لم أكن قد سمعت عن الكاتب فيليب كلوديل في السابق، فنحن من جيل بول كلوديل و أبعد في الزمن لأننا نعيش حصارا ثقافيا، حتى أتت إلى ذكره الأديبة الصديقة والروائية الفرنكوفونية« آن فاليري بستاني» منذ سنوات وكانت تعد أطروحة دكتوراه عنه، فشكرا آن فاليري لأنك فتحت لي الباب لأتعرف على هذا الكاتب الفذ( المسبع الكارات) كما نقول باللغة الدارجة فهو كاتب ومخرج وكاتب سيناريو وروائي، حائز على جائزة رين ودو وغو نكور الطلاب وهو لا يزال في حركة متواصلة لا يهدأ ولا يكلّ متحديا أباطرة العالم الجديد في كتاب «المطلوبون» وهم كما لصوص رعاة البقر( الكاو بويز ) تعلق صورهم في المدن على أبواب الحانات ليتعرف عليهم صائدو الجوائز ويلقون القبض عليهم بغية سوقهم أمام العدالة .
فيليب كلوديل، مؤلف «Wanted» قالها من دون تردد ومن دون خوف ولا وجل دون أن ترف له أجفان العين الواحدة:
«لدينا القوة للسخرية من هؤلاء المهرجين الذين يظنون أنفسهم ملوكاً»
في عالم أصبحت فيه المبالغة، والتطرف، والفجاجة هي القاعدة، يستلهم الروائي فيليب كلوديل من هذه الحقيقة التي تجسدت في شخصية دونالد ترامب لكتابة « «Wanted، وهي حكاية «ديستوبية» ساخرة تسخر من أصحاب السلطة والنفوذ.
يقول فيليب بصراحة:
«لقد بقيت أدور في حلقة مفرغة لبعض الوقت، ثم فجأة جاءني الإلهام.»
لقد جاءته الفكرة عندما أعاد التفكير في أصول الولايات المتحدة، وهناك وجد الزاوية التي انطلق منها لكتابة حكايته الديستوبية الجديدة: «Wanted».
فيليب كلوديل، الكاتب الفرنسي الذي عرف ب «تقرير بروديك» الشهير ورئيس أكاديمية غونكور، يتناول الأخبار الجيوسياسية القادمة من أمريكا الشمالية بروح فكاهية.
تأثر كلوديل بالأحداث الجارية، وأراد استعادة طاقة المعارضة في مواجهة تصريحات ترامب الغريبة، من خلال تسليط الضوء على الماضي المظلم لأمريكا الذي يمثله ترامب نفسه.
قال كلوديل:
«إنه بلد بُني على العنف: من مذبحة السكان الهنود الأصليين، إلى العبودية (الأفارقة الذين سيقوا عبيدا إلى أميركا للعمل في حقول القطن)، إلى المشاجرات في الحانات والتصفيات الجسدية بالمسدسات والبنادق …
دونالد ترامب هو تجسيد لهذا الماضي. نشعر وكأننا في حانة على وشك أن تندلع فيها مشاجرة.»
في زمن الغرب الأمريكي القديم، كان من الشائع أن يُعرض مبلغ مالي مقابل رأس معارض. وقد جسد الكاتب هذا مباشرة في الصفحات الأولى من روايته. حيث يعلن إيلون ماسك، إلى جانب ترامب وجي دي فانس في المكتب البيضاوي، عن مكافأة قدرها مليار دولار لمن يقتل فلاديمير بوتين.
ويبرر فيليب كلوديل هذه البذاءة في كتابه قائلاً إن هذا هو أسلوب الخطاب المتداول حالياً بين القادة الأمريكيين الجدد. فهو يضيف:
«مع هؤلاء الأشخاص، غادرنا عالم اللغة الدبلوماسية. نحن غارقون في وحشية، وتطبيع للإهانة، وتخلي عن اللباقة.»
يُتيح لنا جو الغرب الأمريكي فهم الثقافة الأمريكية الحديثة. ومن خلال هذا السياق التاريخي، وجد الكاتب أيضًا وسيلة للضحك.
قال: «لم أكن أبحث عن كتابة نص مأساوي، بل أردت أن آخذ القارئ إلى ديستوبيا قريبة جداً من واقعنا الحالي، وقبل كل شيء، أن أجعله يضحك.»
ويريد فيليب كلوديل من خلال كتابه أن يُذكرنا بأن لدينا قوة لا نُدركها جيداً:
«لدينا القوة للسخرية من هؤلاء المهرجين الذين يظنون أنفسهم ملوكاً.»
وما علينا نحن سوى أن نشحذ الهمم ونشاركه في حفلة السخرية هذه من هؤلاء الذين يسخرون كل ثانية من دماء الأبرياء في العالم!
أيمن يسري