د. لؤي زيتوني في ديوانه وليمة لعشبة الخلود (دار فكر للأبحاث، بيروت 2025، مطبعة جورج الحاج)، يردُّنا، مجازياً، إلى تراث سورية العظيم، الوافد من بلاد سومر، مُزداناً بملحمة جلجامش حيث البحث عن عشبة الخلود، أي الحياة الأبديّة، عبر تطواف الروح الأزلي في العالميْن، السُّفلي والعُلوي. لكنّ غرضَ د. زيتوني متّصلٌ وثيقاً بفكره السّوري القومي الاجتماعي. ومن هنا تندرج قصيدته تحت خانة الشّعر التمّوزي الذي رفع بيرقَه جماعة مجلّة شعر، وفي طليعتهم خليل حاوي وأدونيس وجبرا ابراهيم جبرا وبدر شاكر السيّاب ويوسف الخال، وإن كان د. زيتوني يستلهم الكلمة منطلقاً للإبداع:
أعظمُ الإبداعِ كلمةْ
فحزنٌ يولَدُ من كلمةْ
وفرحٌ يصعدُ في كلمةْ
وعرشٌ يسقطُ بالكلمةْ
وسماءٌ تُبنى على كلمةْ
لكنّ ذاتي الواقعة في صحارى الصّمت
تعيشُ أعاصيرَ الكلمةْ
خلفَ فضاءاتِ الضّياءِ
لتسمعَ في وضح النّهايات:
“في البدء كان الكلمةْ”
ليدفعَ اليأسَ عنه إثر ما آلت إليه بيروت فدمَغت بعضَ بيته الشّعري بحزن لم يكن منه بُدٌّ:
في بيروت
يعلّق النّاس مصابيحهم
على سمواتٍ مستعارة
يعلنون طيفاً بهيئة سفّاحٍ
حارساً عند أبواب أحلامهم
في بيروت
يضيع المارّون عن وجه التّاريخ
فمتى نبني للحقيقة وطناً وبيوتْ؟
ومتى نسترجعها بيروت؟
في تقديمه إلى الدّيوان يلحّ د. علي مهدي زيتون على أنّ د. زيتوني “كشف عن أكبر همومه في ما يأمله بأن تصير عليه الأمّة. وعنوان بهذه الإمكانات التعبيريّة كفيل بالإشارة إلى لغة شعريّة تستطيع الإفصاح عن مواجع الشّاعر بكلّ دقائقها، وما تثيره من تطلّعات”.
وإذا كان د. زيتوني ألمح ضمناً إلى جلجامش في عنوان ديوانه، فإنّه جهر علناً لغياب عشتار، رفيقة جلجامش، عن المشهد التمّوزي، وإن بقيا في وعيه الباطن ركيزة لآماله القوميّة، تذكرة بحسرة حاوي في قصيدته الفاجعة “لعازر 1962″، فنطق د. زيتوني بالهمّ نفسه:
لا وقت لي
لكي أحصي الرّبيع
وما تبقّى منْ أزهارْ
لأنّ عُشّاقَ اللّونِ انتهوا
وانقضى النّهارْ
وأُفقُنا لا يعرِف إلّا الرّمادَ
وظلامَ الرّيحِ النّازِفِ
ملءَ الغبارْ
لا وقتَ لي
إنّ الجرادَ يقضُّ
وليس لنا عِشتارْ مُنذراً بالخراب واليباب وسط غياب الفداء، داعياً، في آن، إلى حتميّة التمسّك ببعث الحياة وتجدّدها تحت بيرق الزّوبعة.

