الكوميديا السوداء…التطبيع بخسارة

داهمنا الربيع العربي الزائف بغير موعد مؤذناً بانتهاء عهد، والدخول في عهد جديد، كانت سورية الشام ساحته الأهم والأخطر، والتي عانت من حرب كونية عليها لعقد ونصف، في بداية ذلك الربيع وغباره كان في المعارضة السورية قوة إشتراكية وعلمانية وقومية، كما كانت هنا قوة إسلامية وأخرى تمثل الطوائف والإثنية، وطالما رأينا على فضائيات الفتنة المثقفين والمثقفات يتحدثون من باريس ولندن وعواصم أخرى عن عيوب النظام وفساده وديكتاتوريته، ولكن كل هؤلاء ما لبثوا أن اختفوا مسلّمين الراية للجهادية الإسلامية الأصولية، التي سرعان ما احتكرت الدعم الأمريكي ـ الغربي، والعربي ـ الإبراهيمي، وبالطبع «الإسرائيلي»، وغرفة موك وغيرها، لم تعد تفاصيلها مجهولة، أما بما يتعلق بالأكلاف المالية لدعم الجهادية الاسلامية، فبإمكان من أراد أن يستزيد أن يعود إلى ما كان قد صرح به الشيخ حمد بن جاسم: دفعنا للضابط بالجيش السوري 30000 دولار لينشق، و للجندي 15000، ولرئيس الوزراء رياض حجاب 50000000 دولار… سورية كانت صيدة (فريسة) لكن تهاوشنا عليها.

عابت هذه المعارضات على النظام السابق غياب الديمقراطية، ولكن الدستور الذي أُعد على عجل بعد رحيل الرئيس السابق، قد ابتعد عن الديمقراطية بمسافات أبعد بكثير عما كان عليه وجعل من الرئيس فوق كل السلطات، وهو ما ينسجم مع مقابلة الشرع مع مراسل الجزيرة عام 2015، والتي اعتبر فيها الانتخابات والديمقراطية بدعة غربية، واتهم النظام بعجزه عن تحرير الجولان، ولكن ذروة اعجاب مراسل الجزيرة بأبي محمد الجولاني كانت عندما حدثه عن ضرورة تحرير سورية من المشروع الإيراني، ومن المقاومة اللبنانية، كانت ملامح أحمد منصور تتفتق إعجاباً بضيفه، قد عاد ليواصل تسويقه الرخيص له عندما اصبح الرئيس أحمد الشرع بعد وصوله إلى دمشق حيث قارب أن يجعل منه أحد الذين شهدوا معركة بدر. ـ

عابوا عليه الفساد، وإذا بالنظام الجديد لا يتعامل إلا مع الفاسدين من رجال النظام السابق، ولكن أكثر ما كان يتم اتهام النظام السابق به كان خسارة هضبة الجولان عام 1967، وعدم القدرة على تحريرها لاحقاً، ومنع قوى المقاومة من أن تصارع العدو عبر الحدود السورية، لكن بعيد استلام هؤلاء للحكم سرعان ما أخذت لقاءاتهم المباشرة مع دولة الاحتلال تتواصل، وتُعقد في عواصم عربية وفي باكو (أذربيجان) وتركيا وأماكن أخرى قد مثلت سراً يعرفه الجميع، ولكن لقاء أول أمس الأربعاء مع أنه ليس الأول بين الوزيرين، إلا أنه كان مُعلناً ورسمياً، وهو ليس بلقاء مباشر فقط، وإنما إعلان بأن مسار التطبيع المعلن قد انطلق في طريقه. ـ

وإذا كان النظام السابق قد خسر هضبة الجولان ولم يستطع تحريرها، وهذا أمر صحيح، وفي غير صالحه، إلا أن النظام الجديد قد خسر أضعافها في ما تبقى من الجولان وحوران ومحافظة السويداء وحوض اليرموك وجبل الشيخ ومعظم مصادر المياه التي تغذي الأرض السورية، و المشروع «الاسرائيلي» المعلن يتحدث عن طريق داوود التي ستوصل شرق الفرات (المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد) بفلسطين المحتلة. ـ

إنها دراما سوداء، فالتطبيع ليس مقابل استرداد أرض محتلة ولو بسيادة منقوصة، وإنما لضمان بقاء النظام، ودوام الرضا الأمريكي عليه، فما أعلنته حكومة الشرع ـ الشيباني عن لقاء الأربعاء مع نظيره «الإسرائيلي» أن الوزيرين قد اتفقا على تفعيل إتفاق وقف إطلاق النار الذي إُبرم عام 1974 بعد حرب تشرين، وبما يضمن وقف التوغلات «الإسرائيلية» في داخل الأراضي السورية، ولكن لم يناقش انسحاب القوات «الاسرائيلية» من المناطق التي احتلتها في عهد الجهادية الاسلامية، واتفق الوزيران على وحدة الأراضي السورية، وعلى أن الدروز مواطنين سوريين؟؟؟ وعلى ضرورة إغاثتهم عبر منظمات دولية وبالطبع المهم هنا أن «إسرائيل» توافق على ذلك. ـ

لم يتطرق الاجتماع لهضبة الجولان لا من قريب أو بعيد، وهي التي أعلنت «إسرائيل» ضمها لتصبح جزءاً من أرض الدولة بموافقة الرئيس الأمريكي، ويبدو أن الشيباني والشرع لم يعرفا بتصريحات بنيامين نتياهو منذ أيام، والتي قال فيها أن العناية الربانية هي من أرسلته ليقود هذه المرحلة التي سيتم فيها إقامة «اسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، والتي تشمل شرق نهر النيل، وكامل الأرض السورية في مرحلة ما قبل اتفاق سايكس بيكو. ـ