البشرية وتحديات الذكاء والتفكير

في الزمن الغابر كان التفكير خارج الصندوق من المحرمات، فالعائلة والعشيرة والقبيلة تسير وفق نسق بعينه وأي محاولة لحرفه عن مساره يكابد من يحاول القيام بذلك العزل أو الطرد أو حتى الحتف. كان اللجوء إلى المقدس للتفكير خارج الصندوق اداة قد تكلف صاحبها حياته حتى قبل ان يبدأ. لكن ما ان يحقق اختراقاً ما لنسق المنظومة ويبقى حياً ويواظب على ذلك الاختراق تلجأ العامة لوصف ما حصل بالمعجزة ويتم تنسيب ما حصل إلى المقدس. حتى انه يمكن القول ان الفرق بين النبي والمتنبئ ان الاول حقق اختراقاً للنسق والثاني قام بفعلته كرد فعل على الاول دون ان تكون الفكرة من النوع الإختراقي انما فقط لدحض ما قام به المخترق.

تمر البشرية اليوم باختراق غير مسبوق من المنحى المعرفي، حيث باستطاعة الإنسان الحصول على المعلومة دون اللجوء لحنين بن إسحاق أو الترمذي أو حتى ابن المقفع الذي نقل كليلة ودمنة من الفارسية للعربية فمجرد ان يدخل الموضوع الذي يود الاطلاع عليه على حاسوبه حتى تنهال عليه ملفات لا تحصى تخبره عن الموضوع المراد وحدث مؤخراً اختراق جديد نوعي بحيث ان ذلك الموضوع الذي تم تقميش مواده تتم قولبته من قبل الذكاء الاصطناعي ليتلاءم مع الحقل الذي يستهدفه الباحث.

المسألة برمتها تتطلب ثوان معدودات يحصل على أثرها الباحث على مراده وبالتالي توفير الجهد والوقت والمال.

اجراء مقاربة بسيطة مع ما وفره الذكاء الاصطناعي بحيث انه قام بعملية بحث وتنقيب وتوليف دون ان يتدخل بالمعطى ولا بالمآل، اي إذا ما كانت العملية تتم لأهداف شرعية (قانونية أم لا) أو اخلاقية أو إلى ما هنالك من سلبيات. ومع ما قدمه المقدس للبشرية، اذ قام بقولبة أهل الايمان ليطيعوا ما قدم لهم من مواد نسبت للخالق والحق به لاحقاً ظله على الارض (الحاكم) دون ان يجري المؤمن اي عملية تحقق أو تدخل أو تبصر اسوة بالذكاء الاصطناعي وقد شهدنا افعال اهل الايمان حتى اولئك الذي عليهم ان يحبوا اعداءهم كيف اعملوا السيف فيمن يخالفهم كذلك الأمر في العهد القديم ولم يشذ اهل الايمان المحمدي عن القاعدة علما انهم ينسبون لأنفسهم انهم اهل رحمة وسماحة.

يستنتج مما تقدم ان الايمان الديني هو نوع من الذكاء الاصطناعي لكنه منقوص لأنه احادي لا يقوم بتقميش المادة كما يفعل الذكاء. وهذا يعود إلى ان المؤسسة الايمانية التي ورثت الرسالة حرفتها عن مسارها ان بعملية النشؤ والارتقاء أو باحتكارها للتشريع وجل أعمالها ومقاصدها انما خاصة لا تستهدف الخير العام ونقل البشر من الطور الغريزي إلى المسار العقلاني ومن التبدد إلى الوحدة للمخلوقات.

متى يلحق الذكاء الاصطناعي بركب المؤسسة الإيمانيّة لتسخير البشر لأهداف سلبية، انما مسألة وقت حيث ان الثانية التي خرقت منظومة القيم السابقة واقامت جديدها لم تقم بذلك بطرفة عين بل فعلته بعد ان رسخت قيمها واصبحت مرجعاً  يعني اغفاله الويل والثبور وعظائم الامور. وهنا يأتي دور الدول والمجتمعات على خلافها لا لتعطل التطور الذي يمكن ان يقدمه الذكاء الاصطناعي بل ان تتعامل معه بحذر لم تفعله سابقاً بعيد الثورة الصناعية، إذ تركت الالة بأيدي اهل المعرفة والعفاريت دون ان تضع شروطاً لعملها (تدمير البيئة) أو تقدم البدائل اللازمة لجيش العمال في شتى الحقول الذين سرحتهم من عملهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *