من ساحرات «سالم » إلى الدمية «آنابيل» ثقافة الخوف والخرافة والايمان بالماورائيات الشيطانية

غريب أمرك يا أميركا والأغرب أمر هؤلاء الامريكان الذين يتحكمون بالإعلام والسينما والتلفزيون ويوجّهون الرأي العام بحسب أهوائهم!

من يقرا يوميات الميديا في الولايات المتحدة يعتقد أن الميديا بكاملها تعيش بوتقة مدينة الشيطان الكبرى وعاصمة الخرافة العظمى، وذلك ليس من صفات العصر الحديث، بل قبل ذلك فمنذ أن وصل المستوطنون الأوائل الى القارة الجديدة والشيطان يرافقهم ويتبع خطاهم (على الدعسة) كما نقول في بلادنا.

 الهواجس تسكن أفكارهم وتقضّ مضاجعهم وتحوّل حياتهم إلى مخاوف وهواجس وقلق وشعوذات وسحر ومسّ شيطاني في الأذهان والأبدان. في عصر السينما والشاشة الفضية شاهدنا عشرات أفلام الرعب وهي تفيض بأعدادها الهائلة، مما يشير الى عقليّة مريضة تتحكّم بثقافة ونفسيّة ومزاج هذا الشعب البسيط وهذه العقلية عينها هي ذاتها التي تسعى إلى تعميم هذه الثقافة في كلّ أنحاء العالم.

منذ بداية التأسيس أي حين وصل المستوطنون بسفنهم إلى العالم الجديد، جلبوا معهم وساوسهم وخرافاتهم وهم أصلا يعتبرون أنهم قدموا لجلب الحضارة إلى سكان القارة المتوحشين، وحصلت معهم أحداث مفزعة، ففي سنة 1692 وحتى سنة 1693 حصل ما يعرف بمحاكمات ساحرات «سالم» والتي أسفرت عن إعدام 20 شخصا أكثرهم نساء في مقاطعة خليج ماساتشوستس، في قرية سالم وصار الآن يطلق على مجموع المقاطعات : دانفرز، وايبسويتش واندور وطبعا مدينة سالم.

في القرن السابع عشر أثناء استعمار امريكا الشمالية اعتقد عدد كبير من النّاس أن الشيطان كان حاضرا وناشطا على الأرض وقد ظهر هذا المعتقد في اوروبا أثناء القرن الخامس عشر وانتشر مع استعمار امريكا الشمالية، مع مرور الوقت تحولت فكرة السحر الأبيض الى السحر الأسود وأصبحت مرتبطة بالشياطين والأرواح الشريرة ومنذ سنة 1670 أصبح السحر والاضطهاد والخرافات أمرا شائعا، وصدّق رجال ونساء قرية «سالم» أن كلّ مصائب بلدتهم مرتبطة بعمل الشيطان وأخذوا ينسبون كل الأحداث الأليمة الى الشرير الفاسق المتربّص ليؤذيهم ، فقاموا بحملة تطهير راح ضحيتها العديد من النساء اللواتي اتّهمن بالسحر والتعاطي الجنسي مع الشيطان .

مع مرور الزمن لم يشف الشعب الامريكي من هذه العقدة وظلّت ضحايا قرية «سالم» ماثلة في أذهانهم تلعنهم وتصبّ عليهم اللعنات والشرور مما وراء القبر فانتشرت العقائد الشيطانية والإيمان بالشر، كما تنتشر النار في الهشيم. جراء حادثة «سالم» استوطن الوسواس في خلفية هذا المجتمع الثقافية، والتاريخية، والنفسية، والاجتماعية.

في القرن العشرين وحتى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، بقيت هذه الهواجس تتفاعل في المجتمع الاميركي وانعكست على شكل مؤلفات أدبية تتناول الأحداث التي حصلت في ذلك الزمن وترجمت من خلال أفلام روائيّة ووثائقيّة، وكثرت الأحاديث التلفزيونية التي تتناول مواضيع الأشباح والأرواح والمسّ الشيطاني، وعلى رأسها الفيلم الشهير (المقسّم على الأرواح) The EXORCIST وهو في الأصل رواية لكاتب أميركي، من أصل لبناني يدعى «ويليام بيتر بلاطي »، وكرّت السبحة!

ومن شدة السخف أيضا والبراعة في التضليل الاعلامي في أميركا، هنالك برنامج تلفزيوني يستضيف عرّافة أووسيطة روحيّة أو معتوهة سمّوها ما شئتم، تقوم بالتواصل مع الأرواح في العالم الآخر ولكن ليس أرواح أي كان بل تتواصل مع أرواح المشاهير من الذين غادروا هذه الحياة حيث تقوم هذه الأرواح الثرثارة، باطلاع الوسيطة على يومياتها في العالم الآخر خاصة الأمور المضحكة والقفشات مع الفنانين الآخرين الراحلين كما تقوم أيضا بتقديم النصائح و الإرشادات للناس والفنانين الأحياء، الذين يطلبون منها النصح و المشورة لإداء بعض الأعمال .

أمّا ما يشغل اليوم الجمهور الاميركي والرأي العام المتنوّر ليس خراب الأمم في كل مكان من العالم والحروب والمجاعة التي تفتك بأطفال غزة وأهلها والكوارث حول العالم، ولكن يتابعون أخبار الدمية (آنا بيل) التي يزعمون أنها تقتل وتعدم وتحصد الأرواح وتجازي الناس أكانوا أبرياء أم مجرمين، لم يكتف الشعب الاميركي بالدمية تشاكي Chucky في سلسلة من الأفلام، بل قدّموا لنا عروسة الشيطان الجديدة الدمية (آنا بيل) التي تعيث في الارض فسادا. وقد ارتكبت جريمة جديدة، أما كيف حصل ذلك؟ فهذه هي التفاصيل نقلا عن مواقع إعلامية أمريكية:

بعد وفاة دان ريفيرا الإعلامي والمحقق في الظواهر الغريبة، علّق نجم برنامج «صائدو الأشباح» على شائعات آنا بيل المتعلقة بالسبب الذي أدّى الى وفاة دان ريفيرا.

قال جيسون هاوز، نجم برنامج «Ghost Hunters» (صائدو الأشباح): ثمة شائعة تزعم أن وفاة دان ريفيرا مرتبطة بدمية آنا بيل، الدمية التي ألهمت فيلم «The Conjuring» عام 2013، والتي يُقال إنها ممسوسة بأرواح شريرة.

تواصلت مجلة «نيوزويك» مع ممثل هاوز عبر البريد الإلكتروني للحصول على تعليق منه، بعد أن توفي ريفيرا بشكل مفاجئ من أيام عن عمر يناهز 54 عاماً في غرفة فندق في جيتيسبيرغ، ولاية بنسلفانيا، بحسب ما أفادت به «جمعية نيو إنغلاند للبحوث النفسية» (NESPR).

وجاءت وفاته بعد يوم واحد فقط من استضافته عرضاً لدمية آنا بيل خلال جولة NESPR  المباعة بالكامل تحت عنوان «شياطين على الطريق».

 وفقاً لتقرير شرطة ولاية بنسلفانيا، «لم يُلاحظ أي شيء غير عادي أو مريب في مكان الحادث».

أضاف نائب رئيس الطب الشرعي في مقاطعة آدامز، سكوت بينويل، في بيان لشبكة «Today»، أن وفاة ريفيرا «لم تكن مريبة»، مشيراً إلى أن نتيجة التشريح ـ التي من المتوقع أن تصدر خلال 60 إلى 90 يوماً ـ لا تزال «قيد الانتظار».

في بيان نُشر على فيسبوك يوم الأربعاء، كتب هاوز: «فقد العالم رجلاً طيباً»، وأضاف أن ريفيرا «كان من قدامى المحاربين في الجيش، وأباً لأربعة أطفال، وزوجاً صالحا، وشخصاً يهتمّ بالناس».

وتابع قائلا: «ما هو أصعب الآن هو رؤية المنشورات التي تلقي باللوم في وفاته على أمور مثل دمية آنا بيل، وتهاجم أماكن مثل جولات Ghostly Images في جيتيسبيرغ وغيرها من الفعاليّات. يجب أن يتوقف هذا الأمر الهستيري لا ينبغي لعائلته أن تقرأ هذا النوع من السخافات وهم يعانون من فاجعة الوفاة للترويج لأجندات من أجل الربح، وهذا أمر مقزز.

كان دان ربّ عائلة، ومحققاً محترماً في مجال ما وراء الطبيعة، وقد رحل عن هذا العالم قبل أوانه بكثير.»

تعود قصة آنابيل إلى عام 1968 عندما قُدمت كهدية لطالبة تمريض، لكنها وصديقتها لاحظتا «ظواهر غريبة متعلقة بالدمية»، بحسب موقع NESPR.

وتابعت الجمعية سرد قصة الدمية: «تعرفت الفتاتان على وسيطة روحانية أخبرتهما بأن الدمية تسكنها روح فتاة صغيرة تُدعى آنا بيل حاولت الصديقتان تقبل الروح وإرضاءها، لكنها ردت عليهما بالعدائية ونوايا عنيفة».

وقد أعلن مؤسسا NESPR، «إد ولورين وارن»، أن الدمية «ممسوسة شيطانياً»، وقاما بإزالتها من المنزل ووضعها في صندوق زجاجي لمنع تأثير الروح الشريرة.

عادةً ما تبقى آنا بيل محفوظة في متحف الظواهر الغامضة التابع لعائلة وارن في مونرو، كونيكتيكت، لكنها كانت في جولة مؤخراً.

كما كتبت رئيسة جمعية NESPR في بيان نُشر على فيسبوك يوم الإثنين: «بحزن عميق، نشارككم أنا وتوني ووايد نبأ وفاة صديقنا وشريكنا العزيز، دان ريفيرا».

أما نجم «مغامرات الأشباح» زاك باغنز، فقال في بيان لمجلة Us Weekly يوم الأربعاء: «أفكاري وصلواتي مع عائلة وأصدقاء ريفيرا. يمكنني التحدث فقط عن تجاربي مع آنابيل. أُتيحت لي فرصة التحقيق معها عندما أحضرها مالكها إلى متحفي في عام 2017. تأثرت بها بشدة، ما دفعني إلى لمس الدمية. لم يعجب ذلك مالكها. كانت إصابة شيطانية حادة أثرت على بشدة، وانتهى بي المطاف في المستشفى في اليوم التالي. استمر الأمر لمدة شهرين وكان من أسوأ تجاربي على الإطلاق».

وبعد ماذا يمكننا القول عن حفلة الهذيان تلك، عالم الشر والدمى. يقول الفيلسوف فرانسيس بايكون:

إذا أردت أن تنتصر على الطبيعة عليك أن تطيعها.

ما يحصل في تلك البلاد هو العكس تماما، هو إبداع في اجتراح طبيعة جديدة من دون طاعة ولا انتصارات، بل الإمعان دوما في هزائم العقل والمنطق .

ايمن ياسر