تسليم السلاح…. خديعة عسكرية جديدة

بينما تتصاعد التهديدات من كل حدبٍ وصوب، وفي لحظة تاريخية مفصلية من تاريخ لبنان المعاصر، ومع تزايد التوتر في الإقليم، تأتي السلطة اللبنانية وتحت ضغط أميركي مباشر كي تطرح بنداً واحداً وحيداً على جدول أعمال مجلس الوزراء نهار الثلاثاء الواقع فيه 05/ آب/ 2025 تحت عنوان: «وضع جدول زمني لتسليم سلاح المقاومة»، في خطوة تظنها «تعزيز السيادة» أما في جوهر المضمون، فهو خديعة عسكرية قد تكلف وجود لبنان خاصة في ظل العدوان المستمر من قبل العدو الإسرائيلي، وغياب أي ضمانات أميركية أو أوروبية.

الجميع يعلم ومنذ صدور القرار الأممي ذو الرقم 1701 في آب من سنة 2006، التزم لبنان بحكوماته ومقاومته بتنفيذ كافة بنوده خاصة على صعيد وقف الأعمال العسكرية وضبط مسألة الحدود. في المقابل لم تلتزم إسرائيل يوماً بهذا القرار منذ ذلك الحين، فقد قامت بأكثر من ثلاثين ألف خرقاً برياً، جوياً، وبحرياً وذلك بحسب الإحصاءات التي قامت بها الأمم المتحدة نفسها، والحكومات اللبنانية المتعاقبة، وحتى من مصادر أخرى، في ظل صمت دولي مريب ومؤامرة أمريكية-أوروبية الآمر الذي يفضح النوايا الحقيقية خلف تلك الدعوات التي تطالب «نزع السلاح». 

النموذج الفلسطيني:

عند العودة إلى تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، في بداية ثمانينات القرن الماضي، تحديداً بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، خضعت المنظمة لضغوط دولية بهدف تسليم السلاح والخروج من بيروت ضمن تفاهم رعته طبعاً أميركيا، فماذا كانت النتيجة؟

عدم احترام للضمانات، وبالتالي لم تلتزم إسرائيل بتعهداتها كالعادة، بل ذهبت أكثر من ذلك، فقد ارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا تحت مرأى المجتمع الدولي وصمته.

وفي قطاع غزّة سنة 2005 حدث نفس الشيء وبدأ القطاع يتعرض للقصف الإسرائيلي وآخرها عملية طوفان الأقصى، والان قطاع غزّة مدمر بالكامل، حيث تكاد تنعدم الحياة هناك.

 النموذج السوري:

ما حدث في غزّة يحدث اليوم في سورية، التي وعلى الرغم من انخراطها في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل، ما زالت مواقع الجيش السوري تتعرض للتدمير آخرها ما حدث خلال شهر تموز من العام الجاري، إضافة إلى التوغلات البرية الجارية يومياً

قوة لبنان الاستراتيجية:

منذ تحرير البلاد سنة 2000 وسلاح المقاومة كان يشكل الرادع الحقيقي في وجه إسرائيل والدليل أن العدو الإسرائيلي لم يتجرأ يوماً على الاقتراب من الحدود كما كانت تفعل في الماضي وصولا إلى حرب تموز 2006 وهزيمة العدو الذي أقرّ بها عبر لجنة «فينوغراد» الإسرائيلية، عندها فُرضت معادلة جديدة تحت عنوان: أن أي اعتداء سيقابل برد عنيف.

واهم من يعتقد أن سلاح المقاومة هو فائض للقوة، بل أصبح سلاح المقاومة ضرورة وجودية في ظل الأخطار من الجهات الأربعة، فمن الشمال والشرق اليوم نحن أمام خطر حقيقي من قبل تنظيمات إرهابية، ومن الجنوب الأخطار الإسرائيلية لا زالت قائمة وبتصاعد يومي، إضافة إلى أطماعها في مياهنا وثرواتنا، وغازنا ونفطنا وحدودنا.

نزع قوة لبنان الاستراتيجية:

أنها ليست المرةّ الأولي التي يُطرح فيه موضوع نزع سلاح المقاومة، لقد سبق أن طُرحت خلال مؤتمرات الحوار الوطني، ومن خلال أكثر من مبادرة محلية، إقليمية ودولية، لكن الجديد اليوم أن الطرح يأتي بصيغة «فرض جدول زمني» ضاربا بعرض الحائط كل ما له علاقة بالسيادة وبالأمن القومي. وكأن القرار هو لأضعاف لبنان وتحويله إلى ساحة مكشوفة.

الانقسام اللبناني نقطة ضعف استراتيجية.

أن الانقسام الحاد في الشارع اللبناني حول قضية السلاح أي بين ما ينظر اليه على أنه عنصر قوة استراتيجية، وبين ما ينظر اليه على أنه عبئاً داخلياً، هذا الانقسام بدون أي شك يخدم مصلحة العدو، والذي يعمل ليل نهار على تفكيك المجتمع اللبناني بهدف تسهيل تنفيذ مشروعه دون أن يطلق رصاصة واحدة.

لكن السؤال المركزي اليوم: مَن يحمينا مساءً أذا سلمنا السلاح صباحاً؟

هل من ضمانات دولية؟!

هل وقفت معنا الأمم المتحدة طيلة فترة قتالنا مع هذا العدو؟

هل تجرأ مجلس الأمن يوماً لإجبار إسرائيل بوقف إجرامها تدميرها المستمر منذ العام 1948؟

الدرس التاريخي:

لقد علمتنا التجارب، أن الضعفاء لا يُصغى إليهم في السياسة الدولية، لم تمنع الشرعية الدولية والمجتمع الدولي المجازر والدمار، وحدها كانت القوة هي القول الفصل، وحدها القوة التي تحافظ على كرامة الإنسان وتحمي الأرض. وإذا كان هناك فعلا حاجة لنقاش مسألة سلاح المقاومة، فيجب أن يتم ذلك في إطار استراتيجية وطنية شاملة، تضمن أولاً الحماية من العدوان، وثانياً تضمن القرار اللبناني المستقل. أما أن يفرض بند واحد وحيد في مجلس الوزراء تحت التهديد والوعيد بقطع الدعم السياسي والاقتصادي، فهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أننا أصبحنا فعلاً تحت انتداب جديد!!  

بناء الدولة قبل تسليم السلاح: 

ما يحتاجه اللبنانيون اليوم هو بناء دولة قوية قادرة، قبل التفكير بنزع السلاح بحيث تستفيد منه في إطار عملية دفاع وطني جامع، أما التخلي عنه في ظل كل ما ذُكر وأمام تلك المعطيات فليس سوى خديعة عسكرية قد ترجعنا إلى الوراء عقود من الزمن، وتفتح الباب أمام حرب أهلية مذهبية جديدة تماماً كما حدث في العام 1975.

وليكن معلوماً لدى الجميع: أن المقاومة ليست طرفاً سياسياً، بل هي حق مشروع في وجه العدوان والاحتلال، وهي ضرورة وجودية فرضتها التجارب، أن التخلي عن المقاومة وسلاحها ليس سوى انتحار لبناني جماعي.

وليكن معلوماً لدى الجميع أيضاً: مَن يجرد لبنان من سلاحه وقوته الاستراتيجية، دون أن يجرد إسرائيل من أطماعها، ليس وسيطاً نزيهاً، بل هو شريك في قتل الشعب اللبناني.

 باحث في علم التاريخ.