لا أنكر أن مسألة الذكاء الاصطناعي قد شغلتني كثيراً، ولا أدّعي أنني استطيع بمفردي أن أعطي الإجابات عن كل المواضيع والمسائل التي يطرحها هذا الاكتشاف الجديد / القديم ( ولكن لم يعلن عنه إلا حديثا) ومع بزوغ شمس يوم جديد تطالعنا الصحافة العالمية باجتهادات ومقالات و دراسات كما الانهيارات الثلجية أو انهمار مطر كثيف، فلا يكفي نهارنا كله نتيجة هذا الفيض، حتى نقرأها وفي حال قرأنا نذراً يسيراً منها ؛ هل نستطيع أن نفكر ونستوعب ما قرأناه، وفي اليوم التالي نستفيق على أطنان طازجة من المعلومات والمقالات أيضا و أيضا حول هذا الموضوع …
لا يسعني سوى القول؛ لقد سبقنا الزمن ولم نعد نستطيع اللحاق بركابه!
من تلك الأسئلة يطرح السؤال التالي:
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُفكّر حقًا؟ وقد حاول الدكتور (ريان ليك) استكشاف الذكاء الاصطناعي من خلال الفلسفة اليونانية، نعم الفلسفة لمن يشكك بقدراتها على فهم الوجود والانسان والتطور …
أما عن رايان ليك فهو، أستاذ مساعد في الكتابة في جامعة جنوب كاليفورنيا، وهو يقترح استكشاف ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا حقًا على التفكير من خلال الرجوع إلى تعاليم الفلاسفة اليونانيين القدماء، وفقًا لما ذكره مراسل وكالة أنباء كازإنفورم، نقلًا عن the conversation « ذا كونفرسيشن».
يشير(ليك) إلى أن طلابه يجدون سهولة في تقييم القدرات الفكرية للذكاء الاصطناعي، مثل المعالجة والتحليل ونقل المعلومات. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتفكير الفعلي، يجد الكثيرون صعوبة في تقديم إجابة واضحة. فعلى الرغم من أن كلمتي «الذكاء» و«التفكير» غالبًا ما يُنظر إليهما على أنهما مترادفتان، فإن الفلاسفة، منذ آلاف السنين، فرّقوا بينهما بشكل كبير.
وذلك من خلال هرمية المعرفة لدى الفيلسوف أفلاطون فمن خلال حواره في كتابه «الجمهورية»، قدّم أفلاطون نموذج «الخط المقسوم»، الذي يفرّق بين أشكال الفهم العليا والدنيا. في القمة نجد النوي سيس (noesis)، وهو الإدراك الحدسي للحقيقة، الذي يتجاوز العقل والإيمان والإدراك الحسي، وقد اعتبره أفلاطون خاصية من خصائص الروح.
وبعد ذلك يأتي الديانوايا (dianoia)، وهو التفكير القائم على الجدل والمنطق. أما أسفل الخط الفاصل فتوجد البيستيس (pistis)، وهي الإيمان المبني على الخبرة، والإيكاسيا (eikasia)، وهي الخيال أو الرأي المبني على انطباعات خاطئة.
وفقًا لهذا الإطار، فإن الذكاء الاصطناعي، في غياب تجسيد مادي، لا يمكنه التفكير أو الفهم كما يفعل البشر. علاوة على ذلك، فإن «الهلاوس» المتكررة للذكاء الاصطناعي ـ حين يولّد معلومات تبدو معقولة لكنها غير دقيقة ـ تشبه الإيكاسيا، وهي أدنى أشكال الفهم في هرمية أفلاطون.
أما بحسب تقسيم العقل عند أرسطو
فقد تميّز تلميذ أفلاطون، أرسطو، في مؤلفه «في النفس»، بتحديد الفارق بين العقل الفعّال والعقل المنفعل. فالعقل الفعّال، أو النوس (nous) ، غير مادي ويخلق المعنى انطلاقًا من الخبرة، متجاوزًا الإدراك الجسدي. أما العقل المنفعل فمرتبط بالجسد ويتلقى الانطباعات الحسيّة دون أن يشارك في عملية التفكير.
وترى آراء أرسطو حول البلاغة أيضًا أن اتخاذ القرار يتطلب الجسد والحواس والتجربة الحياتية. فبالنسبة له، البلاغة ليست مجرد إقناع، بل تشمل ملاحظة كيف تُشكّل الحقائق والعواطف والطبع البشري عملية التفكير. ومن المشكوك فيه أن الذكاء الاصطناعي يستخدم البلاغة بهذه الطريقة.
وهنالك أيضا مفهوم آخر مهم في فلسفة أرسطو هو الفرونيسيس (phronesis)، أو الحكمة العملية. ففي «الأخلاق النيقوماخية»، يعرّف أرسطو الفرونيسيس على أنها خبرة الحياة التي لا ترشد التفكير الصحيح فقط، بل تساعد على توجيه هذا التفكير نحو أهداف فاضلة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل كميات هائلة من البيانات، إلا أن الفرونيسيس تتجاوز المعلومات، فهي تشمل الحكمة والفهم الأخلاقي.
ولكن ماذا لدينا في الواقع؛ اليوم يتّخذ الذكاء الاصطناعي أشكالًا مادية متعددة، من المركبات ذاتية القيادة إلى الروبوتات في مجال الرعاية الصحية. وإذا كانت الفلسفة القديمة ترى أن الذكاء يتطلب تجسيدًا، فقد يبدو أن الذكاء الاصطناعي يقترب من التفكير البشري.
ومع ذلك، فإن هذه الأشكال ليست أجسامًا حقيقية، بل أنظمة مبنية على الشيفرات والخوارزميات والبيانات. فالفهم الحدسي، والمشاعر، والحكمة العملية، كلها تبدو بحاجة إلى شكل متجسّد تشكّله التجربة الحياتية.
وعندما سُئل ChatGPT عن قدرته على التفكير، كانت إجابته:
»أستطيع معالجة المعلومات، وتحليل الأنماط، وتوليد الردود بناءً على البيانات. لذا، من بعض النواحي، قد يبدو أنني «أفكر». لكن هذا ليس تفكيرًا كما يفعل البشر. ليس لديّ وعي، أو مشاعر، أو نوايا، أو إدراك ذاتي. كل ما «أقوم به» يعتمد على أنماط تعلمتها من كميات هائلة من النصوص، ومن مجموعة من القواعد والاحتمالات. أستطيع «محاكاة» بعض جوانب التفكير، لكنني لا أفكر أو أفهم فعليًا كما يفعل الإنسان».
وهذه الإجابة تتماشى مع آراء أفلاطون وأرسطو ـ على الأقل في الوقت الحالي.
وقد كانت وكالة أنباء كازإنفورم قد ذكرت سابقًا أن روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي تستطيع تقليد التعاطف.
عود على بدء نريد أن نفهم عمق العاطفة قبل أن نفكك رموز خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ولا شيء يضاهي كلمات أغنية حب واحدة حين يرتعش القلب مثلا فالفعل هنا هو فعل الحب في كل جوانبه وألوانه ومتى حللناه ذكائيا، سوف يفقد حكما معناه و إنسانيته و هذا رأس جبل الجليد و الآتي أعظم .
أيمن يسري

