على مدى أيام انشغلت وسائل الإعلام الأميركية والغربية ومعها الكثير من وسائل الإعلام عبر العالم بحادثة اختراق منطاد صيني لأجواء الولايات المتحدة الأميركية ، وتم تقديم الخبر على الطريقة الأميركية المليئة ب ” الأكشن ” وكأن العالم بات على شفير النهاية الى ان تدخّل الكاوبوي الأميركي وقام باسقاط المنطاد المعتدي على هيبة أميركا ، لكن هذه المرّة على حصان أعرج وبتوقيت الكاوبوي نفسه ليذكرنا الأمر بمثل لبناني ” الدولة بتمسك الغزال على حمار اعرج ” .
وحتى تحفظ أميركا ماء وجهها صدر بعد اسقاط المنطاد بيان يؤكد ان تحليل المعدات التي تم انتشالها من المحيط من بين حطام المنطاد هي معدات خاصة بالتجسس وليس معدات متخصصة بالرصد الجوي كما افاد بيان وزارة الخارجية الصينية .
والغريب في الأمر ان الأميركيين اكتفوا خلال يومين بمراقبة المنطاد رغم انه كان يطوف فوق منطقة شديدة الحساسية وهي منطقة مونتانا التي يتموضع فيها عدد كبير من منشآت ومنصات الصواريخ العابرة للقارات إضافة الى قواعد ذات طابع حساس .
واذا كان المنطاد كما يقول البيان الأميركي بعد تحليل المعدات على متنه يحتوي أجهزة تجسس فذلك يعني ان الصينيين قد تمكنوا من مسح وتصوير المنطقة وتلقي البيانات بشكل مباشر في غرفة عملياتهم التي تدير وتوجه المنطاد ، علماً بأن الأميركيين برّروا عدم اسقاط المنطاد فوق منطقة مونتانا لخوفهم من احداث اضرار ناتجة عن الحطام وهو امر فيه الكثير من التبرير اللامنطقي .
فلو افترضنا جدلاً ان طائرة حربية او مسيّرة معادية لأميركا كانت تحلق فوق ذات المنطقة هل كانت أميركا ستنتظرها حتى تحلق فوق المحيط ومن ثم تعمد على اسقاطها ؟
التبرير الأميركي في قواعد الدفاع المعتادة هو عذرُ اقبح من ذنب ويمس هيبة أميركا بشكل لا لبس فيه .
1- من نافل القول انّ اسقاط المنطاد هو حق سيادي للولايات المتحدة وهو امر يندرج ضمن حق الدول في الدفاع مجالاتها البرية والبحرية والجوية لكن الملفت كان هذا الكّم من البروباغندا والإستعراض الذي سبق اسقاط المنطاد وما بعد اسقاطه .
2- من المؤكد ان ما رافق تحليق المنطاد يعكس تنامياً للأزمة السياسية المتصاعدة بين الديموقراطيين والجمهوريين ويكشف الصراع الحاد على المستوى الداخلي في اميركا التي باتت اكثر انكشافاً على الرغم من تغليف الأمر بأنه المسار الطبيعي للديموقراطية الأميركية التي ” تقدس ” الحريات وحق التعبير وما الى ذلك من سمفونيات التشدق السمجة .
3- من الطبيعي ان تنشأ بعد اسقاط المنطاد ازمة سياسية وديبلوماسية وتبادل اتهامات بين اميركا والصين بدليل التصرف الإستباقي لوزير الخارجية الأميركي بلينكن الذي الغى زيارته للصين ولا نعرف ان كان سيتم إعادة جدولة الزيارة او لا بنتيجة السلوك الأميركي والإمتعاض الصيني من اسقاط المنطاد خصوصاً ان الادعاء الأميركي بأن المنطاد يحتوي على أجهزة تجسس يُبرز استعجالاً اميركياً واضحاً بتبرير الإتهام علماً ان الوقت بين اسقاط المنطاد وانتشال حطام المعدات وتحليلها وصدور بيان الإتهام الأميركي لا يكفي لا للتحليل ولا للإتهام وهو أمر يعرفه الخبراء وبذلك من المؤكد وليس من المحتمل فقط ان ازمة بين اميركا والصين ستنشأ .
4- في الخاتمة لا يختلف اثنان ان البلبلة وطريقة التصرف الأميركية مسّت هيبة أميركا التي بات تعرضها للنكسات المتتالية امراً واضحاً ، وسيُبرز الصين كدولة عاقلة بديبلوماسية هادئة وهي نقيض الديبلوماسية الأميركية المتوترة ، وهذا بحد ذاته سيُحسب للصين ويُحسب على اميركا .
عمر معربوني، خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية