لإنهاء التباطؤ في انتخاب الرئيس : إستفتاء شعبي يوجّه النواب لإختيار المرشح الأفضل

مقال نُشِر في صحيفتي “القدس العربي” (لندن) و”البناء” (بيروت) تُعيد نشره صباح الخير البناء:

ثمة إنسداد سياسي متمادٍ يعانيه لبنان منذ أكثر من ثلاثة أشهر إستولد بدوره صعوبة شديدة في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ، وخلافاً حول دستورية إجتماع مجلس الوزراء في حكومة مستقيلة ليس لها بموجب الدستور إلاّ تصريف الأعمال في أضيق الحدود ، وتخوّفاً لدى البطريرك والمطارنة الموارنة من “مخطط لإحداث فراغٍ في المناصب المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً في الدولة ، مستشعرين نيّة خفيّة ترمي الى تغيير هوية لبنان (…) وتلاشي الدولة اللبنانية وصولاً الى وضع اليّد على أشلائها “.

            ما العمل للخروج من هذا المأزق المقلق بصرف النظر عن مدى صحة او عدم صحة هذه التخوّفات والتداعيات سالفة الذكر ؟

            من الواضح أن مجلس النواب المنوط به إنتخاب رئيس الجمهورية يبدو عاجزاً عن الوفاء بموجباته بسبب تشرذم أعضائه وتوزعهم على تكتلات وشلل يصعب توافقها على قواسم مشتركة ما أدى الى إفتقاد اكثرية متوجبةً دستورياً لإنتخاب رئيس الجمهورية .

            صحيح ان  مجلس النواب هو المرجع الصالح لإنتخاب رئيس الجمهورية خلال مهلة محددة دستورياً ، لكن عجزه عن الوفاء بهذا الموجب الدستوري بات واقعاً يتكرر بإطراد منذ سنة 1958 ما يستوجب معالجة فعّالة لتفادي المزيد من إنعكاساته السلبية المتفاقمة على البلاد شعباً وكياناً ودولة. غير ان أيّة معالجة في هذا السبيل يجب ان تتفادى تعديل أحكام الدستور نظراً للحساسيات الشديدة التي تكتنف هذا الأمر في المرحلة العصيبة الراهنة. من هنا تنبع ضرورة ملحّة لإبتداع تدبير إصلاحي توجيهي يُسهم في تعجيل عملية الخروج من هذا المأزق المقلق حتى لو جاء بالغ الجدّة ومغايراً للتقاليد السياسية السائدة.

            ماذا لو جرى إستباق جلسة مجلس النواب المخصصة لإنتخاب رئيس الجمهورية بإستفتاء شعبي تنظّمه هيئة مؤلفة من شخصيات وازنة من خارج أهل السلطة والأحزاب والتنظيمات والتكتلات داخل مجلس النواب أو خارجه وذلك ضماناً لإستقلاليتها وعدم إنحيازها السياسي او المذهبي؟

            الغاية من الإستفتاء معرفة رأي الناخبين في مَن يعتقدون أنه المرشح الأفضل ليكون الرئيس الجديد للجمهورية . إن من شأن هذا التدبير الديمقراطي الإستثنائي الإسهام في تحقيق الإصلاحات والطموحات الآتية :

  • توجيه النواب الى إنتخاب المرشح الأفضل لرئاسة للجمهورية في ضؤ نتائج الإستفتاء.
  • تشكيل ضغط غير مباشر على التكتلات البرلمانية ، رئيساً وأعضاء ، للتعجيل في التفاهم على إنتخاب المرشح المناسب لرئاسة الجمهورية.
  • توجيه الناخبين المشاركين في الإستفتاء لإعطاء أهمية اكبر للأسس والمبادىء والالويات التي يرغبون في ان يجدوها متوافرة في المرشح للرئاسة .
  • تقليص نفوذ وبالتالي دور أمراء الطوائف والزعماء السياسيين التقليديين في إتخاذ القرارات السياسية المصيرية عموماً وإنتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً .
  • التمهيد لإعتماد الإستفتاء في المستقبل وسيلةً ديمقراطية لإعادة النظر بتقاليد محاصصةٍ بالية ما زالت معتمدة في قوانين وإجراءات الإنتخاب والتعيين لملء المراكز العليا في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
    سينبري مَن يعترض قائلاً إن الوضع السياسي والإجتماعي الراهن في البلاد لا يسمح بإعتماد هذا التدبير السابق لأوانه من جهة ، ومن جهة اخرى لضيق الوقت اللازم لإستكمال متطلبات تنفيذ الإستفتاء في حين يُجمع الناس المتضررون من تداعيات ومخاطر الوضع الإقتصادي والإجتماعي المأزوم على ضرورة الإسراع في إنتخاب الرئيس لتجنّب المزيد من المخاطر. غير أن المعترضين ينسون او يتناسون أن معوّقات سياسية وشخصية كانت تتسبّب دائماً في تأخير انتخاب رئيس جديد يخلف الرئيس المنتهية ولايته. ألم تمرّ سنتان ونصف السنة تقريباً قبل ان يتوصل النواب سنة 2016 الى إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ؟
    الحقيقة ان هذا الإستفتاء الإصلاحي الإستثنائي المقترح موجّه الى القوى الوطنية النهضوية المناهضة لنظام المحاصصة الطوائفي القادرة والمؤمل مبادرتها الى إعتماده وتنفيذه بمعزل عن اهل السلطة ، سيما وانه لا يتطلّب موافقتهم الرسمية ، كما لا يتطلّب تكلفة مالية مرهقة ، ويترك للناخبين جميعاً حرية المشاركة فيه وللنواب حرية الأخذ بما سينجم عنه من نتائج إيجابية او إهمالها .
    وعليه ، لأن الإستفتاء المقترح مطروح على الناخبين وعلى القوى الوطنية المناهضة لنظام المحاصصة الطوائفي وشبكته الحاكمة ، يقتضي في تنفيذه مراعاة الإجراءات والإعتبارات الآتية :
  • وجوب إجراء الإستفتاء على مستوى البلاد بأكملها كدائرة إنتخابية واحدة .
  • وجوب تسمية الأشخاص الذين أعلنوا رسمياً ترشحهم لرئاسة الجمهورية قبل إجراء الإستفتاء بعشرة أيام على الأقل.
  • التفاهم مع وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي ، كما مع مختلف وسائل التواصل الإجتماعي على بثّ برامج إعلامية مؤيدة لفكرة الأستفتاء وإبراز إيجابياته.
  • مواجهة المتحفظين والمعارضين لإجراء الإستفتاء بدعوى أنه يؤدي الى إختيار مرشحين موارنة مؤيدين او متحالفين مع قوى مؤيدة او متحالفة مع قوى سياسية معادية للأحزاب والتكتلات ذات الصبغة المارونية الغالبة بذريعة أن الناخبين المسلمين باتوا اكثر عدداً من الناخبين المسيحيين، والرد تالياً على تحفظاتهم بالواقعات والإعتبارات الآتية :
    (أ‌) كل الطوائف ، سواء المسيحية والإسلامية ، منقسمة على نفسها وليس ثمة إتجاه سياسي واحد غالب فيها.
    (ب‌) لا مجال لحدوث مضاعفات ومفاجآت سلبية جرّاء إستخدام بعض المرشحين التحريض الطائفي او المذهبي ضد مرشح واحد او اكثر لكون الناخبين المشاركين في الإستفتاء لا يحق لهم إلاّ التصويت لمرشح واحد فقط.
    (جـ) حتى لو تأثر المشاركون في الإستفتاء بالاعبتارات الطائفية والمذهبية والسياسية الضيقة فإن الحصيلة النهائية لنتائج الإستفتاء ستتكشف على الأرجح عن ميل معظم الناخبين الى التصويت لمرشحين متوازنين وطنياً وغير متحزبين او منتمين لجهات متطرفة.
    (د) تأمين حرية التصويت وسلامة إحتساب الاصوات بهمّة هيئة رقابية مؤلفة من شخصيات معروفة بنزاهتها بالإشتراك مع ممثلين لهيئات دولية محايدة كالأمم المتحدة وغيرها.
    لا محاذير من إجراء هذا الإستفتاء . وهو إن لم يكن مفيداً فإنه لن يكون بالتأكيد مضراً.

د. عصام نعمان