انخراط المغرب في المعسكر المعادي

رغم اعتراض المغرب على قرارات الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وخاصة على الدور الفرنسي الذي يقف خلف هذه الإدانة، حيث أصدر البرلمان المغربي بياناً بهذا الشأن ناعتاً إياها بالدولة التي تفوح منها رائحة البترول والغاز دون أن يسميها، رابطاً الدور الفرنسي في هذا الموضوع  بزيارة رئيس الأركان الجزائري إلى باريس، ورغم إلغاء زيارتين فرنسيتين تنسيقيتين كانتا مقررتين إلى الرباط، ورغم العلاقات المتوترة مع إسبانيا على خلفية موقف مدريد من قضية الصحراء الغربية، إلا أن المغرب كانت تجذّر علاقاتها مع الولايات المتحدة والعدو الصهيوني بشكل عملي، علني وسافر، متخذةً موقف عدائي للجزائر بدعمها” دولة القبائل”  في المحافل الدولية تحت عنوان حق تقرير المصير رداً على دعم الجزائر لجبهة البوليساريو الطامحة إلى الإستقلال عن المغرب .

    لم تكتفِ السلطة الحاكمة في المغرب، والتي يرأس عاهلها لجنة القدس، بهذا القدر من التناقض مع حقيقتها وطبيعتها، بل أمعنت في التنسيق الأمني والعسكري مع دولة العصابات الصهيونية، لمستوى تجاوز حدود التطبيع الرسمي غير الشعبي للدول الواقعة تحت نفوذ الولايات المتحدة، فأقدمت على توقيع اتفاقيات سمحت بالاختراق الواسع لبنية الدولة مخابراتياً وعملانياً، وربطت دفاعاتها وتحديداً الجوية، باستقدامها نظام” القبة الحديدية “وصواريخ “حيتس “، واستيرادها لمجموعة أنظمة قتالية أخرى من هذا العدو، بالإضافة إلى تفاهمات على المستويين التدريبي واللوجستي، مساهمةً بشكل واضح في تعزيز قدراته ليست العسكرية فحسب، وإنما الاقتصادية أيضاً.

    لم يقتصر التعاون بين المغرب والعدو على النواحي العسكرية والأمنية، بل امتد ألى أخطر من ذلك، إلى البنية الاجتماعية الثقافية انطلاقاً من توقيعها على اتفاقية  “الاتحاد الابراهيمي” .

    يقول المهدي أبو درة رئيس” جمعية ميمونة”، وهي جمعية أنشأها شبان مسلمون، لتعزيز التراث اليهودي المغربي: نحن نؤمن ايماناً راسخاً بتعزيز التوعية بالهولوكوست  والإبادة الجماعية على المستوى الوطني، ولكن بشكل خاص على المستوى الإقليمي، من أجل تحفيز التفكير النقدي، والوعي الاجتماعي بتاريخ الشعب اليهودي وبشعوب العالم بشكل عام، بينما يقول ماتان دانستر مدير الاستراتيجية لمؤسسة Israel-is، أنهم يربطون تدريجياً بين اليهود والمحرقة، ومن الرائع والمثير أن ندرك أن هذا الموضوع يمسهم، نحن فخورون بالعمل معهم، وهي فرصة عظيمة لإحداث تأثير حقيقي في الحفاظ على ذكرى ضحايا النازية ونقلها للاجيال القادمة، علماً أن موضوع المحرقة سيكون داخل المناهج التربوية المغربية وتحديداً في المرحلتين الابتدائية والتكميلية .

    هذه بعض ملامح العلاقات المغربية مع الكيان الصهيوني، التي وصلت إلى مستويات متقدمة جداً، والتي تتنافى مع الدور المعطى لعاهلها عربياً، للحفاظ على القدس وعلى الدور المفترض للمغرب على مستوى العالم العربي والأمة المغربية كواحدة من الأمم العربية.

    أما على ضفة العلاقات مع الولايات المتحدة، فلا شك أن هذه الأخيرة تسعى إلى اعتماد المغرب كركيزة عسكرية من ركائز السيطرة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، من جهة وقاعدة عسكرية برية واسعة النطاق في شمال أفريقيا، بمواجهة ما يُسمى التمدد الروسي في هذا الاقليم، خاصة في الجزائر ومالي كما في الكونغو، واستناداً لهذا التبرير أعطى الرئيس الأميركي بايدن توجيهاته بانشاء قاعدة عسكرية / صناعية في جنوب المغرب، غير أن العلاقات الأميركية المغربية لم تكن نتيجة لهذا التبرير الواهي، إنما تعود إلى عقدين من الزمن، حين قررت الولايات المتحدة القيام بأول مناورة عسكرية بالتعاون مع دول أفريقية سُميت بالأسد الأفريقي، والتي لا تزال تتكرر كل عام، ويعتبر التمرين الأسد الأفريقي من أهم التدريبات المشتركة في العالم، ويقام لهذه السنة في مناطق أكادير وطانطان والمحبس والقنيطرة وغيرها، بحيث تشمل كل المناطق المغربية، وهو يعكس متانة العلاقات التعاونية بين المغرب والولايات المتحدة باعتبارها الشريك الاستراتيجي للمملكة، كما جاء في البيان الصادر عن هيئة الأركان العامة للقوات المغربية، ومن المقرر إستناداً للبيان نفسه، أن يتضن التمرين أنشطة متعددة كالتخطيط للأسلحة والمناورات المشتركة، برياً وجوياً وبحرياً، بالإضافة إلى عمليات القوات الخاصة والعمليات المدنية  -العسكرية، وأعمال إزالة التلوث النووي والاشعاعي والبيولوجي والكيميائي، وفي هذا الخصوص تقول الإدارة الأميركية ” أن المغرب شريك موثوق ومنفتح ومتمسك بأصول ومُثل المجتمع الدولي، لا سيما السلام والأمن والتنمية المشتركة ” .

    ولا يفوتنا القول أن المغرب هي الدولة العربية الوحيدة التي قدمت مساعدات عسكرية مباشرة لاوكرانيا، بناءً على اجتماع رامشتين وتوصية الولايات المتحدة، وهي عبارة عن عشرين دبابة ت72 محسنة وبعض المعدات الأخرى .

    بناءً على ما تقدم، نرى أن سلطة المغرب قد انزلقت بعيداً عن المسألة الفلسطينية، تحديداً في المرحلة الراهنة التي تشهد ما تشهده الثورة في الضفة .

رئيس المؤتمر القومي العام وليد زيتوني