل فرد ينتمي إلى ذرية يعقوب الذي أبدل يهوه اسمه ليصبح إسرائيل، وهذا اليعقوب كان قد أعطى الولادة لاثني عشر ذكرا عرفوا بأسباط بني إسرائيل. وبرأيي أن الاسم تطور مع مجرى التاريخ، فكان عبرانيا بداية مع بدء رحلة إبراهيم وعبوره من أور إلى حاران فأرض كنعان، ثم أصبح إسرائيليا نسبة إلى إسرائيل أي يعقوب. ثم ارتبط اسم اليهود برأيي باسم مملكة يهوذا. بعد انقسام مملكة إسرائيل بعد موت الملك سليمان إلى مملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال أي بداية من الحدود الشمالية الحالية لكيان الاحتلال مع لبنان وصول إلى أريحا، ومملكة يهوذا في الجنوب من أورشليم إلى بئر السبع حيث عرف سكانها باليهوذيين فقلبت الذال في اللغة العربية إلى دال فأصبح المصطلح يهود.
هذا حسبما هو وارد في التوراة، لكن هناك كثر من الدارسين الذين يرفضون الرواية التوراتية ولا يعتبرون التوراة كتاب تاريخ أو ذا مصداقية تاريخية. يقول المؤرخ توماس طومسون في كتاب« التاريخ القديم للشعب الاسرائيلي»: إن العهد القديم لم يكن تاريخا تحول إلًى خيال بل خيال تحول إلً تاريخ» ويورد طومسون كلاما للباحث آلت يقول: «إن البحث التفصيلي للمشكلة المحيطة بأصول إسرائيل يمكن أن يبدأ فقط عندما تنجح الطوبوغرافيا والاركيولوجيا بتقديم بينات مستقلة تملأ الفجوات العديدة التي خلقتها الأشكال الأدبية المختلفة للروايات». وهناك بعض الدارسين الذين انطلقوا من كلمة «عابيرو» الواردة في رسائل تل العمارنة والذين عرف عنهم أنهم طبقة دنيا ناقمة هربوا من القمع الامبريالي المصري ليعيشوا لصوصا وقطاع طرق، ويظهر أنهم استقروا في المناطق الجبلية بعد خروجهم من مصر وشكلوا، بضغط من الفلسطينيين، هياكل سياسية أصبحت فيما بعد إسرائيل.
ولكيلا نستطرد كثيرا حول هذا الموضوع أصبح من المؤكد أنه لا توجد بينة تاريخية حقيقية تؤكد على أصل هذه الجماعة والتي هي ليست أمة كما يقول سعادة، بل هي كنيس وثقافة. وهذا يعني أنهم ليسوا أمة وليسوا حتى بشعب، بل مجموعة من القبائل البربرية التي لم تكن تعرف أبسط تجليات الحضارة الانسانية الأولى، ونصوص التوراة شاهدة على ذلك وسأعطي مثالين :«وفي تلك الليلة كان كلام الرب إلى ناثان قائلا. اذهب وقل لعبدي داود: هكذا قال الرب: أأنت تبني لي بيتا لسكناي. لكني لم أسكن في بيت منذ أن أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم، بل كنت أسير في خيمة وفي مسكن« سفر صموئيل الثاني الآية .6 ـ 5 ـ 4 نفهم من هذا أن هذا الرب هو شيخ القبيلة أبهرته بيوت الكنعانيين فأراد أن يتشبه بطرق معيشتهم فعليه إذن ترك الخيمة وهي رمز لحياة الرعاة ورمز للبداوة والانتقال إلى بيت وهو رمز المدنية. والمثال الثاني نستقيه من سفر صموئيل الأول حيث تمنى الشعب على صموئيل أن يعين عليهم ملكا « فنكون نحن أيضا مثل سائر الشعوب ويقضي لنا ملكنا ويخرج أمامنا ويحارب حروبنا… فقال الرب لصموئيل اسمع لصوتهم وملك عليهم ملكا». هذه القبائل البربرية لم تكن بعد قد ترقت من حياة البداوة فأرادت أن تتشبه بالكنعانيين الذين كانوا قد عرفوا حياة المدن = الممالك، وبالطبع كان الملوك يعيشون في قصور فخمة ما زال بعض آثارها قائما.
هذا ما نستشفه من كتاب التوراة، فهل هناك أية وثيقة تاريخية تؤيد هذا الكلام؟ بالطبع لا. حتى أن المؤرخ اليهودي زئيف هر تزوغ وكثيرون غيره بدأوا برفع الصوت كاشفين أن أخبار الآباء (أي إبراهيم واسحق ويعقوب وصولا إلى داود وسليمان (كلها أساطير، وبأن اليهود لم يدخلوا مصر وبالتالي لم يخرجوا منها إلى أرض كنعان وأن كل كلام عن مملكة إسرائيلية موحدة، وعن قيام سليمان ببناء هيكل له في أورشليم هو كلام خيالي وليس تاريخيا واقعيا. ويمكنني أن أضيف بأن التاريخ المصري القديم كان دقيقا بتوثيق كل تفاصيل الحياة العامة، لكنه يخلو من أية إشارة إلى يوسف وإلى موسى وإلى أي وجود لبني إسرائيل في مصر والتي تقول التوراة إنهم عاشوا فيها 430 سنة. هناك إشارة وحيدة إلى بني إسرائيل في لوحة الفرعون مرنبتاح ولقد تمسك بها دارسو التوراة اليهود والمتهودون على أنها الدليل الوحيد على وجودهم في فلسطين فماذا جاء في هذه اللوحة؟ في السطر السابع والعشرين يؤرخ مرنبتاح لانتصاره في حملة له على كنعان، ولقد ورد في السطر المذكور ما يلي:«دمرت يزريار ولا بذور لها»، واختلف الباحثون والدارسون على تفسير هذا السطر، فبينما اعتبر بعضهم أنه يقصد انتصاره على الشعوب التي كانت تسكن في مرج ابن عامر في فلسطين، فسر آخرون أنه قضى على بذور الحقول في هذا السهل بحيث أنه حرم السكان من زراعتهم. لكن الذين كانوا يسعون لإيجاد أي أثر لبني إسرائيل في فلسطين فسروا كلمة يزر بأنها إسرائيل بحيث يصبح المعنى أن الفرعون مرنبتاح قد قضى على مملكة إسرائيل. ويقول الدكتور محمد رأفت عباس مدير عام إدارة البحث العلمي بمنطقة آثار الإسكندرية :«إن وجود الشعب الإسرائيلي على أرض كنعان خلال تلك الحقبة) أي بين عامي 1213 و1203 ق.م. أي خلال عشر سنوات من حكم مرنبتاح (هو أمر مستبعد تماما بعكس ما أشيع منذ العثور على هذه اللوحة».
ومن هنا انطلق لأقول إن ما يعنينا من أمر هذه القبائل ليس تاريخها فوق أرضنا، وإنما استغلالها حديثا، لنصوص دينية خاصة سياسيا فنهبوا أرضنا واستدعوا رعاع ذراريهم المنتشرون في أوروبا التي كانت تعاني من وجودهم في مجتمعاتها، فالتقت المصلحتان: مصلحة اليهود بأن يكون لهم أرضهم الخاصة لكي يقيموا عليها مملكتهم الحديثة، ومصلحة الأوروبيين بالتخلص منهم أولا والاستفادة منهم كخط دفاع لمصالحهم في بلدنا ثانيا. هذا باختصار شديد تاريخ هذه الجماعة التي استطاعت، من خلال التقيد الحرفي بتعاليم إلهها الخاص، أن تنشر الذعر في العالم أجمع في قلب كل من يتجرأ، ليس أن يعاديها، بل أن ينتقد أفعالها وممارساتها التي يندى لها جبين الإنسانية.
يبقًى أن أشير إلى ما ورد في الإصحاح 26 من سفر التثنية من أمر يهوه بني إسرائيل أن يصرحوا ويقولوا أمام الرب إلههم: «آراميًا تائِهًا كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل، فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة» والأب الأرامي الذي يشير إليه الكاتب هنا ليس سوى إبراهيم، فإذا كان إبراهيم آراميا فهذا يعني أنه ليس غريبا عن أرض كنعان لأن الكنعانيين والآراميين أولاد عمومة حسب ذرية كل من سام وحام كما أوردها الكاتب، والتي نشكك بها، بل أكثر من ذلك نعتبرها مجرد أسطورة تقصد منها الكاتب خلق تاريخ لشعب ما من أحد يستطيع أن يؤكد كيفية ظهوره في مجريات التاريخ. لذلك يقول شلومو ساند المؤرخ اليهودي في كتابه )اختراع الشعب اليهودي( ما يلي: « هذا الكتاب، أي التوراة، كان يمكن أن يشكل بالنسبة لنا وثيقة تاريخية أمينة أكثر لو كنا متيقنين بدرجة كافية من التواريخ الدقيقة لكتابة كل جزء من أجزائه». ويقول كمال الصليبي في كتابه )خفايا التوراة («بأن الباحثين حاولوا عبثا التوصل إلى معلومات ثابتة تاريخيا بشأن شخصية إبراهيم لما لها من مكانة دينية، منذ القرن الماضي، فلم يوفقوا في ذلك». ويقول المؤرخ فراس السواح في مقالة له نشرت في مجلة الفكر الديمقراطي العدد :1 «اتضح أن كل ما كتب ويكتب اليوم حول الفترة الممتدة من إبراهيم إلى يوسف هو محض تخيل وافتراض» وأنا أمدد الفترة لكي تصل إلى داود وسليمان اللذين تؤكد الحفريات الحديثة وأبحاث الأركيولوجيين بأنهم لم يستطيعوا العثور على دليل أثري واحد يؤكد وجود مملكة إسرائيل التي أسسها داود وبني الهيكل فيها ابنه سليمان. وعندما نطقت عالمة الآثار كاتلين كانيون بهذه الحقيقة طردتها حكومة الكيان المغتصب وهي التي كانت استقدمتها خصيصا للبحث عن هيكل سليمان.
وجدي المصري

