لا يمكن لسلطة في العالم ان تمارس دورها دون اداة قمع، أدوات القمع في العالم الثالث وتحديداً في الدول العربية ليست للدفاع عن التهديدات الخارجية، بل مخصصة لبقاء الأنظمة فقط لا غير.
في دولة كالتي نعيش في كنفها يمارس مواطنوها حق الاقتراع وتنشط فيها الصحافة ولديها مؤسسات دستورية من تشريع وتنفيذ وقضاء وإدارات محلية في القرى والدساكر وفوقهم جميعا تداول سلطة، ما ينقصها لتحظى بصفة الدولة الاستقلالية انما عنصر المواطنة.
ان بناء المواطنية في لبنان ليس بالأمر اليسير لكنه ايضاً ليس بالأمر المستعصي رافضي المواطنة هم هم منذ إعلان غورو، إقطاع سياسي جرى تغيير ادواته من خلال الحرب الاهلية بمساهمة شامية ومؤسسات دينية تبدو في العلن على انها متضاربة لكن عند (المحزوزية) يتضامن كل في موقعه مع الإقطاع السياسي الذي يضمن لها الامتيازات التي حصلت عليها منذ اتفاقية كوتاهيا عام 1833 السنة التي تعتبر بداية تراخي السلطنة وبدء التدخلات الخارجية من قبل الغرب.
لا يخفى على أحد التزاجل الإسلامي المسيحي في موضوعة المواطنة، المسلمون يريدون إلغاء الطائفية السياسية ينبري المسيحيون للمناداة بالعلمنة الشاملة، الطرح الإسلامي يحمل مخاطر لدى الطرف المسيحي لمسألة العدد، والطرح المسيحي ليس رد فعل وحسب، بل لقناعة تامة ان الطرف الاسلامي يعتبر العلمنة تقويض للمرجعية الدينية.
امام هذين المشهدين لا يبقى لبناء الدولة سوى الاستراتيجية الدفاعية، استراتيجية لا تعنى فقط بالدفاع عن لبنان في حالة الاخطار الخارجية، بل لكي تكون فاعلة ،يجب ان تمر من خلال مؤسسات قائمة لتاريخه لم تلعب الدور المناط بها، ان بالقوات المسلحة او الوزارات الاخرى المعنية بتقديم الخدمات للمواطنين.
شهد لبنان في نهاية القرن الماضي وبزوغ الحالي مدرسة قتالية استطاعت ان تحرر الارض وتعيد اليها الناس مدرسة أعجب بأدائها العدو قبل الصديق واصبحت تدرس في المعاهد العسكرية ان لتبنيها او لدرء مخاطر قد تقدم عليها في المستقبل. وبدل ان تحظى في لبنان باهتمامين رسمي وشعبي وتبنيها كنموذج دفاعي يقوم الاثنان بالحث على تفكيكها كونها تتبنى ايديولوجية مذهبية لا تحظى بقبول العرب الذين هرعوا لتوقيع اتفاقيات مهينة مع العدو ويسعون الان لتوسيع رقعتها عبر الإبراهيمية كما وتزعج قوى النهب الدولي الذي جل ما يسعون اليه هو السيطرة على مصادر الطاقة.
بإمكان لبنان بشقيه الرسمي والشعبي ان يحقق مطلبه في دولة سيدة رغم كل الظروف المحيطة بتحويل تلك المدرسة من خاصة إلى عامة وذلك عبر استراتيجية دفاعية تبدأ بالتأهيل العسكري المستدام في المدارس والجامعات الذي يقع على عاتقها بناء مواطن الغد دون الاصطدام بالمرجعيات السياسية والطائفية.
التغيير يشكل عقدة للمجتمعات كافة من دون وعي كافٍ، اذ يتم تحويله وتحريف مقاصده من قبل المستفيدين من الراهن وتتحول المطالبة به إلى كارثة كما حصل بالعام 75.
اما اليات التنفيذ لهذه الاستراتيجية يجب ان يضع المختصين خارطة طريق لها بالبعدين المدني والعسكري وعلى الجمهور اللبناني الذي لتاريخه اثبت انه حاضر ناضر للدفاع عن حريته في الداخل ان يبذل ذات الجهد ليدافع عن سيادة الارض دون مراهنات إقليمية او اممية لان اي تدخل منها من المحتم انه لن ليكون لصالح لبنان، بل للحفاظ على مصالح تراها هي مناسبة.

