ما بعد الثواني الأربعين.. هكذا يتخطى الأطفال وأهاليهم هلع الزلزال

حبّ البقاء غريزة مزروعة في عمق النفس البشرية وظيفتها المحافظة على حياة الانسان واستمرار نوعه، وعندما يهدّد حدث ما ذلك البقاء يتأثّر الإنسان بتعرّضه لصدمة يتراوح تأثيرها النفسي بحسب صلابة جهاز المناعة النفسي لديه وبحسب تعرّضه لصدمات سابقة والضغوطات النفسية في حياته اليوميّة.
عند حدوث كوارث طبيعية كالهزات والزلازل تختلف الطريقة التّي يتأثّر بها الناس في هذا الإطار، فهناك من يتأثّر بشكل كبير يصل لمرحلة الرهاب من الزلازل أو حتى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة(PTSD) ، ومنهم من يعاني من عوارض القلق الطبيعي الذي يزول مع مرور الوقت. لا يقتصر الأمر هنا على الأعراض النفسية بل تظهر نتيجة الصدمة على شكل أعراض جسديّة مثل الشعور بالدوار، الإغماء، التعرّق المفرط، الارتجاف، آلام في الصدر، صعوبة في التّنفس اضطرابات في المعدة ومشكلات في الذاكرة. ومن المهم التّأكيد أنّ جميع هذه الأعراض قد تخفّ وطأتها مع مرور الوقت إذا ما جرى التعامل معها بشكل مناسب.
أمّا بالنسبة للتأثيرات النفسية على البالغين فتأتي على الشكل التالي:
1- القلق والاكتئاب: من أعراضهما التعب، التوتر، فقدان النوم، العصبيّة، عدم القدرة على التركيز وانخفاض الاهتمام بالأنشطة اليوميّة. عادة ما قد تختفي هذه الأعراض مع مرور الوقت.
2- وجود هواجس مستمرة وعدم القدرة على التّأقلم.
3- العزلة والانفصال عن الآخرين عاطفيًا.
4- الاضطرار لتناول المشروبات الكحوليّة أو المخدّرات للشعور بالتحسّن.
5- رهاب الزّلازل (Seismophobia)، وهو الافراط في الخوف من الهزّات الأرضيّة رغم مرور عدّة أسابيع على وقوع الزّلزال وظهور كوابيس ذات صلة به مع صعوبات في النّوم، بالإضافة إلى العزلة الاجتماعيّة نتيجة هذا الخوف واللّجوء إلى تغيير الخطط الحياتيّة وشعور بانعدام الأمان والعيش في حالة تأهّب دائم ورغبة في الفرار.
6- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): أظهرت الأبحاث بأنّ نصف الأفراد المعرّضين لصدمة الزلازل وأجريت عليهم الدراسة، أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة وهو التأثير الأكثر شدّة حيث يستمرّ لأشهر أو سنوات ويعاني صاحبه من تكرار عيش لحظة الحدث الصادم مرارًا وتكرارًا، أو كوابيس متكرّرة مع تجنّب أي شيء يذكّرهم بالحدث والشعور بالتهديد المستمر بإعادة تكرار الحدث الصّادم (الزلزال) حتّى بعد مرور فترة طويلة.

في الواقع هناك خطوات تساعد على التخفيف من حدّة أثر الصدمة النفسية نتيجة حدوث الزلزال، منها:
– تجنّب العزلة، بل الأفضل أن يكون الفرد محاطًا بلقاءات الأصدقاء والأقارب أو بمهام عمل، فمساندة الأهل والأصدقاء تمنح دعمًا نفسيًا وتحمي من الشعور بالوحدة وعدم الأمان.
– عدم كبت الخوف لأنه لن يحجّمه، فتجاهل المشاعر وكتمانها يزيد تأثيرها السلبي على الصحة النفسية بعكس الحديث عنه والإقرار بالمشاعر السلبيّة الذي يعدّ الخطوة الأولى في علاج الصدمات.
– مواصلة النشاطات اليوميّة للمحافظة على الروتين المعتاد والحصول على ما يكفي من ساعات النوم، وتجنّب كلّ ما يزيد القلق والتوتر مثل الشاي والقهوة والسجائر…
– محاولة وضع خطّة في حال وقوع الزلزال، فذلك سيزيد ولو قليلًا من الثقة بعدم خروج الأمور عن السيطرة.
– تدريب الذات على توقّع الأفضل وذلك عبر تذكّر المحن التي مرّت في السابق والقدرة على تخطّيها.
بالإضافة إلى كلّ ما تقدّم، فإنّه في حال استمرار الأعراض لمدّة شهر أو أكثر بعد حدوث الزلزال، يفضّل الاستعانة فورًا بمتخصّص يالعلاج النفسي بسبب احتماليّة الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة أو رهاب الزلازل واللّذين يحتاجان لبرامج وتقنيّات علاجيّة مناسبة.

هذا ويشير الأطبّاء النفسيون بأنّ تأثير الكوارث على الصغار يفوق تأثيرها على الكبار، فالأطفال في سنّ صغير يتأثّرون أكثر من الكبار لعدم اكتمال نموّهم النفسي وطريقة تفكيرهم، فقد يبدو الطفل قويًا وهذا لا يعني أنّه لا يخاف، وتأثير الصدمة النفسيّة لدى الأطفال يكون على الشكل التالي:
* مباشرة بعد الحدث:
– صعوبة في النوم.
– أحلام مخيفة وكوابيس.
– خوف وقلق عند مفارقة الأهل.
– تبوّل لا إرادي ومصّ الأصابع.
– سيطرة ذكريات ما حدث على تفكيرهم.
– ضعف التركيز.
– توتر وغضب وعدم طاعة الأهل.

* على المدى الطويل:
– كآبة وقلق نفسي يستمران لأسابيع عديدة مما يسيء لحالة الطفل ويؤدي إلى تدهورها ممّا يحتّم ضرورة العلاج النفسي.
– اضطراب ما بعد الصدمة بما يتضمّن من استرجاع ذكريات الأحداث (Flashback) لمدة ثوانٍ وكأنه يعيشها الآن بكل انفعالاتها، بالإضافة إلى تجنّب التفكير بالحدث وسرعة الاستثارة والانفعال ممّا يعيق حياته اليوميّة وتركيزه في درسه.

أمّا تقديم المساعدة للأطفال فيبدأ بتقبّل الأهل للاضطراب النفسي الحاصل لهم، فهو طبيعي، والسماح لأبنائهم بالتحدث عمّا حدث أو التعبير عنه بطريقة الرسم أو الصور، وعدم ترك الطفل بهدف نسيانه للحدث. كذلك يجب سرد ما حدث بهدوء وتقييمه لهم بشكل صحيح، ممّا يساعد على التكيّف أو التعايش مع الخبرة المؤلمة، مع إظهار الأهل لانزعاجهم أو انفعالهم نتيجة ما حدت، مترافقًا مع الإجابة على أسئلتهم حول أسباب حدوث الزلزال بشكل علمي مبسّط وذكر أنّه لا يحصل دائمًا. كذلك من المهمّ تجنيب الطفل محاولة إحياء الحدث الصادم عن طريق تجنيبه صور أو فيديوهات تتعلّق بالزلزال وأثاره، كما يجب تشجيع الطفل على أنشطة تُبقي عقله مشغولًا بأمور إيجابية. أمّا في حال استمرار ظهور عوارض الصدمة لعدّة أسابيع من بعد الحدث فيجب استشارة أخصائي نفسي للمساعدة في العلاج.

ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة