الصراع وأوجهه والشرع الأعلى

الفكرة ثمرة لما جمعه الدماغ من معطيات واي محاولة لبثها وجعلها تستحوذ على عقل الآخرين ينبغي لمن يفعل ذلك الإحاطة بالثقافة السائدة لكي تصطف لجانب الأفكار الأخرى التي علقت سابقاً بالأذهان.

انطون سعاده الذي تربى بكنف والد طبيب مهتم بالشأن العام ولظروف تاريخية لم يستطيع اكمال دراسته الأكاديمية قرر الدخول في معترك سبقه اليه والده الذي هاجر إلى أرض الكنانة بسبب مواقفه الوطنية والقومية. وإذا كان للاب انشغالاته بسبب مهنته فان الابن أعطى كل وقته لإبراز الفكرة التي توصل اليها بأبحاثه المتنوعة حتى الوظيفة كمدرس للغة الألمانية في الجامعة الاميركية كرّسها للبحث والتواصل مع الطلبة الأمر الذي أسفر عن تأسيسه لمنظومات عملية كي يجعل فكره يتسرب إلى الآخرين. تجربته الاولى وأدها قبل ان ترى النور لعدم جدية من استقطبهم، والثانية اي الحزب القومي الاجتماعي كانت لتشهد ذات المصير في ظل اغترابه القسري إلا انه استطاع معالجة الأمر نسبياً بعد عودته وتلك المعالجة يعتبرها البعض بانها أدت إلى اعدامه لاحقاً.

غياب القائد الذي لم يتمم رسالته لا الفكرية ولا التنظيمية ترك معتنقي فكره بحالة بلبلة خصوصاً بعد اقصائه للكادر الاساسي الذي قاد المسيرة اثناء اغترابه القسري ومن يراجع تلك المرحلة يلمس الضعضعة والتململ خصوصاً مع قيادة جورج عبدالمسيح للمسيرة الحزبية الذي حاول اكمالها كوريث للزعامة وليس كقائد تسلم راية تقع مسؤوليته بإبراز كفاءته للكوادر وللصف الحزبي.

بالعودة للفكرة التي أطلقها الزعيم سعاده، لا بد ان نلاحظ مسألة بغاية الأهمية إلا وهي اجتراحه لقومية تاريخياً لم تحضر كإمة واضحة جلية والقول بالدعوة السورية لدى رجالات النهضة وبعض اهل السياسة كانت استكمالا لما اقرته السلطنة العثمانية اثناء فترة الخلافة ويلاحظ ذلك حتى لدى من اعتنقوا الفكرة حين أقدم سعاده على ادخال بلاد الرافدين بخريطة الامة، اذ أبدوا تحفظهم على ذلك أسوة بما فعلوه عندما أضاف مصطلح الاجتماعي لاسم الحزب. هذا الإدغام لبلاد ما بين النهرين ادخل خصم جديد على نادي الأخصام للحزب بريطانية.

منذ انطلاقته لغاية إعدام زعيمه كما والفترات اللاحقة لم يتسن للحزب اخذ النفس للمراجعة والتقييم تكاد فترة السجن في لبنان إثر الثورة الانقلابية الفترة الوحيدة التي استطاع خلالها بعض القيادات التفكير والكتابة حتى انها تعتبر فترة مفصلية، اذ على أثرها ظهر خطان تصارعا حتى نهاية حرب السنتين في لبنان.

ان فكرة الكفاح المسلح التي كانت نتيجة نكسة ال 67 والتي ترافقت مع نزوح منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن إلى لبنان شابها الكثير من الاعتوارات لأسباب موضوعية تخص بنية الحزب ولأسباب قومية (الشام)إقليمية ودولية. رغم اداء الحزب المتميز ان خلال الحرب الاهلية في لبنان او جهودها بالمقاومة الوطنية ودحر الاحتلال لم يشفع له لدى الشام فبقي نظام الاسد وراءه حتى حوله لأداة أمنية يشبه منظمة الصاعقة المعروف أداءها ان بلبنان او بفلسطين.

ان الجهود التي بذلت بفترة حلف بغداد دفع ثمنها القوميين دما ودموع في سجون النظامين السوري واللبناني كما ان جهود الحرب الاهلية والمقاومة لاحقا قد تم دفع أثمانها بإجلاء نسبي عن معظم مناطق الطوائف اللبنانية وجائزة الترضية التي نالها بعد الطائف بتمثيله بالندوة النيابية والحكومات المتعاقبة انتهى مفعولها. ويبدو ان العهد الحالي تحديدا مع حكومة حفيد علي سلام مطالبه من دمشق تقتصر بالمطالبة بالشرتوني الامر الذي يبشر بفترة شبيهة بالفترات الانتقالية السابقة للأثمان المنتظر على الحزب دفعها.

اللحظة الحالية لا شبيه لها في مسيرة الحزب وهي تترافق مع صعود المد المذهبي التائق للفكرة الإبراهيمية على مساحة الامة والعالم العربي حتى ان استثناءاته اي للمد الإبراهيمي هي دينية مذهبية تعمل لاخرتها، معالجتها بالطبع لا تتطلب الانكفاء بل الاطالة بالتفكير لإجاد المخرج النظري والعملي ولنتذكر ان الفكر التغييري ليس بالأمر اليسير فالفكر الناصري المقدسي، فلأحه كان بعد 300سنة على يد قسطنطين والفكر الاوليفارياني بأميركا اللاتينية شهدناه لأول مرة مع هوغو تشافيز(سيمون بوليفار توفي بأوائل القرن الثامن عشر ) الأفكار لا تموت بل تخضع لعوامل الصراع ، وللصراع أوجه عديدة على من يريد إكماله ان يبقي العقل شرع أعلى .