السريان.. شعب عانى الاضطهاد والنسيان

من هم السريان؟

أحفاد حضارة عمرها آلاف السنين …. هم أحد أقدم الشعوب الباقية في سوريا، لكنه للأسف أحد أكثرها تعرضا للتشويه، بل وللنسيان والإقصاء المتعمد.

لماذا ارتبط هذا الاسم بمسيحيي المشرق دون غيرهم؟ ولماذا نراهم اليوم مشتتين بين تسميات متعددة؟

الإجابة تكشف عن قصة أعمق من مجرد تسمية، إنها قصة حضارة، ولغة، وصراع طويل ضد محو الوجود.

السريان هم أبناء الآراميين الذين دخلوا بالمسيحية ولم يندثروا.. هم الامتداد الحي للآرامية التي تجذرت لقرون طويلة قبل الميلاد في سوريا الطبيعية. الآراميون الذين انتشروا من تدمر والبتراء وبابل جنوبا إلى نينوى والجزيرة السورية شمالا، ومن الساحل السوري الى حلب إلى الأحواز شرقا، حملوا لغتهم وثقافتهم إلى كل زاوية في سوريا، حتى أصبحت الآرامية يوما ما لغة الإمبراطوريات القديمة.

وحين تمددت المسيحية في سوريا في القرن الأول للميلاد، اعتنقها الآراميون باكراً، وحملوا رايتها في المدن والجبال، ومع مرور الوقت، أصبح يطلق عليهم اسم السريان، وهو تعريب للكلمة الإغريقية (سيريانوس)، والتي كانت تشير إلى سكان سوريا الطبيعية.

السريانية ليست مجرد لغة طقسية تستعملها الكنائس الشرقية، لقد كانت السريانية يوما ما لغة الفلسفة، الطب، والعلوم واللاهوت. كتب بها أطباء وحكماء مثل برصوما، وجبرائيل القرداحي، وحنين بن إسحق الذين ترجموا علوم الإغريق والبابليون إلى العربية، فساهموا في نهضة واستمرار الحضارة.

لكن ما يؤلم حقا هو أن هذه اللغة الآرامية (السريانية)، التي شكلت وجه الحضارة السورية عبر عقود طويلة، تهمشت اليوم، لا في الجامعات فقط، بل أحيانا كثيرة بين أبناء السريان أنفسهم. وما التهميش اللغوي سوى الخطوة الأولى نحو محو الذاكرة الجماعية الحضارية، يؤدي ذلك بالنتيجة الى محو هذه الحضارة نهائيا.

 وعند الحديث عن السريان، ستجد أمامك طيفا من التسميات سريان، آشور، كلدان. موارنة، وقد تظنهم شعوبا مختلفة، لكن الحقيقة أنهم شعب واحد بلغة واحدة وجذر واحد، فرقته السياسة والمذهب، لكن جميعهم أبناء لغة واحدة وهي اللغة السريانية وهم أحفاد الآراميين، انهم ليسوا أقلية، بل هم الأصل والجذور. هذه الانقسامات المصطنعة سهلت على جلادي التاريخ أن يمزقوا نسيج هذا الشعب دون مقاومة.

وما حدث أنه تم اختزال السريان اليوم بتسمية الأقلية المسيحية في سوريا، السريان ليسوا أقلية جاءت من الخارج، بل هم أصل من أصول الشرق، جذورهم مغروسة في تراب نصيبين، وحران، وطور عبدين، ومدو، وماردين، والرها، وسهل نينوى، وحوض الخابور، وإنطاكية.

فإنكار وجودهم وطمس تاريخهم يحدث الآن بالصمت والتجاهل.

أن نعرف من هم السريان هو اعتراف بأن هذا الشرق، الذي يئن اليوم تحت ثقل العنف والتفكك، كان يوما منارة للعقل والروح، بفضل السريان أحفاد الآراميين.

 ـ الإبادة التاريخية.

من بين صفحات التاريخ التي كتبت بالدم، تقف مآسي الشعب السرياني كأحد أكثر الفصول إيلاما وأقلها انصافا، هذا الشعب الذي يمتد تاريخه إلى آلاف السنين، والذي أسهم في بناء الحضارة السورية كما أسلفنا، أصبح ضحية متكررة لموجات من العنف، من الاضطهاد الديني في العصور القديمة إلى الإبادة المنظمة في القرن العشرين، وصولا إلى الإبادة الإجتماعية والثقافية في عصرنا الحديث.

 ـ الاضطهادات الرومانية في القرون الأولى للمسيحية حتى أوائل القرن الرابع الميلادي.

عانى السريان (خصوصا السريان الأرثوذكس والكنيسة الشرقية) من اضطهاد ديني من قبل الإمبراطورية الرومانية، وكان يُنظر للمسيحيين كخطر سياسي وديني.

وبما أن السريان كانوا من أوائل الشعوب التي اعتنقت المسيحية (في الرها، نصيبين، أنطاكية…) فقد نالهم نصيب كبير من هذه الاضطهادات.

 ـ أبرز الاضطهادات.

 اضطهاد نيرون (64 م).

بدأ في روما لكنه انتقل الى سوريا.

عدد القتلى غير محدد بدقة، لكنه أول اضطهاد إمبراطوري شامل.

اضطهاد دقيوس (250 م).

استهدف كل من يرفض تقديم القرابين للآلهة الرومانية.

في سوريا سجلت حالات تعذيب وإعدامات جماعية لكهنة ومؤمنين سريان.

اضطهاد ديوكلتيانوس (303–311 م)

أعنف وأوسع اضطهاد تعرض له المسيحيون قبل أن تعترف الدولة بهم.

في الرها ونصيبين وماردين، قتل الآلاف من السريان.

 تقديرات القتلى من السريان تتراوح حسب مصادر مختلفة من 50,000 إلى 100,000 في كامل سوريا.

 ـ اضطهادات الدولة الفارسية الساساني (226–651 م).

كان الفرس الزرادشتيين يعتبرون المسيحيين عملاء للرومان أعداء الدولة.

فبعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية، أصبح كل مسيحي يعامل كجاسوس محتمل.

 ـ أبرز أعمال الاضطهاد.

في عهد شابور الثاني (309–379 م).

أمر بإعدام عشرات الآلاف من المسيحيين خاصة في بلاد الرافدين وبلاد فارس.

الكنيسة السريانية الشرقية (النسطورية) كانت الأكثر تضررا.

سجلت الكنيسة أكثر من 16,000 ضحية أعدموا مع العديد من رجال الدين.

المصادر السريانية تذكر أن أكثر من 250 ألف مسيحي قتلوا أو هجروا من مناطقهم.

وبعد سنة (409 م) عقد الفرس صلحا مع السريان، وبدأت الكنيسة السريانية الشرقية تحصل على حرية نسبية.

لكن ظل القمع يظهر بشكل متقطع، خصوصا خلال الحروب بين الفرس والروم.

 ـ الاضطهاد خلال الحملات الصليبية

(1095 ـ 1291 م).

شهد السريان (وخاصة السريان الأرثوذكس الشرقيين) فترات اضطهاد ومعاناة خلال الحملات الصليبية على الرغم من كونهم مسيحيين، وذلك بسبب اختلاف طوائفهم عن الطوائف المسيحية الغربية (الكاثوليكية). وفيما يلي أبرز أشكال الاضطهاد والمعاناة التي تعرضوا لها.

1-التمييز الديني من قبل الصليبيين.

الصليبيون اعتبروا الكنائس الشرقية، مثل الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، هراطقة بسبب اختلافاتهم العقائدية.

قام الصليبيون بالاستيلاء على الكنائس السريانية وتحويلها إلى كنائس كاثوليكية في بعض المناطق مثل أنطاكية والقدس.

تم منع رجال الدين السريان من ممارسة شعائرهم بحرية في بعض الأوقات.

2 ـ العنف والتنكيل.

في أثناء دخول الصليبيين للقدس (1099م) قتل عدد كبير من من المسيحيين السريان.

وقاموا بنهب الأديرة والكنائس السريانية.

3 ـ فرض الهيمنة الكنسية الكاثوليكية.

تم تنصيب بطاركة وأساقفة كاثوليك في أنطاكية والقدس، وأُجبر السريان على الاعتراف بسلطتهم الكنسية وممارسة شعائرهم سرا.

وحرم السريان من الوصول إلى بعض المواقع المقدسة التي أصبحت تحت إدارة الكنيسة الكاثوليكية.

ونتيجة للاضطهاد من قبل الصليبيين، قام السريان بالتحالف مع المسلمين في صراعهم ضد الصليبيين وشاركوا بشكل كبير في هذه الحروب، وشكلوا مجموعات قتالية مستقلة ساهمت في طردهم من سوريا.

المجازر التي تعرض لها السريان في العصر المغولي لم تسجل دائما بشكل دقيق من ناحية الأرقام، بسبب طبيعة الحروب والفوضى آنذاك، لكن هناك بعض المجازر البارزة التي وردت في مصادر تاريخية سريانية وعربية وأجنبية.

 ـ أبرز المجازر.

1 ـ مجزرة أربيل (1310م).

قامت جماعات مقاتلة بالهجوم على أحياء المسيحيين في أربيل، بتحريض من بعض رجال الدين المتشددين بموافقة الحامية المغولية.

قدر عدد الضحايا حسب المصادر السريانية أكثر من 20,000 من السريان (أرثوذكس وكاثوليك ونساطرة). وقد دونت احداث المجزرة في كتابات الميتروبوليت إيليا من نصيبين، وتوما المرجي.

2 ـ مجازر الموصل (1258–1295م).

تعرضت الموصل لعدة موجات من العنف.

 لا توجد أرقام دقيقة لعدد الضحايا، لكن بعض المصادر تشير إلى قتل آلاف السريان، ودمار عدد كبير من الكنائس والأديرة والقرى.

3 ـ مجزرة مراغة وفارس (أواخر القرن 13).

بعد تحول المغول إلى الإسلام، تم اضطهاد السريان في بعض المدن الفارسية مثل مراغة، تبريز، همذان على خلفية دينية بفتاوى رجال الدين.

عدد الضحايا غير معروف بدقة، لكن المسيحيون السريان تعرضوا للقتل والطرد والاضطهاد ونهب وحرق القرى.

4. سقوط بغداد (1258م).

لا توجد إحصاءات خاصة لعدد ضحايا السريان، لكن العدد الكلي للضحايا في بغداد من السريان يُقدّر بالآلاف.

وقد وثق ذلك المؤرخين المعاصرين للسريان مثل ميخائيل الكبير وبرهبرايوس ذكروا الفظائع، ولكن دون توثيق إحصائي دقيق لعدد الضحايا.

 ـ في زمن الحكم العثماني.

 مجازر سيفو (أي السيف بالسريانية).

(1915–1918م)

واحدة من أسوأ المجازر بحق السريان والتي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى في عهد الدولة العثمانية، لم تكن مجرد فوضى بسبب الحرب، بل كانت عملية تطهير عرقي ممنهجة، نفذت لأسباب سياسية، دينية، وقومية مترابطة .

واستمر الاضطهاد مع بدايات الجمهورية التركية وتم منع استخدام اللغة السريانية، وهدم الكثير من الكنائس، ومصادرة الأوقاف السريانية.

 يتبع