في تموز تتلمذت الخيانة..
تأهّب الموت رجفةً بعد رجفة..
تجلّد الصوت شهقةً تلو شهقة..
تسمّر الرجال والنساء قاطبةً لا حراك..
تصلبت الشرايين لا عناق..
أنّ الأنين بلا زفرات..
وقف الزمان في المكان يرثي ليلةً ظلماء..
وبقيت ليلة.. يتيمةٌ تجهشُ بالبكاء..
يافعةٌ تتغنى بالبقاء..
وبريئةٌ ترحّب بالغرباء..
تلوح كما السُكارى..
سكراتُ الموت تستقي..
تعلن مع كل رشفة صحوة الحياة..
يا خجل التاريخ من هذه الليلة..
يا ويح شعبٍ استكان فعانى الويلات..
في تموز جفّ الحبرُ وارتوى الفكر..
علا صوت العزّ معلناً النجاة..
مؤمناً أنّ للأمة البقاء..
أتعلمون ما الإيمان.. «شكراً» بصوتٍ وازنٍ للسجان..
صوتٌ صادحٌ.. مكبلٌ بالأصفاد
..متحررٌ بالأخلاق. يأبى الركوع..
شامخاً بنظراتٍ لا خنوع فيها..
رشفات قهوةٍ لا مرار فيها..
وهدوء لا ضجيج.. ولا ضمير..
فأولاد أبي لهبٍ تجمّعت.. على الطعن أجمعت..
في ليلة عجفاء نفذت.. فأثمرت وأزهرت وأينعت..
فكان كما كان حيّاً فينا.. يعلمنا.. ويهدينا..
مضى التاريخ بين ذلٍ وفخرٍ..
وبقيت ليلة حدثني عنها الكاهن..
بصمت الضجيج.. دخلوا الكنيسة..
أمواتاً.. يحملون حياً.. هُيّء لهم أنه نعش..
راحت الصلاة تعلو.. وتعانق السماء..
وقطرات دمٍ تشقّ طريقها نحو الحياة..
نقاط تدوي بصوتها تراتيل صلاة..
طلَّ فجرٌ.. وأنينُ الحصى يشكي لوعة التراب..
وارتطام الرفش يستبيح خلوة المجد..
فيعلو بصوته رنيناً تدوي معه الأجراس..
مع كلّ رنةٍ يقظة الحياة..
هابوا الفكر.. خافوا الاسم.. فخانوا الأمانة..
وأصداءُ الشكر تعلو في ليلة الثامن من تموز..
ونادى تموز.. أن يا عشتروت انهضي..
أخبري الآلهة.. وزنوبيا معهم أحضري..
وبسعادة هيّا استقبلوا سعاده..
أرادوه مأتماً.. فبات ميلادا..
ميلادُ أمة انبعثت..
من بين الصخور.. انبجست..
حياةٌ من رحم الموت..
فبرعمَ ربيع دائم.. بخصبه وثماره عائم..
لا خريف ولا شتاء ولا صيف قاسٍ..
بالحق والخير والجمال ابتدأ..
لينير أمة ويرشدها الهدى..
في تموز.. خجل التاريخ..
فكان الخلود بنهضةٍ عانقت الآلهة..
وحياة صنعت الإنسان..
على الأنا ترفّعت..
وبإشعاع الحضارة انصهرت..
أنّ نحن هنا.. وهنا سعاده..
بكونه كنا.. وكانت الحياة لنا الإعصار..
لتحيَ سورية وليحيَ سعاده..