إنفجر الجسم القضائي بعد المطالعة القانونية التي أعدها المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار والتي استند إليها للعودة لمتابعة تحقيقاته.
عودة القاضي دفعت بالمدعي العام التمييزي المتنحي عن القضية القاضي غسان عويدات، إلى إصدار قرار يمنع تنفيذ مذكرات إخلاء السبيل الصادرة من القاضي بيطار، وإحالة القاضي إلى التفتيش القضائي، بل وأصدر قراراً بتخلية سبيل كل الموقفين على ذمة الملف، وهذا ما نفذته الضابطة القضائية بأقل من ساعة!!.
وإن كانت المطالعة القانونية التي أعدها البيطار هي من فجرت الإشكال بين المحقق العدلي والمدعي العام التمييزي، فإن الموضوع في الحقيقة يتخطى الإطار القانوني. فالقاضي البيطار الذي توقف عن التحقيقات ما يقارب السنة نتيجة طلبات الرد المقدمة ضده من قبل بعض المدعى عليهم مثل النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، قرر فجأة وبعد زيارة الوفد القضائي الفرنسي له أن يعود لاستكمال التحقيق، وحدّد مواعيد جلسات تحقيق للمدعى عليهم. في المقابل، فإن المدعي العام التمييزي يتعرض منذ أكثر من أسبوعين لضغوط أميركية من خلال السفيرة الأميركية دوروثي شيا لإطلاق سراح رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت الذي يحمل الجنسية الأميركية محمد زياد العوف، فقرر إخلاء سبيل كل الموقوفين في الملف، وغادر العوف لبنان فجر اليوم التالي من إطلاق سراحه بالرغم من قرار منع السفر الذي أصدره عويدات مع قرار إخلاء السبيل، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تُبلّغ به على ما يبدو إلا بعد مغادرة العوف للولايات المتحدة!
إن الصراع بين البيطار وعويدات، أعطى لبعض الكتل السياسية النيابية فرصة للقيام بحملة استعراضية أمام قصر العدل في اليوم التالي لإخلاء سبيل الموقوفين. نقول حملة استعراضية، لأنّ المتواجدين أمام قصر العدل لم يكن من بينهم أهالي شهداء المرفأ بل نواب وأنصار أحزابهم، وحوّلوا مدخل قصر العدل إلى منبر إعلامي يطلقون عنه المواقف السياسية. بل إن هؤلاء الذين يدّعون بناء الدولة ويطالبون باستقلالية القضاء، هم أنفسهم من خلال تحركهم هذا فرضوا ضغوطًا وتدخلًا في عمل القضاء!!
إن التحركات والحملات الإعلامية التي جرت تعيدنا بالذاكرة لمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإن كانت تغيّرت بعض الوجوه، إلا أنها كلها من التوجه السياسي نفسه. فبعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري طالبت القوات والكتائب وتيار المستقبل والحزب الإشتراكي بإقالة المدعي العام التمييزي حينها عدنان عضوم ورؤساء الأجهزة الأمنية وإنشاء محكمة دولية لعدم الثقة بالقضاء اللبناني المسيّس. أمّا اليوم وفي اليوم التالي لإخلاء سبيل الموقوفين بناء على إشارة عويدات، بدأ نواب القوات والكتائب وما يسمى بالتغييريين (يضمون أعضاء سابقين في تيار المستقبل والحزب الإشتراكي) بحملة على القضاء دعمًا لبيطار في مواجهة عويدات، وذهبوا إلى قصر العدل والتقوا وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وطالبوا الوزير بإقالة غسان عويدات وإطلاق يد البيطار في التحقيقات وفق ما يراه بالرغم من كل الشوائب في مسار التحقيق. بل أنهم وفي تصريحات صحفية ومقابلات تلفزيونية، اعتبروا أن السلطة السياسية الفاسدة تضع يدها على القضاء وهذا ما سيؤدي لضياع الحقيقة، وإذا كان القضاء اللبناني لن يستطيع فإنهم سيطالبون بلجنة تحقيق دولية ومحكمة دولية لمعرفة حقيقة تفجير المرفأ.
فمع التدخل الفرنسي مع القاضي طارق البيطار وتدخل السفيرة الأميركية دوروثي شيا مع المدعي العام التمييزي وبدعم من النواب القوات والكتائب والتغييريين وراكبي الموجات الشعبية، هل سنرى محكمة دولية جديدة خاصة بلبنان؟