»أكثر ما يؤلم الضحيّة، ليس قسوة الجلّاد…بل صمت المتفرّجين ».غسَّان كنفاني.
ـ المنطقة تعيش بين الرسائل السياسية التي يحملها المبعوث الأميركي توماس باراك في مذكراته الثلاث للبنان.
ـ وبين الرسائل العسكرية التي ينفّذها نتنياهو في قطاع غزّة والمستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية.
ـ وما بين الاثنين غياب كامل للمشروع القومي في مواجهة التحديات المصيرية التي تعصف بالمنطقة.
جاء قرار مجلس الوزراء اللبناني في جلسته الاستثنائية التي انعقدت نهار الثلاثاء في الخامس من آب الجاري والذي يتضمّن موضوع حصرية السلاح تنفيذاً لدفتر الشروط الأميركية/ الإسرائيلية الذي يحمله المبعوث باراك، ليضع لبنان مجدّداً أمام عقبات سياسية وأمنية تبعث إلى القلق إذا لم تتداركها جميع الأطراف بروح المسؤولية الوطنية بعيداً عن الاحتقانان التي يغديها هكذا مناخ.
ولعلّ ما يحمله باراك في جعبته غدا جليّاً وواضحاً أمام العيان، إذ يُشكِّلُ فتيلاً للتفجير الداخلي الذي تحلم به إسرائيل على مدار الساعة ، كونه يُشكِّلُ مدخلاً لتعميق الانشقاقات والتصدّعات المعشّشة في جنين الكيان اللبناني منذ تأسيسه، هذا من جهة، وكونه يساهم في تمزيق الوحدة الوطنية الهشّة أساساً كمقدمة للانخراط في مواجهات أمنية سياسياً وعسكريّاً تمعن في تدمير البنى الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها توفّر على إسرائيل فتح جبهة شمالية، في الوقت الذي توظّف فيه مجمل طاقتها وطواقمها العسكرية في حرب الإبادة الدائرة للسيطرة على قطاع غزّة وتهجير سكّانه إلى أربع زوايا الأرض.
هذا في الرسائل السياسية، أمّا على الصعيد العسكري فلقد أصرّت إسرائيل خلال الأشهر الإثنين والعشرين المنصرمة على تقديم حالة التدمير والتهجير والتجويع والاقتلاع في القطاع، كنموذج تضمره للبيئة المحيطة بفلسطين بالكامل، وهي إذا ما كانت تستبيح كافة الأعراف والقوانين والقرارات الدولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان وكافة المنظمات الدولية وأجهزتها، إضافةً إلى الاستخفاف والاستهتار بقرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت قرارات الاعتقال بحق نتنياهو وزمرته……كل ذلك لتقول للعالم أجمع أنّها ماضية في عرض عضلاتها العسكرية دون حسيب أو رقيب بأنها ماضية في حرب إبادة مفتوحة تقدّم فيها نموذجاً للمحيط القومي الذي تطمح منذ ما فبل تأسيسها على الاستيلاء عليه تنفيذاً لأحلامها التوراتية والتلمودية.
أمام هذا المشهد العاصف بالأحداث والتطورات والمتغيرات على مدار الساعة، يقف البعض مكتوفي الأيدي، يضعون العصبة أمام عيونهم، وهم يذكروننا دائماً بالقول المشهور للشهيد غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في الثامن من تموز عام 1972 في بيروت والذي جاء فيه: «أكثر ما يؤلم الضحية. ليس قسوة الجلاد، بل صمت المتفرجين ».وما أكثر من هؤلاء المتفرجين في محيطنا القومي وعالمنا العربي والإسلامي، أولئك الذين فرغت الشوارع من صراخهم وهتافاتهم، أولئك الذين لم يتجرأو حتى تاريخه من مهاجمة السفارات والبعثات الديبلوماسية الإسرائيلية في بعض العواصم العربية، أو من الضغط على حكوماتهم لتخرج عن حالة الصمت حيناً والتواطؤ أحياناً.
لم يعد يخفى على أي صاحب بصر، أنّ ما تقوم به أميركا/ ترامب من دعم مطلق وغير مشروط للكيان الصهيوني في حروبه الهمجية على الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري يندرج في إطار الرسائل السياسية الأميركية لإخضاع العالم أجمع…وأنّ ما تقوم به إسرائيل من عمليات عسكرية واسعة النطاق ومفتوحة هو لإخضاع المنطقة بالكامل لطموحاتها في السيطرة والتمدّد الذي لا حدود له.
ختاماً، إنّ أولئك الذين يقدمون التضحيات الجسام في غزّة والضفة والجنوب اللبناني لمواجهة هكذا مشروع، إنَّما يقاتلون عنّا جميعاً وعن أبنائنا وأحفادنا وربّما عن أجيالٍ لم تولد بعد.
فلنترك لهم السلاح بديلاً عن «حصريّته» لأن المستقبل لأولئك الذين يرفضون السجود أمام الطغاة والظالمين.

