هل أصبح الاتحاد ضرورة لإنهاء أزمة الحكم وإشكالية النظام في دولة لبنان الكبير..؟

هل أصبح الاتحاد ضرورة لإنهاء أزمة الحكم وإشكالية النظام في دولة لبنان الكبير..؟

من تجربة فخر الدين المعني إلى نظام المتصرفية والقائمقامية، عاشت شعوب شرق المتوسط أزمات اجتماعية وسياسية. فبلاد الشام جغرافيا متنوعة وتضم في كيانها ديموغرافيات متعددة وفق نظام كونفدرالي مقنع أحياناً ومطبق، أنتج حروباً وعمق أزمة الثقة بين المكونات المتعددة. ومع سقوط السلطنة العثمانية وقيام الانتداب وتوزيع النفوذ بين القوى الكبرى، انتقل المشرق بعامة وبلاد الشام بخاصة من نظام مقنع إلى نظام فدرالي مقنع أيضاً، فكانت الشام معزولة عن بيروت ومرفأها وعن طرابلس وسهلها عكار، الذي يفصله عن الساحل في طرطوس وبانياس النهر الكبير، وكذلك الهرمل وسهل القاع والقبيات ووادي خالد فُصلت عن وادي النصارى في ريف حمص. أما جنوباً فبلدات فلسطين وجبل الشيخ، كان خط الفصل الانكليزي عن الانتداب الفرنسي حدوداً لوطن.
فقبل أكثر من 100 عام، من قصر الصنوبر في بيروت، بين البطريرك الياس الحويك ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، اعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير. منذ ذلك الوقت، وأزمات لبنان مستمرة، من معركة الاستقلال إلى أزمة العام 1958، وصولاً إلى العام 1961، والتي اختتمت بحرب العام 1975 التي انتهت باتفاق الطائف العام 1989. عاش لبنان ترددات توافق غير مستقر، فكان الانقلاب على اتفاق الطائف بعد تغير موازين القوى الإقليمية والدولية، وصولاً الى اغتيال رفيق الحريري في العام 2005 الذي ختم مرحلة تصادم الخيارات، بين الفرنسي والأميركي.
انقلب المشهد خللاً سياسياً وتوترات أمنية، وصولاً إلى انهيار مالي واقتصادي، ليختم المسارات الدولية المتصارعة ويفتح الأوراق القديمة العالقة بين خيار البطريرك الحويك بأبعاده الفكرية والثقافية، وتحولات الديموغرافيا بعد 100 عام لترسم انعكساتها على جغرافية وطن تطرح الجماعات السياسية فيه عناوين متناقضة في معظم الاحيان لإعادة تشكيل الكيان بعد تبدل التوازنات الداخلية، وترتكز هذه العناوين حول الأسس الديموغرافية- الجغرافية التي من المطلوب الحوار حولها حفاظاً على الوحدة ومنعاً لتقسيم وتفتيت، وربما إعادة التشكيل.
وإذا كانت بعض الجماعات تعتبر أن النظام المركزي في لبنان فشل في إدارة التعددية للمكونات الطوائفية اللبنانية، ترى قوى سياسية وفكرية لبنانية أن المجتمع اللبناني تعددي ومركب، وتطالب أن ينعكس ذلك على شكل النظام الدستوري للدولة، لذلك يقترح بعض المفكرين السياسيين، الفدرالية الواضحة القائمة على احترام الخصوصيات الديموغرافية-الطوائفية ضمن الأطر الجغرافية الحالية بوصفه حلاً مناسباً للصيغة اللبنانية. ولما كانت الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لتنظيم سياسي معين، أركانه: الشعب (الديموغرافيا) – الإقليم (الجغرافيا) – السلطة الحاكمة (شكل النظام).
ثوابت ثلاثة يبقى المتحرك فيها شكل النظام الذي يحدد شكل الدولة التي سيعيش فيها شعب متعدد الثقافات، وفي جغرافيا متنوعة مختلفة. شكل نظام الدولة في لبنان عرف مفهوم الدولة البسيطة التي، وقبل أكثر من 100 عام، تقاوم للبقاء؛ في مقابل دولة مركبة اتحادية تقاتل للنشوء، وربما مشهدية غورو ما بين البطريرك والمفتي لدليل على فشل الرؤية الفرنسية في جمع وتوحيد االتوجهات الفكرية والثقافية والاقتصادية المختلفة، في اتحاد جغرافي واحد… حمل اسم دولة لبنان الكبير. فدولة لبنان الكبير، ليست الا اتحاد أقاليم، هكذا ضم البقاع إلى جبل لبنان وجبل عامل إلى بيروت، وطرابلس الشام إلى لبنان الكبير.
الحكم الاتحادي واسع الانتشار عالمياً، حيث أن ثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي، وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الامارات العربية المتحدة ودولة العراق. أما التمييز بين الدولة الفدرالية والدولة الأحادية فليس بالأمر البسيط؛ إذ أن الدولة الأحادية قد تشبه الفدرالية في البنية الإدارية، كما هو حال اسبانيا، وجمهورية الصين الشعبية، التي تطورت بوصفها فدرالية بحكم الواقع دون قانون رسمي ينص على ذلك. حدث ذلك عن طريق منح صلاحيات واسعة للأقاليم بطريقة غير رسمية، للتعامل مع القضايا الاقتصادية ولتطبيق السياسات الوطنية.
فهل يكون فشل الرؤية الفرنسية عن حسن أو سوء نية، السبب اليوم لقيام حوار مجتمعي وفكري سياسي بين المكونات المتعددة في لبنان لإنهاء أزمات الحكم المستمرة وتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي، أصبحت الحاجة إليه ضرورة لتحقيق تنمية شرق المتوسط الذي يتشكل مع دخول دوله، عصر الاستكشافات النفطية، بعد أن كانت موارده المائية وتنوعه البيئي والبيولوجي عنوان التدخلات والصراعات في المرحلة الماضية.

د.عماد رزق (مديرالاستشارية للدراسات)