الدولة والعلمنة (الحلقة الثالثة عشرة) ج – العنصرية

ان العنصرية مرض اجتماعي بالتأكيد، وهو يشير الى بعض مظاهر الانحطاط الخلقي والفكري معا. وفي المجتمعات المعاصرة التي عصفت بها رياح العنصرية وروائحها صارت «العنصرية» أكثر الكلمات انحطاطا، وما فتئت هذه المجتمعات، تحاول أن تتخلص من العار الذي لحق بها، أكان ذلك في مرحلة المتاجرة بالرقيق، أو في مرحلة الاستعلاء على المهاجرين، او في مرحلة احتقار سكان المستعمرات(1) .

تنبهت «الجمعية العامة للأمم المتحدة» الى خطر العنصرية على حياة المجتمعات المدنية، وعلى مبادئ الحرية والعدل والسلام في العالم، فضمنت، «الاعلان العالمي لحقوق الانسان»، أكثر من مادة منه تشير الى المساواة في الكرامة والحقوق بين الناس دون أي تمييز، ودعت الى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية او الدينية(2) ، كما أصدرت هذه الجمعية سلسلة من القرارات في شأن العنصرية، ومنها:

  • القرار رقم 1924، تاريخ 20 تشرين الثاني 1963، ومضمونه: «اعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري».
  • القرا رقم 1351، تاريخ 14 كانون الاول 1973، ومضمونه: «ازالة التحالف الآثم بين العنصرية بأفريقيا الجنوبية والصهيونية».
  • اعلان المكسيك في تموز 1975، وما ورد في مضمونه: «ان التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين وازالة الاستعمار والاستعمار الجديد والاحتلال الاجنبي والصهيونية والفصل العنصري والتمييز العنصري..»
  • اعلان كمبالا في اول آب 1975، ونصه:«ان النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين الحاكمين في زيمبابوي وأفريقيا الجنوبية ترجع الى اصل استعماري مشترك وتشكل كيانا كليا، ولها هيكل عنصري واحد وترتبط ارتباطا عضويا في سياساتها الرامية الى اهدار كرامة الانسان وحرمته».
  • اعلان ليما في 30 آب 1975، الذي نص على: «ادانة الصهيونية» بأقصى شدة بوصفها تهديدا للسلم والأمن العالميين.. والطلب الى جميع البلدان مقاومة هذه الايديولوجية العنصرية الامبريالية«.

وهكذا تكون العنصرية الصهيونية، هي العنصرية الوحيدة في العالم، التي تحافظ في جوهر عقيدتها على «مبادئ» الاستعلاء واحتقار الآخر والعمل على الغائه، وقد تجسدت هذه «المبادئ» فعليا في مجموعة من التشريعات التي أصدرتها «اسرائيل»، ومن بينها قوانين العودة والجنسية وتنظيم المحاكم الحاخامية وقوانين الدفاع والطوارئ والعقاب الجماعي.(1)

ان «اسرائيل» هي اليوم، ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، هي نموذج للدولة العنصرية الارهابية، وما بناء «جدار الفصل العنصري»، وحرب الابادة الذي تشنه على الشعب الفلسطيني وعلى شعوب الدول «المجاورة» لها الا الدليل الساطع على أن هذا النظام العنصري يهدد السلام والأمن الدوليين، وهو خرق سافر لمفهوم المجتمع المدني، والأخطر من كل ذلك فهو المحرك ليقظة العنصريات النائمة التي تهدد وحدة المجتمعات الأهلية بالصراعات واعمال العنف الدموية التدميرية، وقد بدأنا منذ زمن نشاهد على مسرح الأحداث في لبنان عدوى العنصرية، مما دفع بأحد الصحفيين في لبنان الى نشر مقالة حملت العنوان: «انتعاش العنصرية في لبنان: متى يعلن تأسيس حزب الفاشية اللبنانية؟»(1)

ان العنصرية، لا تشكل فقط عائقا في وجه قيام «المجتمع المدني» وتعطيل دور مؤسساته الديمقراطية السيادية، وانما هي خطر كبير على القيم الانسانية، خصوصا على مبدأ الخير العام، الذي عرفته الحضارات البشرية، وأقرته الديانات السماوية، وفي مقدمتها المسيحية والمحمدية كما أكدته القوانين الوضعية.

والعنصرية، هي تهديد فعلي لمبادئ الأمن والسلام الدوليين، وهي تنذر بتفجير الحروب العرقية والعنصرية والطائفية، كما أنها لا تنتعش الا بأوكسيجين صراع الثقافات وصدام الحضارات. ان العنصرية هي ألد عدو للمجتمعات المدنية التي يسودها حوار الحضارات والثقافات من أجل تفاعلها وانتاج «حضارة عالمية» قائمة على المحبة التي هي أساس العدل والسلام الدائم بين شعوب الأرض، وهذا ما يتنافى كليا مع العنصرية التي تقوم على أسس التعصب والكراهية والغاء الآخر، و«اسرائيل» هي المثال والنموذج للعنصرية بكلّ أبعادها التدميرية لقيام المجتمعات المدنية.

يتبع: خرق سيادة الدولة.


(1) – صقر ابو فخر: جريدة « السفير»، انتعاش العنصرية في لبنان: متى يعلن تأسيس حزب الفاشية اللبنانية؟ ، تاريخ 23-3-2005 ص 19

(2) – راجع: ملحق « الاعلان العالمي لحقوق الانسان» خصوصا المواد الاولى والثانية والخامسة والعشرون.

(1) – جهاد العقل: الصهيونية مساوية للعنصرية.

(1) – صقر ابو فخر: مرجع سابق