تمت دعوة نتنياهو (استدعائه) لزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس دونالد ترامب على عجل، وكان ديوان نتنياهو قد اعلن أن الدعوة لم ترفق بتفاصيل ما سيتم مناقشته، فذهبت تكهنات على أن تحولا في خطة ترامب اتجاه غزة قد حصل أو أن موعد الحرب مع ايران قد اقترب، أو أن ترامب سيقدم هدية لان نتنياهو باستثناء (إسرائيل) من الرسوم الجمركية التي فرضها على البضائع المستوردة إلى داخل الولايات المتحدة، والتي أحدثت هزة في الاقتصاد العالمي، أو أن قرارا قد اتخذ بتصعيد المواجهة مع اليمن، فيما جمّلت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية ذلك بالقول ان طريقة الدعوة كانت استثنائية و تشير إلى ان مسائل بالغة الأهمية قد استدعت هذا الاستعجال وان ملفات استراتيجية وأمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية ستكون مطروحة للنقاش.
لكن في اللقاء مع الصحافيين الذي كان بديلا عن المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع ظهر ان كل تلك التقديرات لم تكن دقيقة فالموقف تجاه غزة والشأن الفلسطيني لا زال كما هو وترامب يريد من نتنياهو التزام الصمت وعدم إصدار تصريحات توتر الأجواء وعدم القيام بما يعرقل المحادثات المباشرة يوم السبت القادم في عمان، وذلك قبل الاقدام على خطوة حادة تجاه إيران، والرسوم الجمركية بقيت على حالها ولا تشمل البضائع (الإسرائيلية) فما الذي كان مهما في اللقاء؟
لم تقاطع تركيا دوله الاحتلال خلال الحرب كما كان يفترض من يحبها و يعقد عليها الآمال، فمنذ السابع من تشرين اول 2023 تضررت الزراعة والاقتصاد والصناعة في دولة الاحتلال بسبب الحرب، وتعرقل وصول البضائع عبر البحر الأحمر فقامت تركيا بدعم (إسرائيل) بالمنتجات الزراعية وغيرها وأخذت موقف به كثير من الحياد مع الدعوة لوقف الحرب، وهذا امر طبيعي بالنسبة لتركيا التي لا زالت أطلسية العضوية، وتحاول إثارة الخلاف السني الشيعي باعتبارها راعية للسنة ووارثة للخلافة العثمانية، ولعبت الدور الأكبر في طعن الدولة السورية وصولا إلى إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد والمجيء بصنيعتها احمد الشرع، وباختصار فقد كانت العلاقة مستمرة بين أنقرة وتل أبيب وكان ما يجمعهما يفوق ما يفرقهما.
لكن مع اختفاء الرئيس السوري السابق بشار الأسد وسقوط نظامه وتسلم أبو محمد الجولاني- احمد الشرع لاحقا الحكم أخذت توترات تصيب العلاقة ما بين أنقرة وتل أبيب، فالثمرة السورية التي أصبحت ناضجة وقد أنضجتها تركيا بالتعاون مع قطر، لكن تل أبيب تريد أكلها منفردة وهي لا ترى في أبو محمد الجولاني الا دمية في يد الأتراك ومن المعروف ان (إسرائيل) بطبعها لا تثق بأحد ولا تريد ان تكون دولة قوية، ايران كانت ام تركيا في جوارها، ووجود أبو محمد الجولاني في دمشق يعني ان تركيا قد أصبحت دولة مجاورة لفلسطين المحتلة (إسرائيل).
كانت الحركة الصهيونية قبل إعلان الدولة عام 1948 وبعد الإعلان تلعب على وتر الأقليات وضرورة إنشاء كيانات ذات طبيعة إثنية أو طائفية لتكون بديلا عن دولة المواطنة الجامعة، وكانت اهم نجاحاتها في استثماراتها الكردية في العراق وفي سوريا، والأكراد اليوم في شرق الفرات يبدون استعدادهم ورغبتهم في إقامة دولة كردية لهم ان استطاعوا ذلك، الأمر الذي يمس الأمن القومي التركي كما يمس امننا القومي.
الدولة الكردية لا مستقبل لها، فهي ان قامت فسوف تعيش محاطة بسوريا والعراق وتركيا وإيران والدول الأربعة ترى في المشروع الكردي تهديدا لأمنهم القومي لكن هذه الدولة ستنال فرصتها ان أصبح لها منافذ خارجية التي تستطيع (إسرائيل) توفيرها لها ان نجحت في استكمال مشروعها الذي أطلقت عليه اسم طريق داوود وذلك عندما يستكمل الاحتلال (الإسرائيلي) زحفه إلى الشرق من درعا ثم صعودا بمحاذاة الحدود العراقية السورية ليتواصل مع شرق الفرات ويؤمن للأكراد الطريق ومن هناك إلى البحر الأبيض المتوسط.
لذلك أصبحت العلاقات التركية مع دوله الاحتلال متوترة وتسير في طريق الاشتباك فتركيا لا زالت أطلسية العضوية وهي على غير علاقة طيبة مع شركائها في عضوية الأطلسي الأوروبيين، ولكن ترامب يرى ضرورتها كقاعدة للولايات المتحدة بسبب موقعها من النفط ومن أوروبا ومن أسيا ومن إيران ولعله يرى فيها شريكة صغيرة في مشاريعه الكبيرة لذلك اورد على مسامع الصحفيين بعض ما قاله لنتنياهو في الاجتماع المغلق
-لدي علاقة مع رجل اسمه أردوغان واحبه ويحبني وهذا يغضب وسائل الإعلام.
– أبلغت نتنياهو بانني قادر على حل اي مشكلة بين تركيا وإسرائيل بشان سوريا.
ـ أبلغت نتنياهو إنني أحب أردوغان وإذا كانت لديه مشاكل معه فيجب حلها.
أبلغت نتنياهو بان على الإسرائيليين التصرف بعقلانية لحل اي مشكله مع تركيا.
هنا يتضح ان حالة الاشتباك بين إسرائيل وتركيا كانت تسير متسارعة الأمر الذي دعا ترامب لدعوة نتنياهو للبيت الأبيض لدرء هذا الاشتباك والبحث عن صيغ لتقاسم سوريا الجديدة ما بين الأتراك في الشمال وإسرائيل في الجنوب وهو ما سيتضح. في القريب.
هذه هي الأزمنة المليئة بالصعاب التي تمر على الأمم الحية والتي تستدعي منا الرد بمزيد من العمل على تحرير كامل بلادنا المحتلة وعلى التمسك بالأمل وبقدرتنا على مواجهة مثل هذه التحديات الخطيرة.
أما الأكراد فهم نموذج لمن لا يتعلم من تجاربه حيث انهم سيكونون دائماً ضحايا لطموحاتهم الانفصالية غير المشروعة ولا خلاص لهم إلا بالارتباط بالمجموع القومي.