“هذا الهجوم يعدّ هجوماً على المجتمع المتحضر”، جملة أطلقها بايدن تختصر منهجية واشنطن ومنطقها، إذ إن العالم المتحضر بنظر الولايات المتحدة الأمريكية هو الراعي وكلب حراسة أمن “اسرائيل”، هو الكيان الوحشي والدموي، وتحضره يأتي من تعداد المجازر والاعتقالات واغتصاب الأراضي والقتل والتلاعب في أمن واستقرار المنطقة، وكلما ازدادت هذه الأفعال ازداد تحضراً، حسب رؤية أمريكا الوسيط غير النزيه في مسألة صراعنا مع العدو الصهيوني، فلن تكون واشنطن في صفوف شعوب العالم العربي ضد “إسرائيل”، ولن تنفذ ما تتحدث عنه من ديمقراطية وحقوق الإنسان وحريات الشعوب، ولن تغير ثوابتها في الإنحياز السافر وفي ولائها للصهيونية.
وهي تحاول جاهدة لتصفية المسألة الفلسطينية سواء عن طريق مشاريع التطبيع بين الدول العربية التي تحاول بها إرضاء أمريكا، فتسهم مع أمن “اسرائيل” في محاولة كسر المقاومة، والمال العربي أصبح جاهزاً للإسهام بعملية التصفية، فدول الخليج أصبحت مفتوحة تماماً على الكيان المحتل، وتسهم في مشاريع إقليمية بمشاركة “إسرائيل” وإدماجها بالمنطقة، وتعميق وتوسيع اتفاقيات “ابراهيم” والمشاريع “الابراهيمية” التي تتم تحت جناح التطبيع، ومحاولة تصوير المطبعين على أنهم ينتمون إلى نسل ابراهيم، وإيهام شعوب المنطقة بأن التطبيع مع الكيان شيء إيجابي، وهذه الاستراتيجية الجديدة تقوم بدعم المسار السياسي التفاوضي عبر مسار الحوار الديني، لاختطاف كل المقدسات والعقائد، ووضعها تحت جناح الصهيونية، باعتبار أنها جزء من الحرب الأيديولوجية الأمريكية لتدمير الهويات الوطنية لمصلحة الهويات الطائفية “الابراهيمية”، وبناء ذاكرة جديدة تلغي التاريخ الوطني وثقافة المقاومة، وتسخّف فعلها باعتباره “حرب أولاد عم”، والدعوة إلى بناء (أمة صهيون) تسمى الأمة الابراهيمية، وتنفذ مخطط الشرق الأوسط الجديد.
إن أمريكا وأعوانها يضعون خططهم لضرب المقاومة والقوى والدول الداعمة لها، إمّا بالحروب الإرهابية أو الحصار الاقتصادي “سوريا-لبنان” لإرغامها على الرضوخ للاتفاقيات والمشاريع الصهيونية، أو الهجمات والقصف المباشر بالطيران الإسرائيلي، كما حصل في أصفهان الإيرانية والهجمات الإسرائيلية التي جاءت على خلفية رسالة أمريكية للعودة إلى مسار المفاوضات النووية، “فإسرائيل” تخشى على نفسها من أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً، ووسائل إطلاقه باعتبارها حليفاً وداعماً للمقاومة الفلسطينية، وجاءت تلك الهجمات بغية افتعال توتر، وخلق خطر، وانجاز خارجي يجعل الإسرائيليين يتجاوزون حالة الانقسام والمعارضة، وإنعاش حكومة نتنياهو بعد العمليات النوعية للمقاومة التي كانت في العمق الإسرائيلي.
إنها تريد حسم الصراع وإخماد المقاومة من خلال القوة والتهديد الذي كان آخر ما تفتقت به العقلية الأمريكية المجرمة من خلال زيارة وزير خارجيتها للأراضي المحتلة، وتهديد رئيس السلطة الفلسطينية بضرورة قمع المقاومين من خلال دورات تدريبية لعناصر الأمن الفلسطيني، كما تم في بداية تشكلها. وللأسف فإن المواقف التي تطلقها السلطة الفلسطينية بعد كل عدوان صهيوني على شعبنا من إعلان لوقف التعاون الأمني أصبح نكتة سمجة لا تستحق حتى المرور عليها، ولا التعليق. إن خطورة الطرح الأميريكي المنسق والمنسجم مع العدو هو جرّ الساحة الفلسطينية إلى حرب أهلية واقتتال داخلي، تقضي به على المقاومة ثم تصفية السلطة الفلسطينية وإعطاء دور السلطة للأردن من أجل القيام بالدور الأمني للسلطة بعد انخراط الأخيرة بالمشاريع والمعاهدات الإسرائيلية، ومن ثم إعلان الكونفدرالية أو الفدرالية؛ ويؤكد ذلك ما كتبه بيريز البينلوكس الثلاثيّ: الأردني الفلسطيني الإسرائيلي، حيث قال: العبقرية اليهودية وراس المال العربي والأيدي العاملة الرخيصة، وحددها أردنية وفلسطينية.
إن المقاومين لن يسلموا سلاحهم، ولن يوقفوا مقاومتهم، ولن يستسلموا لسلطة رهنت نفسها تماماً لعدو شعبها، وكان أحد ركائزها اتفاقية أوسلو المشؤومة، بخاصة مع وجود أسبقيات في تسليم المقاومين وإعطاء معلومات عنهم.
وسيجعل الفلسطينيون الولايات المتحدة، وكل المطبعين والعملاء والداعمين يقلقون على مصير “اسرائيل” التي ستكون لقمة سائغة لفوهات سلاح أحرار فلسطين؛
إن “إسرائيل” ترقص رقصة الموت وتشعل النار التي ستحرقها.
رئيس المجلس الأعلى عامر التل