اكتشف في مدينة أوروك(الوركاء) في العراق العديد من الدمى التي تمثل السمك، والتي أُرخت على نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، كما ظهر السمك كعنصر زخرفي على قاعدة وأطراف علم (راية) «أورّ، وعلى سراج فضي يعود لعصر السلالات الباكرة 2600-2400قبل الميلاد، في مدينة أور في العراق. وفي الشمال السوري صُوّرت الإلهة «أتارجاتيس» على شكل سمكة مع احتفاظها بوجهها ويديها البشريتين، وكان للإلهة أتارجاتيس معبدٌ عظيمٌ في مدينة منبج(بامبيكه) شمال مدينة حلب، وقد أتى على ذكر المعبد الفيلسوف السوري لوقيانوس السميساطي 125-180ميلادية، وقد شرح بشكل وافٍ الطقوس التي كانت تقام في ذلك المعبد، ومن ثم انتقلت أتارجاتيس إلى الغرب لتعبد باسم ديا سوريا Dea Syria خلال العصر الروماني. ومن موقع تل سكّا في غوطة دمشق وأثناء عملي مع البعثة الوطنية هناك، وقعت يداي على ختم أسطواني مزخرف بالسمك بشكل طولاني، والختم مصنوع من حجر الأوبسيديان، ويؤرخ على عصر البرونز الحديث1600-1181قبل الميلاد. وكذلك فإنّ الفينيقين والأشوريين اهتموا بالسمك كموضوع فني وزخرفي تزييني وظهر ذلك في الكثير من الأعمال الفنية العائدة إليهم. وفي العصور الكلاسيكية 330ق.م- 636م جُسّد السمك على كثيرٍ من المنحوتات، وكذلك على سجادات الفسيفساء في سوريا الطبيعية، فمن مدينة شهبا في السويداء تطالعنا فسيفساء تبرج الإلهة فينوس وولادتها بزخرفة لأسماك متعددة تعود إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، ومن متحف طرطوس يلاحظ وجود زخرفة بالسمك على السجادات الفسيفسائية وكذلك من مدينة أفاميا في سهل الغاب، ومن موقع التمانعة التابع لمحافظة إدلب عثر على سجادة فسيفسائية تعود للعصر البيزنطي عليها زخرفة للسمك، ومن فلسطين من مدينة كفرناحوم ظهرت فسيفساء صوّر عليها سمكتان وبينهما سلة تحتوي أرغفة خبز ومزينة بالصلبان وتعود للقرن الخامس الميلادي، ومن ليماسول في قبرص عثر على تصوير لسمكة على لوحة فسيفساء تعود للقرن الرابع الميلادي. لقد رمز السمك في العصور التاريخية إلى الخصب فكان يمثل الإلهة عشتار أو يرمز لها، وذلك بسبب كثرة البيوض التي ينتجها خلال مدة قصيرة، ولكنّه وبعد ظهور الديانة المسيحية تحولت رمزية السمك لتتوافق مع مفاهيم الدين المسيحي، فالسيد المسيح فتش عن رسله بين صيادي الأسماك قائلاً لهم: سأصنع منكم صيادين للبشر، وقد مُثل القديسون على هيئة صيادين وصوّروا وهم على أهبّة الاستعداد لاصطياد البشر.كما كان السمك هو سيّد المائدة في العشاء السرّي للسيد المسيح وتلامذته، وفيما بعد تحولت رمزية السمك إلى الاختباء وسرانيّة الديانة المسيحية في فنّ الأيقونة أو النحت أو من خلال الرسوم الجدارية أو على فن الفسيفساء. وقد دلّت رمزية السمك على السيد المسح لأن السمك يدعى في اللغة اليونانية القديمة خريستوس -Хριτός«، وجاءت اللفظة في اللاتينية » كريستوس ـ Christos« ومنها استقت اللغات الأوربية لفظة»Christ« ومما يشير إلى أهمية رمزية السمك في الدين المسيحي قول الكاتب القرطاجي المسيحي ترتليان 160-220 ميلادية: نحن الأسماك الصغيرة، نحن المولودين في الماء حيث عبّر بشكل واضح عن رمزية السمك هنا.
كما أنّ السمكة الدلفين أخذت تسميتها دِلفوس من اليونانية، ومن ثم أصبحت في اللاتينية دلفينوس، وقد اعتُمِد الدلفين رمزاً لنقل الموتى إلى جزر السعادة عند القرطاجيين، إلا أنّ الدلفين المصوّر حول قطب المرساة عُدّ رمزاً للسيد المسيح.
د. عبد الوهاب أبو صالح

الشكل رقم2