أبرز أسباب هذه الإبادة.
1. النزعة القومية الطورانية في الدولة العثمانية.
مع صعود جمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم، تبنت الدولة العثمانية أيديولوجية القومية التركية المتطرفة (الطورانية)، التي سعت إلى تتريك كل المكونات غير التركية.
السريان كأقلية مسيحية ناطقة بالسريانية (الآرامية)، اعتبروا غرباء عن الجسد التركي الإسلامي، لذلك فقد وضعوا في خانة العداء القومي والديني مع الأرمن.
2. اتهام المسيحيين عموما والسريان خصوصا بالتواطؤ مع أعداء الدولة، فقد كانت الدولة العثمانية تخوض حربا ضد روسيا وبريطانيا وفرنسا (دول مسيحية).
تم اتهام السريان (في طور عبدين وماردين) بأنهم حلفاء للأرمن أو جواسيس محتملين للروس.
أدى ذلك إلى اتهامهم ولو جزئيا بالخيانة، ما منح السلطات مبررا للتهجير والقتل الجماعي.
3. تصفية الوجود المسيحي في الشرق، كسياسة استراتيجية.
أظهرت الوثائق العثمانية (مثل مراسلات طلعت باشا) وجود خطة لإفراغ مناطق جنوب وشرق الأناضول من المسيحيين وبالأخص السريان منهم.
مجازر سيفو لم تكن لحظة جنون عشوائي أو فوضى حرب، بل سياسة إبادة مدروسة ومخطط لها، هدفت إلى تصفية الوجود المسيحي السرياني من أراضيه التاريخية، ومع أن السريان صمدوا في بعض القرى، إلا أن الكارثة تسببت في تفكك مجتمع عمره آلاف السنين، وهجرة ديموغرافية لا رجعة فيها.
وقد كانت أيضا جزء من إبادة شاملة طالت كل من.
الأرمن (1.5 مليون ضحية)
اليونانيين (حوالي 350,000 ضحية)
السريان (بين 200,000 إلى 300,000 ضحية)
4. الصراعات الطائفية والتحريض الديني من قبل رجال دين متشددون ومشايخ محليون، في (ماردين، ديار بكر، أورفه ) حرضوا ضد المسيحيين السريان.
قدمت المجازر على أنها جهاد مقدس، وتم تجنيد قبائل كردية وأخرى عربية للمشاركة في القتل والنهب والتدمير.
وفي بعض المناطق، سمح للمليشيات المحلية بمهاجمة القرى السريانية مقابل وعود بالغنائم والأراضي.
5. الرغبة في إعادة توزيع الأراضي والثروات
بعد قتل وتهجير السريان، حيث صودرت ممتلكاتهم.
تضمنت هذه الممتلكات.
ـ آلاف الكنائس والأديرة والمدارس.
ـ أراضي زراعية وقرى بأكملها.
هذه الثروات تم منحها لعوائل من الأتراك والقبائل المتعاونة.
ما شكل حافزا ماديا للمشاركة في الإبادة.
6. انعدام الحماية الدولية.
مع انشغال القوى الكبرى بالحرب العالمية، لم يكن هناك من يحمي السريان أو يتدخل دوليا.
بعكس الأرمن الذين حظوا ببعض الاهتمام الأوروبي.
ـ المجازر ومواقعها وعدد الضحايا.
1. طور عبدين (جنوب شرق تركيا) صمدت لفترة، لكن تعرضت لحصار دام شهورا، أعقبه ذبح جماعي حيث شهدت حملات قتل ممنهجة داخل المدن، أكثر من 90 قرية سريانية تم تدميرها بالكامل، منها (ماردين، مدو، آزخ ، وعيزخ).
2. (أورفه، ديار بكر، نصيبين، الرها، آمد، وغيرها) جميعها شهدت مجازر وحشية ذهب ضحيتها آلاف العائلات حيث تم ترحيل النساء والأطفال لمسافات طويلة ثم قتلهم.
3. الجزيرة السورية وشمال بلاد الرافدين، حيث استهدف القرويون السريان القادمين من الأناضول الهاربين من المذابح بالقتل والتصفية.
أعداد الضحايا بحسب عدة مصادر تاريخية وأكاديمية (منها باتريك ديوب، سباستيان بروك، ويوهانس لورنس):
السريان الأرثوذكس والكاثوليك واليعاقبة بين (200,000 إلى 300,000 ضحية).
وصل عدد القرى المدمرة أكثر من 160 قرية سريانية تم إزالتها من الوجود.
هدمت المئات من الكنائس والأديرة أو حولت إلى إسطبلات أو ثكنات عسكرية.
تم هجرة وتهجير العديد ممن تبقى إلى مدن
الجزيرة السورية، مثل القامشلي وتل تمر والتي استقبل فيها اللاجئون السريان الناجون.
ـ مجازر العثمانيين ضد الموارنة (1860 م).
1. التوتر الطائفي في جبل لبنان، حيث كان دائما منطقة ذات خصوصية ديموغرافية وطائفية معقدة، تضم موارنة ودروز ومسلمين، انقسم الجبل إلى قائمقامية درزية وأخرى مارونية، لكن الفقر والضرائب، والتمييز الإداري غذت العداء الطائفي.
تصاعد النزاع بين الموارنة والدروز، ووقعت عدة حوادث دموية متفرقة قبل الانفجار الكبير عام 1860.
2. يونيو 1860، اندلع صراع شامل بين الموارنة والدروز، تطور إلى أعمال قتل وتهجير وحرق قرى ومنازل، في ظل غياب كامل
(ودعم ضمني من السلطات العثمانية ضد الموارنة)، الموارنة كانوا الطرف الأضعف في كثير من المناطق، عشرات القرى دمرت، وارتكبت مجازر في زحلة، دير القمر، وحاصبيا ، وراشيا.
قدر عدد القتلى الموارنة بما بين 10,000 إلى 12,000 ضحية، فيما تم تهجير عشرات الآلاف، وتدمير أكثر من 300 قرية.
3. دور الدولة العثمانية.
السلطة العثمانية، برئاسة الوالي أحمد باشا في دمشق، اتهمت بالتواطؤ، كما أن قوات عثمانية محلية وبعض المسؤولين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال العنف.
هذه المجازر دفعت فرنسا إلى التدخل عسكريا، بحجة حماية الموارنة، وتم إرسال بعثة فرنسية عسكرية بقيادة الجنرال شارل دو بوفور. أدى إلى تهدئة الأوضاع، وتمت إعادة تنظيم جبل لبنان في عام 1861، حيث أُنشئ نظام المتصرفية الذي ضمن حكما ذاتيا محدودا للموارنة، وبقيت الكراهية الطائفية حاضرة لعقود.
اعتبرت المجازر نقطة تحول في العلاقة بين الموارنة والعثمانيين، ورسخت فكرة الحماية الفرنسية كمظلة سياسية ودينية للطائفة
ـ حصار جبل لبنان (1915–1918 م).
1. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914 م)، دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا والنمسا، وفي بلاد الشام، تولى جمال باشا السفاح قيادة المنطقة، وكان مسؤولًا عن سياسات قمعية ضد كل من اعتبر خصما محتملا للدولة.
جبل لبنان، الذي كان يتمتع بحكم ذاتي نسبي في إطار نظام المتصرفية، دخل في عزلة قسرية بسبب موقعه الجغرافي وتاريخه المرتبط بالوجود الفرنسي، مما جعله عرضة لاستهداف مباشر.
2. في عام 1915 م، فرض الحصار والعزل والتجويع الممنهج، بدأت الدولة العثمانية حصارا اقتصاديا قاسيا على جبل لبنان، بدعوى أن سكانه الموارنة متعاطفون مع فرنسا.
قطعوا الإمدادات الغذائية القادمة من البقاع وسوريا.
منعوا وصول السفن الأوروبية إلى بيروت.
صادروا المحاصيل وفرضوا الضرائب المجحفة على ما تبقى من إنتاج زراعي.
تركوا البلاد فريسة للمجاعة، بينما كانت القوات العثمانية تخزن الحبوب لصالح الجيش.
وإضافة إلى ذلك، ساعد الجراد الذي اجتاح المنطقة في 1915 على تدمير المحاصيل القليلة، ما جعل المجاعة أكثر فتكا.
يقدّر عدد ضحايا المجاعة في جبل لبنان بين 150,000 إلى 200,000 شخص (نحو نصف السكان آنذاك).
انتشرت ظواهر مرعبة مثل أكل لحوم الحيوانات المنزلية، وتوثقت حالات أكل لحوم البشر.
انتشرت الأوبئة مثل التيفوئيد والتيفوس المناطق.
امتلأت الطرق بالجثث وخاصة جثث الأطفال.
تشير العديد من الشهادات التاريخية إلى أن الحصار لم يكن مجرد نتيجة حرب، بل سياسة تجويع متعمدة وتهجير للموارنة.
جمال باشا، الذي كان يشرف على شحن المواد الغذائية إلى الجيش العثماني، تجاهل عن عمد مناشدات المتصرف في جبل لبنان أوهانس باشا لرفع الحصار أو إدخال المساعدات.
ـ وكان من نتائجها.
تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية في جبل لبنان.
هجرة عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى الأميركيتين هربا من الموت.
ساهمت هذه المجاعة في تغذية الحس الاستقلالي اللبناني ضد السلطنة، ما مهد لاحقا لنشوء دولة لبنان الكبير عام 1920.
ـ مجزرة سميل في شمال العراق 1933 م.
عندما خان العراق أبناءه. بعد نكبة سيفو، هرب عشرات الآلاف من السريان (الآشوريين تحديدا) إلى العراق تحت حماية البريطانيين. لكن ما ظنوه وطنا جديدا انقلب إلى فاجعة وذلك نتيجة تراكمات سياسية، اجتماعية، وطائفية، في مرحلة دقيقة من تشكيل الدولة العراقية الحديثة. فيما يلي أبرز الأسباب المباشرة وغير المباشرة لهذه المجزرة.
1. المطالبة بالاستقلال الذاتي للآشوريين.
اتهم الآشوريون السريان بقيادة البطريرك مار إيشاي شمعون، بالمطالبة في الحصول على حكم ذاتي أو منطقة مستقلة في سهل نينوى أو منطقة سميل.
هذه المطالب أُسيء فهمها واعتبرت تهديدا لوحدة العراق، خاصة في ظل الحساسية الشديدة تجاه أي انفصال أو تقسيم طائفي.
2. التحريض القومي والطائفي.
وسائل الإعلام العراقية آنذاك، خصوصا الصحف القومية، صورت الآشوريين كعملاء لبريطانيا وخونة، وشنت عليهم حملة تحريض عنصرية.
وصف الآشوريون بأنهم جسم غريب، مع التركيز على كونهم مسيحيين ضمن محيط إسلامي.
3. صراع الولاءات بين الآشوريين والدولة العراقية
رغم أنهم كانوا بحكم اللاجئين، خدم العديد من الآشوريين في الليفي الآشوري (قوات شبه عسكرية أسسها البريطانيون).
ومع بدء رحيل القوات البريطانية من العراق تدريجياً، طالبت الحكومة بحل هذه القوات، وهو ما قوبل برفض من الآشوريين.
ورغم وجود البريطانيين في العراق في تلك الفترة، لم يتدخلوا مطلقا لمنع المجزرة، رغم علمهم المسبق بما سيحدث.
كما لم تحاسب الحكومة العراقية أو الجيش على الجرائم، مما فتح الباب لثقافة الإفلات من العقاب.
هذه الأسباب عززت الشكوك لدى الحكومة العراقية الناشئة بشأن ولائهم للدولة العراقية.
4. أحداث تمهيدية وصدامات مسلحة
في يوليو 1933 م، تم افتعال اشتباكات مسلحة بين مجموعات آشورية والجيش العراقي خصوصًا في شمال الموصل، أدى ذلك إلى مقتل عدد من الجنود العراقيين، فاستخدمت الحادثة كمبرر للانتقام الجماعي.
في آب 1933، قامت القوات العراقية بقيادة الجنرال بكر صدقي بمجزرة مروعة ضد الآشوريين السريان في بلدة سميل (محافظة دهوك) ومحيطها. قتل أكثر من 5,000 شخص، بعضهم تم إطلاق النار عليهم أمام أهاليهم، بينما دفنت عائلات بأكملها في مقابر جماعية،
احرقت وهدمت حوالي 65 قرية آشورية، وتم طردهم وتشريدهم ونزوح مئات العائلات إلى الجزيرة السورية وتحديدا إلى حوض الخابور مدينة تل تمر.
ـ الإبادة المعاصرة على يد داعش.
في العصر الحديث، عاد شبح الإبادة ليخيم مجددًا على السريان. ففي عام 2014، اجتاح تنظيم داعش مناطق سريانية تاريخية منها.
(سهل نينوى في شمال العراق، مدن مثل قراقوش (بغديدا) ، برطلة، وتل أسقف تم تهجيرها بالكامل.
عدد المهجرين السريان من العراق يقدر بـحوالب50,000 شخص خلال شهور فقط.
قرى حوض الخابو ومدينة تل تمر (محافظة الحسكة) والتي يقطنها السريان الآشوريون، تعرضت لهجوم دموي من قبل داعش في فبراير 2015، ما أدى إلى مقتل المئات واختطاف أكثر من 220 شخصا، بينهم نساء وأطفال ونزوح وهجرة عدد كبير من العائلات..
ـ نزيف الهجرة.
نتيجة هذه المجازر المتكررة، أصبح السريان اليوم أقلية في أوطانهم التاريخية. تراجع عدد السريان في العراق من 1.5 مليون في منتصف القرن العشرين إلى أقل من 200,000 اليوم. وفي تركيا، لم يتبق منهم سوى آلاف قليلة، بعد أن كان لهم حضور قوي في الجنوب الشرقي.
مدن وقرى الجزيرة السورية لم يتبق سوى
5 % ـ 10 % فقط من السكان السريان بعد المذابح الأخيرة والتهجير.
رغم هول الكارثة، لا يزال الاعتراف الدولي بإبادة السريان محدودا. فقط عدد من الدول مثل السويد، هولندا، وألمانيا اعترفت رسميا بمجازر سيفو
نلاحظ مما ورد سابقا حجم المؤامرة الكبيرة، تاريخا وحاضرا ضد مكونات تاريخ وحضارة الأمة السورية ، جغرافيا ومجتمع وحضارة ، الهدف تفريغ سوريا من تنوع معرفتها وثقافتها ، وتحويلها إلى فكر وثقافة متصحرة ذات لون واحد وثقافة واحدة تعاني من الجهل ليلقى بها خارج تاريخها الحضاري العظيم لتصبح على هامش الحضارات .