هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يدخل عالم المشاعر والعاطفة؟

في الآونة الأخيرة يكثر الحديث حول الذكاء الاصطناعي وما سوف ينجزه في ميادين العلوم المختلفة والمهارات المتنوعة، وأنه حتما سيحلّ مكان الإنسان في كل المجالات وهو تاليا كالترياق العام له مفعول سحري، دواء لكل داء وما من معضلة ستقف في وجهه إلا وسيجد لها حلاً!

لقد وصلنا إلى عصر صارت فيه الخوارزميات قادرة على أن تقوم مقام البشر في أعمال وتصرفات عديدة لا بل تتفوق على البشر بأشواط، فهل سيتمكن الذكاء الاصطناعي من الدخول إلى النفس البشرية ويلج عالم الذهن ويسلك مسالك العاطفة؟

يفترض العلماء، أن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يجد حلولا مرتبطة بالعاطفة الإنسانية والأحاسيس البشرية ومن المطروح أيضا أن يدخل الذكاء الاصطناعي في مجال المعالجة النفسية والطب النفسي، وذلك من خلال تشخيص الحالات النفسية والقيام بمعالجتها حتى، وقد ساد الاعتقاد أنه سيقدر على اجتراح المعجزات فهو الطبيب الماهر والمعالج الشافي لكل مرض وعلة.

هناك من رحب بالفكرة أيما ترحيب وأيضا هنالك من رفض أن يصدق مصراً أنه من غير الممكن  للذكاء الاصطناعي أن يمارس دور الطبيب النفسي ويسدي النصائح المختلفة للمرضى ولكن هناك طرف ثالث بقي في الوسط يقول أنه لا يمكن الاستغناء عن الأطباء، ولكن في الوقت عينه ؛  بالإمكان استشارة الذكاء الاصطناعي في مسألة  تشخيص الأمراض النفسية من خلال تحليل تعابير الوجه فيساعد الطبيب المعالج على تحليل الأمراض وتصنيفها وتفريقها عن بعضها بسبب تشابهها في العوارض وإمكانية اختلاط الأمر على الطبيب هذا الذكاء، يستطيع أن يمهد له الطريق أمامه لاختيار العلاج الأفضل بعد أن يكون قد حدد  الحالة المرضية  بدقة.

لكن تبقى هذه المسألة قيد التجربة ففي ميزان العلم، التجربة والاختبار والنتائج هي الفيصل في النهاية وهي خير دليل.

وعليه نطرح الأسئلة التالية التي تراود سريرتنا :

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يدخل عمق العاطفة والأحاسيس البشرية ويفهمها بعمق، والعكس أيضاً هل يمكننا أن نتصور الإنسان يتفاعل مع كومبيوتر كما يفعل مع إنسان آخر؟

الإنسان في هذه الحالة هو كمن يدخل إلى صقيع الكومبيوتر الصامت وحشرجته المعدنية الآلية، فهل يحتمل الانسان وحدته إزاء كومبيوتر هذا الذي يردد في النهاية ما تلقنه من الإنسان الذي صنعه؟ 

هو فعلا مستقبل تشوبه البرودة والصمت واللا إنسانية، بلاد بطولها وعرضها تفتقد إلى لمسة البشر وروح الإنسان وعاطفة الآخرين، وصدق من قال:

«جنة بلا ناس ما بتنداس!»

ماذا لو طلبنا من الذكاء الاصطناعي أن يؤلف لنا قصيدة حب؟ هو بالتأكيد سيفعل، وسيكتب قصيدة بارعة ومتفوقة هي خلاصة ما قيل في الشعر، في موضوع الحب خلال كل العصور الماضية ، في كل مكان وزمان ، خلاصة ما قاله عمر بن أبي ربيعة ، دانتي ، وضاح اليمن رون سار، لإمارتين، نزار قباني ومحمود درويش، لكن هل يستطيع أن يجترح العاطفة ويجعلنا نشعر ونحب وتتحرك عاطفتنا؟

 يقول دكتور سوس Seuss مؤلف القصص للأطفال:

«تعرف أنك مغرم عندما لا ترغب في النوم ذلك ان الحقيقة أصبحت أفضل من الاحلام»

 هل سيتحول الذكاء الاصطناعي إلى كائن مغرم ينتابه الأرق فلا يقدر على النوم جراء الحب والغرام والعاطفة؟ هل لأنه نجح في كتابة قصيدة سوف يتوج ملكا على إمارة الشعر والشعراء، يقول أفلاطون: «بلمسة الحب يصبح كل إنسان شاعرا »

هل هذا القول قابل للتطبيق في الذكاء الاصطناعي؟ وهل الذكاء الاصطناعي إنسان حتى يتحول إلى شاعر في حال لمسه الحب على غرار ما حصل بين الخمرة والحجر في قصيدة أبي نواس:

«دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

 وداوني بالتي كانت هي الداء

 صفراء لا تنزل الاحزان ساحتها

 لو مسها حجر مسته سراء

وأيضاً هناك سؤال ملح لا يني يطرح ذاته؛ هل الذكاء الاصطناعي ذكر أم أنثى؟

وإذا تغنى بالحبيب ماذا يتمثل أمامه أهو طيف امرأة أم طيف رجل ام أن الحب لدى الذكاء الاصطناعي لا جنس له ولا يفرق بين أنثوية أو ذكورية !؟… وباختصار هل هو مثلي أو مزدوج الجنس (بيشمي حاله) مع الذكور والإناث على حد سواء؟

بكل الأحوال عالم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي و«التشات جي بي تي»chatgpt  سيبقى عالماً افتراضياً مهما حاولنا إدخاله في حياتنا، ومن سيكون الحكم في جدوى علاجاته وفعالية النصائح التي سيعطيها؟

 وبكلمة أخرى من ذا الذي سيراقب عمله ما إذا كان مفيدا أم لا، مضرا أم لا، إن من حيث النصائح التي سيعطيها أم من حيث فعالية التنفيذ لدى متلقي النصيحة وكيفية تطبيقها؟

نحن نحتاج إلى أنسنة الواقع أكثر مما نتصور، في الماضي كانت نزعة الفلسفة المادية موضة ومن ثم تحولت إلى تهمة واليوم شغل الذكاء الاصطناعي الكون بأسره لدرجة أن العالم اهتم بالآلة ونسي الإنسان! أسئلة عديدة، ولكن يبقى أخطرها السؤال التالي:

هل ستهتم الآلة بالآلة وتنسى بدورها الإنسان ليصبح منبوذا من قبل العقل المتطور الذي صنعه؟!.

انطوان يزبك