بين الجولاني والشرع… ما الذي تغير؟

عرف الناس الإرهابي التكفيري ابو محمد الجولاني باعتباره ربيبا للقاعدة وداعش في العراق، ثم انتقل إلى الشام ليعمل مع المخابرات التركية وينطلق في مشروعه الخاص  ،به يحمل ذات الافكار المتطرفة وذات العقلية الداعشية والسلوك الدموي والخطاب الذي يلغي الاخر ويعتبر انه يحتكر الحقيقة ومعرفة الشرع الاسلامي الصحيح و لكن على طريقته، مما يكاد ان يجعل منه وكيلا لله او حتى شريكا له، وان كل من يخالفه خارج عن الاسلام (اسلامه هو و امثاله) ويستحق العقوبة بأبشع أشكالها، مما أدى إلى إجرام دموي بأكثر الطرق عنفا وبشاعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر جريمة احراق الطيار الاردني الكساسبة حيا وتصوير الجريمة وتوزيعها على الشاشات الفضائية ووكالات الانباء ليراها العالم.

عرف النظام العربي منذ عام 1949 الانقلابات العسكرية التي كان أولها في دمشق، انقلاب حسني الزعيم الذي رتبته المخابرات المركزية الامريكية لتوقيع اتفاقية التابلاين، ووضع اساس للتطبيع مع (اسرائيل)، وترافق ذلك مع تعاظم دور الحلاق الذي يعيد تشكيل ملامح وشعر الرؤساء، و مع الخياط الذي يفصل لهم البدلات مدنية كانت بأناقتها ام عسكرية بأبهة المار شيلات و عصيهم.

و لما كان الحديث عن الشام و احوالها، فان الاتراك هم من اكتشف وصنع  وامتلك امتياز وحق الانتاج الاول لشخصية ابو محمد الجولاني ذات اللحية الكثة و العين الحمراء التي تطلق شررا و شرا، ولكن مع تزايد اهتزاز النظام السابق في دمشق،  اصبح الشيخ ابو محمد الجولاني هو المرشح ليصبح سيد سوريا الجديد، فصار من اللازم اعادة تدويره من شخصية أبو محمد الجولاني إلى شخصية الأستاذ احمد الشرع الامر الذي يتجاوز قدرات الاتراك، وهذا ما كان من تخصص الانجليز وخبرائهم في مجال مصممي الملابس والحلاقين فاصبح الشيخ الاسلامي التكفيري الغاضب صاحب كلام منمق  و يظهر على الاعلام كما ابدع الحلاق في اعاده تشكيل ملامحه وقص  شعره بإضافة الجل اللامع واللحية المشذبه فيما اختار له المتخصصون بالأزياء البدلة الأنيقة وربطه العنق الجميلة و الملونة، والساعة السويسرية التي تليق لا برئيس جمهورية وحسب  بل بشيخ من شيوخ البترو- دولار.

 فهل اقتصرت التغييرات على الملابس واللحية والشعر والكلام للمنمق فيما بقي الجوهر على حاله؟ ما يجيب على ذلك هو ما يسيل على الارض من دماء، وشكل الدستور الجديد كما ما يصدر من الغرف المظلمة من مراسيم.

وبما ان التاريخ كعلم وظيفته معرفة ما جرى في الماضي لا من اجل الفضول وانما لأخذ الدرس والعبرة منه، علينا ان نتذكر ان كبرى مصائب عراق ما بعد صدام و التي لا زال العراق يعاني منها كان قرار الحاكم الامريكي بريمر بحل الجيش العراقي و ترك الساحة لتملاها المليشيات الطائفية و الاثنية و العشائرية و المناطقية، التي زرعت بذور تفسخ العراق، اما في حالة الشام ما بعد بشار فلم يكن في دمشق بريمر ليتخذ هذا القرار و انما الذي اتخذه هو الشيخ ابو محمد الجولاني- فخامة احمد الشرع حالياً.

 لقد شاهد العالم ما جرى في الساحل وجبال اللاذقية من مجازر وامور معيبة تجعل من حق المغول والتتار عتابنا عندما نشبه أي عمل وحشي ودموي بهم، فقد شابه او فاق ما فعله التكفيرين وما سبق للمغول ان فعلوه. لن يستطرد المقال في ذكر التفاصيل المؤلمة فهي معروفة للجميع، ولكن ما يجب الاشارة اليه هو ان لما جرى وظيفة سياسية خطيرة لدفع البلد باتجاه التقسيم وبان يطلب مواطنين من الغرباء حمايتهم من دولتهم ومن شركائهم المفترضين بالوطن، وهو امر سيتردد صداه عاليا في مناطق اخرى واولها السويداء و الجبل، وأي ادعاء من حاكم دمشق بعدم معرفته او بعدم قبوله بما جرى امر لا يصدقه احد، و أي اجراء لمنع تكرار ذلك لن يتخذ و ان اتخذ فلن ينفذ.

في الدستور الجديد أصبح الرئيس غير المنتخب يملك الصلاحيات المطلقة وتقبض يده عليها بالكامل، فهو رئيس السلطة التنفيذية وهو يستطيع تعيين ثلث اعضاء البرلمان بانتخاب من صوت واحد هو صوته لا في اصوات اغلبية من الشعب، فيما هو من يختار اللجنة التي ستعين الثلثين المتبقيين، أصبح الفقه الاسلامي- بالطبع كما يفهمه التكفيرين هو مصدر التشريع واساس الدستور الجديد.

هكذا بموجب ما يجري على الارض وتراه العين وتسمعه الاذن ويدمي القلب، وبين الدستور الذي يجعل من الدولة تختزل بسماحة الشيخ ابو محمد الجولاني- فخامة الرئيس احمد الشرع، نتأكد ان الرجلان واحد، وان الاصيل هو الجولاني الذي يقبض على الرقاب وان باسم احمد الشرع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *