«ترامب …على ركبة ونص في اليمن»

القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره  قالها المفكر الحاضر دوماً أنطون سعاده، ولكن منذ مئة عام تقريباً.  قول من ابن بلادنا ولو أتت من فيلسوف فرنجي لكانت برنجي، وها هم يهللوا لها عندما أتت من متكبر مغتر ملقب بالأخرق والمعتوه ترامب (إحدى أوصاف ال باتشينو لترامب، ودائماً تسبق توصيفنا له منذ سنوات ولايته الأولى) القائل:«بديمقراطية القوة».

لا تزيد أهمية الموضوع عن أهمية السعي لتحريك وعي وضمير أبناء امتنا على معاني ما يحدث حول العالم وفي منطقتنا بالتحديد أملاً بالوصول إلى قراءة أو تصور مشترك للواقع الحالي والمستقبل.

 في القرار العسكري المرتبط بالميدان والتكتيكات والدوافع النفسية والعقدية،  الأمر ليس مرتبط أبداً بحجم أو بموازين قوى رقمية من عدد حاملات طائرات ودبابات وعديد جنود … وما قد يشوبه من دراسة جدوى،  لكان المشروع قدم أرباحاً محتومة ترضي المستثمر صاحب رأس المال ولانعدمت أهمية دراسات الجدوى الاقتصادية التي بالضرورة تتطلب خبراء يدرسون أولاً المحيط والعارض والبيئة وتحدياتها للاستثمار وأهليتها لاستيعاب المشروع…وإغفال أي عامل كالتربة مثلاً دون أخذ طبيعتها وواقع المنطقة الجيوسياسي أو الديمغرافي قد يؤدي بذاته إلى انهيار أو فشل المشروع.

بالمختصر رأس المال هو ضروري وأساس لكل مشروع، ولكن بمجرد التخطيط أو الانخراط في المشروع يصبح رأس المال في مؤخرة العوامل

موضوع البحث هنا هو الموضوع اليمني الذي ينظر اليه «الاساتذة» الذين يصدموننا في قراءاتهم الحدث اليمني في المواجهة مع قوى الهيمنة (الرأسمالية) الغربية وغيرها من الاحداث والحروب.

بالوقائع الان العالم يترقب بدهشة المواجهة بين الولايات المتحدة «العظمى« واليمن

بالعودة إلى موضوعنا المتمثل بالحرب التي تخوضها اميركا الرئيس الاخرق دونالد ترامب على أسطورة التاريخ الحربي المتمثل في دولة المقاتلين الحفاة بناة الحضارة أي اليمن «السعيد»، يمن التاريخ.

ترامب بواقعه الحالي يمثل الرؤساء الذين وصلت أممهم إلى قمة الهرم العالمي ولثلاث أو أربعة عقود تفردت وعربدت حتى تجاوزت حروبها الستين في قرن من الزمن. وهي اليوم نتوء تحت احمال ثقال أقل ما فيها يقال إنها هرمت واستفزت قواها أو أستغلتها (240 عاماً أقصى عمر الامبراطوريات الحديثة وصلته اميركا فهل تجتازه؟؟!!) في اتجاه عدواني سلبي عنوانه القوة «الغاشمة».

تخوض اميركا اليوم بعنجيتها وقيادتها الغاشمة حرباً ضروساً في الشرق الاوسط تمتد من فلسطين ولبنان إلى إيران «الكارت» الاخير الذي ستلعب به كل أوراقها «صولد» (خارج البحث) إذا ما اجتازت حاجز البحر الاحمر اليمني!!!؟ وهل ستجتازه؟

من يقرأ التاريخ القديم والحديث يعرف أن اليمن بشعبها وتضاريسها عصية على التاريخ ذاته. لكن من حق السائل والمتابع السؤال: هل اليمن قادرة أو عصية على أعتى تكنولوجيا وألة حربية في العالم؟؟

ترامب المقاول المراهن صاحب قرار الحرب على اليمن الذي لا يلام على قصر اطلاعه على التاريخ القديم، وواضح انه كذلك بالنسبة للأمس القريب أواسط القرن الماضي وحرب مصر على اليمن حيت هرب المصريون سعداء في نهايتها لأنهم لن يعودوا ثانيةً: كما وصف الصورة السناتور السابق ريتشارد بلاك، Richard black. وبالمثل على الحرب التي ورطت بها اميركا ذاتها ودول الخليج العربي في تحالف عسكري أستمر ما ينيف عن الخمس سنوات في عدوان على اليمن ذاتها، استنفذت مخازن المصنع الحربي الاميركي الاوروبي واستنزفت الخزنات العربية بمئات مليارات الدولارات.

ولا بد من التنويه أن أفتك الاسلحة استخدمت فيها، وشاركت الدولة اليهودية فيها، باستعمالها عشرات القنابل النووية التكتيكية كالتي استعملتها في قصف ميناء اللاذقية بالأمس. وعندما كشرت القوة الهجومية اليمنية عن انيابها لتطال أعظم وأهم شركات النفط العالمية ارامكو وتحرق مصفاتها وهددت السعودية وجيرانها بالمزيد توقفت الحرب بعصا ساحر.

وبالأمس القريب قاد سلفه وقاطع سياق عهدي الرئيس ترامب الخرف بايدن تحالفاً بحرياً غربياً ضم نخبة قوى الاطلسي في مسعى لإخضاع اليمن حيث حشدت لها الاساطيل وحاملات الطائرات بهدف إعادة السلطة الشرعية وإعادة هيبة الدولة وتحرير التجارة البحرية العالمية وتحديداً مع الكيان العبري المتهالك. الذي حرمت مرافئه من حركة السفن وخاصة مرفأ حيفا الذي قصفت اسرائيل مرفأ بيروت لتجعل منه درة مرافئ الشرق وطليعتها، لكن حساب الحقل لم يناسب حساب البيدر واستقبل المسيرات من لبنان واليمن. والاخير الذي تفنن ويتفنن منذ حوالي العامين في رسم المسارات المستقيمة منها والمتعرجة التي وصلت الاف الكيلومترات لتحط فيه بدل السفن وتسقط حمولاتها المتفجرة بدل أن تحمل للكيان المتفجرات يرميها على المدن الاهلة بالأبرياء.

اذاً أسوة بالجنرال الرئيس الخرف وبعنجهية المقاول المعتوه دخل ترامب الحرب على اليمن بعد أن هرب حلفاؤه واساطيلهم بالأمس تباعاً وقدمت ايطاليا اعتذاراً لليمن طالبة المسامحة بلسان قيادتها، ليعودوا خلفه اليوم( عدا ايطاليا) وكلهم يقين بأن لا شيء تغير سوى زيادة همجية وغرور وإصرار ترامب على إحراق الاخضر واليابس الذي تتمدد نيرانه إلى الداخل الاميركي، ولكنهم منقادين بالضرورة لتلك الحرب التي تجاوزت الشهور اثبتت فيها البحرية اليمنية علو كعبها، فهشمت اضخم حاملات الطائرات «هاري ترومان» التي سحبت مرتين بسبب الاصابة واستدعيت زميلاتها وأغرق منها بحسب بيانات القيادة اليمنية ما يزيد عن المئة قطعة بحرية وسط تكتم الحلف الشديد على خسائره ناهيك عن التكاليف المرهقة والباهظة ثمن الاسلحة الذي تتدارس القيادة الاميركية إمكانية استبدالها بأقل كلفة كما أعلنت صحيفة نيويورك تايمز NewYork Times أن القوات الاميركية في المحيطين الهندي والهادي قلقتان للغاية من سرعة احراق الجيش للذخائر في القصف على اليمن لدرجة وصل البنتاغون إلى الحاجة إلى نقل اسلحة اخرى بعيدة المدى من مخزونات منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى الشرق الاوسط، الذي لا يخفي ارباك القوة وتعثرها وتآكل تفوقها …وهو ما تظهرها البيانات العسكرية اليمنية والثقة واللهجة الواثقة للملك الحوثي ( لا عبد) بعد جولات القصف المدمر التي تقودها طائرات ال ب-2_B الشبحية وصواريخها الخارقة للتحصينات التي لم تؤدي الا لقتل المدنيين وتدمير خزانات المياه والعمران وما وجد من بنى تحتية لم تدمرها الحروب السابقة المتتالية . كما أعلن قائد العمليات في البحرية الاميركية جيمس كلبيG. kelby الذي تحدث في مؤتمر الفضاء الجوي البحري حسب فوكس نيوز Fox News عن اصلاح تكتيكاتي للتجربة المكلفة معترفاً بالاستنزاف الهائل للذخائر المكلفة والحاجة لبديل منخفض التكاليف (بلد مفلس). وأضاف رداً على سؤال: هل تكفي الذخائر؟؟ بالقول:« نحن بحاجة إلى مزيد من العمق في مستودعات الذخيرة في حال صراع طويل الامد. واعترف بانعدام الخيارات لمواجهة المسيرات اليمنية وتأخر إدراك قيادة العمليات البحرية أن الليزر العالي الجودة ستكون أكثر كلفة وأقر أنه لم يكن يفكر بشكل مدروس عندما اقترح ذلك» وتوقف عند مخاوف تساور مخططي الحروب عند تضرر جاهزية الجيش ويستطرد عن مسؤولين ولا يستبعد أن تعاني الخطط الحربية في المحيط الهادي لإعادة نشر مع حاملات طائرات في الشرق الاوسط (لا شك أن إيران تراقب ذلك بفرح عن كثب).

هذا الواقع تنقله طبيعة السؤال الذي طرح على الضابط الطيار البريطاني ستيف جرميSteve Geremi بدلاً من أن يصاب الحوثيون بالصدمة من الغارات الجوية فقد يكونوا في الواقع سعداء، هل هذا يفاجئك؟ فيجيب بثقة: « لا لم اتفاجأ. لقد قاوم الحوثيون الحرب السعودية لسنوات…وأجبروا السعوديين على الاستسلام…يبدو لي أنهم مسلحين بشكل جيد ولديهم أسلحة متطورة وفعالة للغاية وخطيرة( وهذا ما أشار له ترامب بذاته مؤخراً :» انهم يصنعون صواريخ، إنها تكنولوجيا متطورة للغاية وهم أقوياء جداً(تصوير دقيق للواقع)، لكنهم تعرضوا لأضرار بالغة ( دونكيشوتية ترامبية يعكسها الواقع وإسقاط أحدث طائرات التجسس Q9 والابتعاد القسري للأساطيل في المياه الدولية)،وليس من السهل على الجيوش العالمية مثل الاميركية وبدعم من الجيوش الاوروبية، منع الحوثيين من اغلاق البحر الاحمر وهم يستخدمون اسلحتهم بشكل جيد«. وبزلة لسان المغرور المفصول عن الواقع وصف ترامب الغارات الجوية على المدن اليمنية مستبقاً التقارير العسكرية بأنها:» لم تترك لليمنيين القدرة على إغراق السفن الاميركية مجدداً« إقرار واضح وصريح بفعالية الرد اليمني على السفن الحربية فقط. ويثني السناتور بلاك على ذلك بأن اليمنيين لا ينهبون السفن التجارية ولا يعترضوا الا السفن المتجهة نحو الكيان العبري طالما أن جيش الاخير مستمر في سياسة الابادة الجماعية بحق أهل غزة.

إذا قراءة الحروب ونتائجها لا تحددها خطابات الرؤساء المغترين بأساطيلهم، ولا تحددها ميول المحللين الذين يتراءى لهم أن نتائج الحروب تحسمها أعداد وعتاد الجيوش أو ما تسوقه محطات المتروبول العالمي الاعلامية الموجهة وأبواقها المأجورة حول العالم تدحضها تصريحات أهل الاختصاص والقادة الميدانيين المجبرين على نقل الصورة كما هي والمعبرين بصدق عن أوجاعهم وهواجسهم المستقبلية وحاجاتهم الضرورية، وملزمون رسم صورة صادقة عن الواقع سوف يحاسبوا على نتائجها لاحقاً . ولا يركن إلى صحافة واعلام مأجور جل همه طمس حقائق لا تناسب واقع اسياده- مشغليه.

ودون ذكر بلاغ القوات اليمنية حول عديد القطع البحرية المستهدفة والبالغة 180 قطعة (يرفضها مباشرة العقل المستلب بالقوة والدعاية الاميركية) تبقى النتيجة عند نيويورك تايمز كالتالي:» فشلت الحملة العسكرية ضد اليمن رغم أن الترسانة العسكرية والاسلحة المستخدمة هي الاحدث في العالم، وإن العملية استنزفت مليار دولار في بضعة أيام، ولا يزال الخصم يتكاثر تحت القصف ويتحرك في الظل ويطلق نيران اسلحته المتطورة على السفن وكأن شيئاً لم يكن..« أما ظهورات المعتوه وقوله:» قضينا على الحوثيين ولن يعودوا يغرقوا سفناً بعد اليوم …وانه وحده (ترامب) استطاع« ما هي إلا أوهام مغرور متهور تسفهها إحاطات البنتاغون للكونغرس التي تكشف أن الضربات لم تؤثر على اليمن، ولم توقف عمليات استهداف السفن الحربية وبرر أن ترسانة الاسلحة اليمنية موجودة تحت الارض. ونقلت عن ثلاثة مسؤولين أن اليمنيين أظهروا مرونة غير مسبوقة في التكيف مع القصف حيث عززوا مواقعهم وحافظوا على وتيرة عملياتهم…نقصف المقصوف بأسلحة بعيدة المدى لتلافي الدفاعات الجوية.

وتختم:» المعركة تحولت إلى ملحمة هذا الزمن.

العالم منذ أكثر من عقد يبحث عن الحدث الذي يعلن نهاية مرحلة هي الان تحت زعامة(عربدة) اليانكي انتظرته البشرية من روسيا القوية الجريحة لولا دخول ترامب المقاول على الخط، أو من الصين الاقتصاد القوي الطامح إلى التسيد دون نزال عسكري (صعب المنال)، أو من البركس المالي الاقتصادي يسقط الدولار فتسقط آلة الهيمنة وتبدو بحاجة للوقت مع تذبذب اللاعب الحاسم الاساسي حامي الدولار بالبترول (البترو دولار) ولي العهد السعودي.

فهل يكتب التحول على نار البحر الاحمر الملتهبة مع التهاب أعظم آلة حرب في التاريخ قطعة يتآكلها العجز؟؟؟

وهل يكون ترامب الاميركي يلتسين السوفياتي الذي أعلن تفكك الامبراطورية السوفياتية؟؟

الدكتور أنطون حداد