د ـ خرق السيادة القومية
لا يذكر تعبير «سيادة الدولة»، الا ومعه كلمة «الديمقراطية»، فالدولة السيدة الحرة المستقلة هي حتما دولة ديمقراطية، السلطة فيها مستمدة من الشعب، من المجتمع المدني، الذي تهدده قوى داخلية وخارجية فتهدد ديمقراطيته وسيادته، وان لائحة الأخطار التي تهدد سيادة الدول على الصعيدين الداخلي والخارجي تطول وتطول، ولكن من أبرز عناوينها:
انتهاك سيادة الدولة، الاعتداء على السيادة، اغتصاب السيادة، خرق السيادة، المعاهدات والوعود السياسية الدولية غير المحقة ( الباطلة ) الاستعمار، الاستعباد، فرض الوصايات، الحروب، التنازل عن السيادة، فقدان السيادة، الحروب الداخلية (الاقتتال)، تصادم «السيادات» الفئوية داخل الأمة الواحدة المجزأة، نزاع الطوائف والاتنيات، التخلف، الارهاب الفكري، القمع، اهمال دور المرأة، القبول بالأمر المفعول او المفروض، الفوضى، الفساد بأنواعه، الجهل، الانماء غير المتوازن، اللامساواة، الاقطاع، الظلم.. ومما لا شك فيه ان المحرك الاساسي لهذه الاخطار المهددة للسيادة القومية بوجهيها المحلي والدولي هو «القوى المتغلبة» بالسلاح والمال والسلطة.
وفي ظل «العولمة» التي يشهدها العالم اليوم، يراهن البعض على نظريات تقوم ليس على خرق السيادة القومية فحسب، وانما على تدميرها، فيتوقع القائلون بـ «الحكومة العالمية» على تنازل الدولة القومية عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة من نظام عالمي ديمقراطي«؟!
ويتحدث أصحاب نظرية » اختفاء السيادة على اختفاء «الدولة القومية» ذاتها، ليحل مكانها ما يسمى بالشركات المتعددة الجنسية، التي سيكون دور الدولة فيها خدمة المصالح المسيطرة للشركات الدولية العالمية الاحتكارية؟
ويبقى سيناريو تفكيك الدول وسيادتها، هو الأخطر، لأنه الأسهل على الدول القوية تحقيقه، والأصعب على الدول الضعيفة مقاومته، ويقضي هذا السيناريو بتفكيك الدول الضعيفة، عبر الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية الى «دويلات » فاقدة معاني السيادة الحقيقية، خاضعة لهويات سلالية او ثقافية او طائفية او اتنية او عنصرية قاتلة.. على ان تستخدم هذه الدويلات كأدوات طيعة في خدمة مصالح الدول القوية وارادتها.
إذا كانت الهويات القاتلة، وارتهان مؤسسات المجتمع المدني، والعنصرية، وخرق السيادة القومية هي أبرز العناوين المعرقلة لدور المجتمع المدني في توثيق الروابط والحرية والحقوق، داخل المجتمعات، فان العقول النيرة المتمثلة في قادة الفكر والاصلاح والتحرر قد وضعت على عاتقها العمل بجدية واخلاص ومثابرة وتضحية من أجل انقاذ مؤسسات المجتمع المدني، خصوصا في عالمنا العربي، الذي يعاني من التخلف والانحطاط والتفسخ في جميع مجالات حياته الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والأمنية.. مما أدى الى تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة مما ينذر في زيادة التطرف والارهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة، كما ورد في مقدمة «نص مشروع الشرق الأوسط الكبير» (مع التحفظ على خطورته) الذي أورد احصائيات وصفها بالمروعة عن الوضع الحالي في «الشرق الاوسط الكبير» وتحديدا في دول العالم العربي، ومما جاء في هذه المقدمة:
– ان «مجموع اجمالي الدخل المحلي لبلدان الجامعة العربية الـ 22 هو أقل من نظيره في اسبانيا.
– حوالي 40 في المئة من العرب البالغين ـ 65 مليون شخص هم أميون، وتشكل النساء ثلثي هذا العدد.
– سيدخل أكثر من 50 مليونا من الشباب سوق العمل بحلول العام 2010، وسيدخلها 100 مليون بحلول العام 2020. وهناك حاجة لخلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد الى سوق العمل.
– يعيش ثلث المنطقة على أقل من دولارين في اليوم. ولتحسين مستويات المعيشة، يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة أكثر من الضعف من مستواه الحالي الذي هو دون 3 في المئة الى 6 في المئة.
– في امكان 6.1 في المئة فقط من السكان استخدام الانترنت، وهو رقم أقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى في العالم، بما في ذلك بلدان افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
– لا تشغل النساء سوى 5.3 في المئة فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية، بالمقارنة، على سبيل المثال، مع 4.8 في المئة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ـ عبر 51 في المئة من الشبان العرب الأكبر سنا عن رغبتهم في الهجرة الى بلدان اخرى، وفقا لتقرير التنمية البشرية العربية للعام 2002، والهدف المفضل لديهم هو البلدان الأوروبية.
تشير هذه الاحصاءات الى ان المنطقة تقف عند مفترق طرق. ويمكن للشرق الأوسط الكبير ان يستمر على المسار ذاته، ليضيف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين الى مستويات لائقة من العمل والتعليم والمحرومين من حقوقهم السياسية. وسيمثل ذلك تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني.
البديل هو الطريق الى الاصلاح. ويمثل تقرير التنمية البشرية العربية نداءات مقنعة وملحة للتحرك في الشرق الاوسط الكبير. وهي نداءات يرددها نشطاء وأكاديميون والقطاع الخاص في أرجاء المنطقة. وقد استجاب بعض الزعماء في الشرق الأوسط الكبير بالفعل لهذه النداءات واتخذوا خطوات في اتجاه الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وأيدت بلدان مجموعة الثماني، بدورها، هذه الجهود بمبادراتها الخاصة للاصلاح في منطقة الشرق الأوسط. وتبين «الشراكة الاوروبية ـ المتوسطية» و «مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط»، وجهود اعادة الاعمار المتعددة الأطراف في افغانستان والعراق، التزام مجموعة الثماني بالاصلاح في المنطقة.
ان التغيرات الديموغرافية المشار اليها أعلاه، وتحرير افغانستان والعراق من نظامين قمعيين، ونشؤ نبضات ديمقراطية في ارجاء المنطقة، بمجموعها، تتيح لمجموعة الثماني فرصة تاريخية. وينبغي للمجموعة، في قمتها في سي آيلاند، ان تصوغ شراكة بعيدة المدى مع قادة الاصلاح في الشرق الأوسط الكبير، وتطلق ردا منسقا لتشجيع الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة. ويمكن لمجموعة الثماني أن تتفق على أولويات مشتركة للاصلاح تعالج النواقص التي حددها تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية عبر:
ـ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.
ـ بناء مجتمع معرفي.
ـ توسيع الفرص الاقتصادية..
ونؤكد مرة أخرى على تحفظنا لما ورد في «مشروع الشرق الاوسط الكبير» من الناحية السياسية.
وقد طرح انطون سعاده عام 1947 برنامجا اصلاحيا متكاملا على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقضائية والادارية، الغاية منه اصلاح البنية المدنية في الكيان اللبناني، وينقسم هذا البرنامج الذي يشتمل عليه منهاج الحزب القومي الى خمسة اصناف:
أ ـ الاصلاح الاجتماعي:
وينطوي تحت هذا الصنف:
1 ـ ايجاد تشريع للزواج يؤمن العائلة الراقية.
2 ـ الفحص الطبي قبل العقد.
3 ـ ايجاد مصحات قومية تفي بحاجة الشعب.
4 ـ تعميم التعليم القومي وجعله اجباريا ومجانيا.
5 ـ ضبط مناهج التعليم في جميع المدارس والمؤسسات الثقافية.
6 ـ تشجيع الرياضة البدنية.
ب_ الاصلاح الاقتصادي
1 ـ الانتاج وحمايته بالمكوس على المستوردات الأجنبية التي تضارب الانتاج القومي الرئيسي وتعاكس نشؤ الصناعة القومية.
2 ـ تشجيع الانتاج وتقويته بالعناية التكنية والقوانين الداخلية والمساعدات اللازمة وبالعقود الانترنسيونية.
3 ـ ضبط السوق الداخلية ومنع الأرباح الفاحشة وضبط معدل الارباح المعقولة.
4 ـ الاهتمام بالأسواق الخارجية لتصدير منتجاتنا اليها وسن القوانين اللازمة للتبادل التجاري مع الخارج.
5 ـ الاعتناء بحركة التصدير وايجاد الشروط والقوانين التي تكفل نجاحها من تصنيف الأنواع وضبط الأسعار ومراقبة التغليف وما شاكل.
6 ـ حفظ مركز الرأسمال القومي في جميع مشاريع الاستثمار وعدم السماح لرأسمال أجنبي وحده باستثمار مشاريع في اية بقعة قومية.
7 ـ ايجاد أساس النقد القومي وحفظ استقلاله وحمايته من التلاعب المالي والخارجي.
8 ـ صيانة العمل والعمال من اجحاف استبدال الرأسماليين واقامة العدل الاجتماعي الذي لا ينتظم انتاج قومي بدونه.
9 ـ صيانة الفلاحين من الطغيان الاقطاعي وتثبيت حقوقهم ونصيبهم العادل في انتاجهم واحاطتهم بالعناية الثقافية والصحية.
10 ـ منع المهاجرة وايجاد وسائل العمل للذين تدفعهم البطالة وانعدام الانتاج الاقتصادي الى الهجرة.
11 ـ القضاء على البطالة بايجاد مشاريع انتاج قومية تحسن حالة البلاد الاقتصادية.
12 ـ صيانة حقوق مستخدمي التجارة وضبط الأجور التي تدفع لهم.
ج ـ الاصلاح السياسي
1 ـ محاربة النفعية والرجعية.
2 ـ محاربة تدخل الغايات الأجنبية في سياسة البلاد الداخلية.
3 ـ ايجاد التمثيل المسؤول لمصالح الشعب بواسطة الأحزاب ذات الأهداف القومية والمناهج الشعبية العامة.
4 ـ الغاء التمثيل الطائفي واقامة التمثيل القومي.
5 ـ ضمان حرية الرأي والقول والاجتماع.
د ـ الاصلاح القضائي
1 ـ الفصل التام بين القضاء والسياسة والحكم.
2 ـ ضمان نزاهة القضاء واستقلاله بتعيين مرتبات عالية للقضاة.
3 ـ ازالة اسباب النزاع بين القضاء المدني والقضاء الديني.
4 ـ ايجاد نظام خاص للمحاماة يزيل مفاسدها ويصون حقوق
اصحاب الدعاوى.
هـ الاصلاح الاداري
1 ـ الغاء الوظائف التي لا عمل حقيقي لها.
2 ـ القضاء على المحسوبية.
3 ـ محاربة الرشوة وتعيين عقوبات شديدة للمرتشين.
4 ـ رفع مرتبات الموظفين لتحسين حياة الموظف ورفع منزلة
وظيفته في عينيه(1).
(1) ـ انطون سعاده: من بيان زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ومنهاجه النيابي، بيروت 14
ايار 1947.