هذه الثورة هل اعطيت حقها من البحث والتدقيق بعيداً عن الوجدانيات والمرويات التقليدية؟
وهل ما تم ترسيخه في الاذهان السورية القومية الاجتماعية هو الحقيقة الناصعة أو ما أرادته قيادات الحزب ذاك الزمن عقب استشهاد الزعيم مباشرة؟
لا شك أن الزعيم كان يطمح للثورة في لبنان وبعدها ما يليه فور عودته من مغتربه القسري إلى بيروت الشام واذكر انه سبق أن مر على الذهن انه لام قيادة الحزب على عدم التوجه بتلك الجموع الهائلة التي استقبلته من المطار فورا إلى السرايا الحكومي.
كما انه المح في كتاباته بعد صدور مذكرة التوقيف بحقه عقب عودته أن الحزب بوضعه آنذاك كان اقوى من الجيش اللبناني الناشئ.
وفيما نشره عقب انتخابات نواب لبنان عام 1947 الشهيرة بتزويرها فانه عمد إلى مواجهة الحكومة اللبنانية بقوة وصلابة حتى تراجعت امامه ملغية مذكرة التوقيف الغيابية.
وانشا جهازا خاصا للتدريب.
لكن ما صدمه وجعله يتريث هو وضع معاونيه في قيادة الحزب، فمنهم من خان ومنهم من انحرف أو هاجر أو انكفأ واستقال وابتعد ومعظمهم لم يكونوا على مستوى رجال نهضة أو دولة وهذا ما يبدو بوضوح في رسائله إلى بعض العمد والرفقاء في تلك المرحلة، بل عمد إلى حل المجلس الاعلى ومجلس العمد معتبرا أن معظمهم صبيان قضية عظمى يقضون اوقاتهم حتى بالاجتماعات الرسمية بالهزل واللامبالاة واللا نظامية.
انما كان شديد الثقة ببعضهم الآخر وثقته كلية مطلقة بصفوف الرفقاء الشعبية.
ويظهر جليا من مذكرات مدير عام الامن العام آنذاك والتي نشرها مشكورا الرفيق احمد أصفهاني أن أجهزة السلطة اللبنانية كان لديها معلومات عن تحضير للثورة عليها من قبل الزعيم وذلك قبل حادثة الجميزة. هل كان الزعيم يخطط فعلا للثورة؟
برأيي المتواضع نعم وبالتأكيد.
الزعيم وهو البعيد النظر ولا يمكن أن يخدع بسهولة ومن مذكرات بعض ذاك الرعيل من الصحابة ومذكرات حضرة الأمينة الأولى يستبان أن بعض قيادات الحزب وضعت الزعيم بأجواء غير صحيحة. وان الحزب قادر على حشد ما لا يقل عن عشرات الالوف من الرفقاء. وانهم في حال لم يعلن الزعيم الثورة سيعلونها هم.
وليس صحيحا أن الزعيم لم يكن مهتما بسلامة الزعيم، وهو المؤسس، بل انه وبعد إعلانه الثورة وذهابه إلى دمشق الشام حيث الوعود الكاذبة، وان الاتجاه تغير وذكر ذلك في آخر رسالة ارسلها لزوجته وقال بالحرف: « أن الحالة تغيرت في الايام الاخيرة عن القاعدة التي كانت عليها في الايام الاولى لوصولي حيث انا. فبعد أن أعطيت لي وعودا بالمساعدة وابتدأت المفاوضات على مقدارها وكيفيتها توقفت المساعي وتغير الاتجاه وحصلت المضايقة التي رأيت بعض فصولها الأخيرة ولذلك أصبح من اللازم أن احسب حسابات دقيقة وان أشرف بنفسي على التدابير الأخيرة وان اتهيأ للانتقال السريع حالما اشعر أن لا أمان لي حيث أنا. «
ومن كتابات أخرى أن معاوني الزعيم آنذاك منعوا عنه رؤية زوجته التي طلبها ولم تصل اليه تحذيرات من كثيرين على معرفة مثل الشاعر الراحل الرفيق عمر ابو ريشة أو الرفيق السابق الراحل أكرم الحوراني كأنما كان الزعيم مأسورا قبل اسره.
كما هو واضح أن الزعيم كان يهيئ للانتقال السريع من دمشق الشام ومغادرتها حالما يشعر أن لا أمان عليه.
لا ننكر بطولة الزعيم ومواجهته للغدر والشهادة بشهامة وكبر واباء واعتزاز وجلد قل نظيره انما بالتأكيد لم يكن يريد ذلك.
وأذكر أن اول مرة اثيرت بمعرفتي هذه التساؤلات كان في ندوة عقدت بمناسبة الثامن من تموز في صالون الرفيقة فضيلة فتال الادبي في طرابلس حاضر فيها الرفيق الراحل جان داية طارحا تساؤلات عميقة عن تلك الثورة.
كان الزعيم معتمدا على قوة الحزب الاساسية المؤلفة من عشرات آلاف القوميين الاجتماعيين مراهنا على تلبيتهم ودعمهم، كان معتمدا على دعم سلطات (دمشق) . في دمشق كانت الخيانة وفي لبنان كانت الصدمة.
القيادات غابت
عشرات الآلاف من الرفقاء دون قيادة لم يظهر منهم الا مجموعة تعد على اصابع اليد الواحدة سيطرت على مخفر درك حارة حريك ومجموعة استعراضية في سيران سر حمول وكوكبة ارسلها سعادة بقيادة الشهيد الصدر عساف كرم وقعت بكمين غادر في سهل مشغرة. هل كان الزعيم سيعلن الثورة لو كانت لديه معطيات دقيقة عن وضع الحزب؟
ورغم مرور أكثر من ثمانية واربعين ساعة على وجود الزعيم حيا اسيرا لدى السلطة اللبنانية بعد خيانة الزنيم حسني لم يتحرك أحد.
كأنما ترك لمصيره برفقة بعض المؤمنين الذين استشهدوا امامه ومعه.
لو شعر الزعيم بان لا امان عليه لكان انتقل سريعا وما وقع في الاسر.
لقد كان استشهاد الزعيم خسارة كبيرة للحزب والنهضة والامة وهو في عز عطاءاته.
. أن ثورة الثامن من تموز تحتاج إلى دراسة تاريخية دقيقة لأنها جزء أساسي من تراث الحزب وهي نكبة له وقوة ودرس على السواء ،يقتضى معرفة خفاياه ليكون امثولة لمن يبحث عن بعث نهضة .