كان الصخب كبيراً هذا الأسبوع والحدثان جلل الأول فيه من الفرح والعزّ
الكثير، لقد خضع العالم اخيراً امام إرادة جبارة صنعها البطل المقاوم جورج إبراهيم عبد الله، الذي رفض المساومة او المهادنة في وقفة عز لا ترّد، دفعت المحكمة الفرنسية لإطلاق سراح البطل، بعدما عجزت اخيراً عن استئناف قرار إطلاق سراحه، وقد اخرته نحو خمسة عشر عاماً، وكان إطلاق سراحه بثبات موقفه إشارة الى إرادة لا ترد ولا تقهر، وكأنما القضاء والقدر.
الجموع التي استقبلته والقوى التي رحبت به في عرس عز، عبرت جميعها عن حجم التقدير للمناضلين الثابتين على مواقفهم، لا تهزمهم لا شدة ولا ضغوطات، هو قدوة يريد منهم شباب بلادنا ان يكونوا قادته دون مبالاة لا لطائفة او حزب يكونونه، فالمعيار فقط هو الثبات في بوصلة الوصول الى حق امتنا بالحرية والاستقلال والسيادة الحقيقية.
حدث اخر عطل عرس الفرح الذي صنعه جورج إبراهيم عبد الله، بالغياب الصاعق والمفاجئ لشخصية فنية مبهرة بإيداعها وايضاً بخيارها الى جانب قضايا الشعب والأمة.
زياد الرحباني، الفنان المبدع ابن فيروز وعاصي الذي غاب اثر مرض لم يعرف به إلا قلة لصيقة به، وربما غاب حسبما قال وزير الثقافة سلامة، لتلكؤ في زرع كبد فسره البعض عدم توفر المال اللازم، او رفض زياد بعدما قرر ان يضع نقطة النهاية بعبارته «خلص».
وتقول الفنانة المبدعة نضال الأشقر، انه قرر الغياب تلقائياً، بعد كل حصل وربما لاستشرافه لما سيحصل في بلادنا.
وقال البعض ان زياد فعل ما فعله الشاعر خليل مطران عندما دخلت قوات العدو الى بيروت واحتلتها أثر الاجتياح الإسرائيلي عام 82.
وداع زياد الحاشد بشكل غير مسبوق في الحمرا من المستشفى حيث كان جثمانه يؤكد مدى ارتباط زياد الرحباني بقضايا الشعب، وهمومه وحريته ومقاومته التي عشقها، وربما كانت أبرز سماتها انه لم يساوم عليها ولا على لقادتها.
وكان المشهد المعبر، ان جموع مودعيه اختاروا شارع خالد علوان ليودعوه بالدموع والورود، والتصفيق، والهتافات بأقواله، واغانيه.
وعندما ترددت على الفضائيات اسم بلدته حيث الجناز في بلدته «المحيدثة» مترادفاً مع بلدة بكفيا المتنية، التي ترمز الى أسم آل الجميل، ظن البعض ان جماعة اليمين اللبناني التاريخي، سيتخطون موقف زياد التاريخي منهم، منذ سنوات الحرب الأولى وصولا الى هجرته ما يعرف بمناطق هؤلاء والانتقال الى الموقع الآخر، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل (مشاركة رمزية من الجميل الآب فقط) وكان بيان التعزية الوحيد مع «لكن» كبرى من جعجع الذي قال ليته انصرف للفن دون السياسة.
نذكر هنا قول لسعاده معلمنا
«الموسيقى الراقية انما وليدة عصر راق وإنتاج مخيلة مبدعة … تحتاج بدورها الى عصر يفهمها وهذه المخيلة المبدعة يجب ان تكون متأثرة بإحساس بقضايا الحياة عال جداً.»
زياد المبدع الذي لم تعطه الدولة حقه، كما لم تعط شريكه جورج عبد الله حقه، هما نتاج لبنان الضوء الذي نريده نطاق ضمان للفكر الحر ونطاق انطلاق للحرية ابداً

