العلاقات بين اليهود والكنيسة الكاثوليكية: محطات التحول 3 – الجزء الخامس

في  20ـ/ 08 /2015 ذكر الموقع الالكتروني لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن الفاتيكان رفض طلباً إسرائيلياً بالحصول على نص الاتفاق الذي مع دولة فلسطين قبل أسبوعين ونقلت «هآرتس» عن موظف حكومي إسرائيلي رفيع قوله، إنه على الرغم من تقديم إسرائيل أربع طلبات بهذا الخصوص، إلا أن مندوبي الفاتيكان رفضوا إعطاء إسرائيل تفسيرات مفصلة بشأن مضمون التفاهمات مع الفلسطينيين. ووفقاً لبيانات السلطة الفلسطينية والفاتيكان، فإن الأخير اعترف رسمياً بدولة فلسطين بهذا الاتفاق، ويشمل الاتفاق ثمانية ملاحق تتعلق بنشاط الكنيسة الكاثوليكية في «دولة فلسطين». وبحسب صحيفة «الأيام» الفلسطينية فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية نشرت بياناً في أعقاب التوقيع على الاتفاق مباشرة، واعتبرته «خطوة متسرعة» وأنها «تمس باحتمالات التوصل إلى اتفاق سلام وتلحق ضرراً بمحاولات استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين».
ففي يناير 2023، تحدثت تقارير إسرائيلية أن تل أبيب دعت البابا للتدخل لإطلاق سراح 4 رهائن تحتجزهم حماس منذ عام 2014.

       عام 2015 أصدرت لجنة العلاقات الدينية مع اليهود وثيقة بعنوان «مواهب الله ودعوته لا عودة عنها: تأمّل حول المسائل اللاهوتية المتعلّقة بالعلاقات القائمة بين الكاثوليكية واليهودية» لمناسبة مرور خمسين سنة على إصدار وثيقة «في عصرنا» (الرقم 4). يتألّف النص من مقدمة ومن سبعة فصول نذكر منها: «تاريخ موجز عن تأثير وثيقة «في عصرنا» في خلال السنوات الخمسين؛ « الوضع اللاهوتي للحوار اليهودي الكاثوليكي»؛ «العلاقة بين العهدين القديم والجديد»؛ «أهداف الحوار مع اليهود»؛ وغيرها… ويفسّر الفصل الأول الخطوات الكبيرة التي تم اتخاذها في سبيل الحوار في خلال السنوات الخمسين الأخيرة فالوثيقة الصادرة عن المجمع الفاتيكاني الثاني «في عصرنا» تؤكّد أهمية الاحترام المتبادل بين الكنيسة الكاثوليكية واليهود وقد حملت الوثيقة تأثيرً كبيرًا على الأصعدة كافة. كما يؤكّد الفصل الثاني أنه نتيجة الجذور التي تربط المسيحية باليهود، لا يمكن أن يُقارَن الحوار مع اليهودية بالديانات الأخرى فلا يمكن فهم يسوع إلاّ في الإطار اليهودي. إنّ الله يكشف عن نفسه في كلمته وهو يخاطب البشرية.

بالنسبة إلى اليهود، الكلمة هي في التوراة وأما بالنسبة إلى المسيحيين فكلمة الله قد تجسّدت بيسوع المسيح. وبما أنه لا يمكن تجزئة كلمة الله فهي تدعو الناس لكي يستجيبوا بطريقة تسمح لهم أن يعيشوا العلاقة الصائبة مع الله وقد أتى ذلك في الفصل الثالث. يتناول الفصل الرابع العلاقة بين العهدين القديم والجديد ولا يمكن الفصل بينهما ولو أنّ

 اليهود والمسيحيين يفسّرونه كل ديانة بحسب تقاليدها الدينية الخاصة. فبالنسبة إلى المسيحيين، يُفهَم العهد القديم ويُفسَّر على ضوء العهد الجديد. العهد القديم والعهد الجديد هما جزء من التاريخ الأوحد لعلاقة الله مع شعبه بالرغم من أنّ العهد الجديد هو تحقيق مواعيد الله التي قام بها في العهد القديم.
عام 2015 صدرت وثيقة جديدة حول العلاقات بين اليهود والكاثولية  هذه الأفكار اعتنقتها الكنيسة الكاثوليكية بفضل تعاليم جيروم

 وأوغسطينوس وأمبروز ويوحنا فم الذهب وغريغوريوس أسقف نيص

ويوستينوس الشهيد ويوسابيوس القيصري وتوما الإكويني. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه بعودة المسيح لحكم العالم سيُعاد بناء هيكل سليمان

 في القدس، بينما ورد في الموسوعة الكاثوليكية نسخة عام 1911 بأن المسيح الدجال سيكون من أصل يهودي من سبط دان، وفي نسخة 1936 تقول الموسوعة نفسها بأن المسيح الدجال سوف يقوم بإعادة بناء أورشليم والمعبد اليهودي حيث سيدعو الناس لعبادته كإله. هذه الأسباب وغيرها دفعت الكنيسة الكاثوليكية لاعتبار الصهيونية المسيحية كحركة معادية للكاثوليكية تحاول أن تنزع عن الكنيسة دورها كمحققة لنبوءات الكتاب المقدس وكمرجعية وحيدة لها صلاحية تفسير هذه النبوءات. فهي ترى أن الصهاينة المسيحيين يلوون عنق نصوص الكتاب المقدس بما يخدم مصالحهم السياسية والدينية، فهم يجعلون اليهود وإسرائيل وليس «كنيسة العهد الجديد» مركزاً لخطة الله الخلاصية، فتكون الصهيونية المسيحية بذلك بالنسبة للكاثوليك خاطئة ولا أساس لها لا في الكتاب المقدس ولا في التقليد الكنسي.

عام2024 نشرت صحيفة أوسيرفاتوريه رومانو الفاتيكانية مقالاً سلطت فيه الضوء على رسالة وجهها عدد من الحاخامات والباحثين في الحوار اليهودي – المسيحي إلى البابا فرنسيس أعربوا فيها عن امتنانهم للحبر الأعظم على المساعي التي يقوم بها من أجل تحقيق تقارب بين الديانتين وتخطي المشاكل التي سادت على العلاقات الثنائية على مر التاريخ .تحدثت الرسالة عن الجهود الحثيثة التي تبذلها الكنيسة الكاثوليكية بغية إرساء أسس التفاهم المتبادل الذي يحل مكان الخصومات، وتعزيز الصداقة التي أخذت مكان العداوة، لافتة إلى أن هذا التقارب بدّل الجماعتين وترك بصمته في تاريخنا المعاصر. وأشادت الرسالة بالتزام البابا فرنسيس على هذا الصعيد، والذي يكتسب أهمية أكبر في زماننا الحاضر حيث عدم الاستقرار يهدد بنسف الجهود وإفساد العلاقات التي أقيمت خلال العقود الماضية. حملت الرسالةُ الموجهة إلى البابا توقيع   Jehoshua Ahrens حاخام فرانكفورت وبيرن، Yitz Greenberg حاخام القدس ونيويورك،  David Meyer  حاخام باريس وروما، فضلا عن  Karma Ben Johanan  من القدس و  Malka Zeiger Simkovich من شيكاغو بالولايات المتحدة. وكانت المجموعة نفسها قد وجهت رسالة مماثلة إلى الحبر الأعظم في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي شددت فيها على ضرورة العمل من أجل تعزيز التقارب بين اليهود والمسيحيين، في أعقاب مجزرة السابع من تشرين الأول أكتوبر في إسرائيل وعودة ظواهر معاداة السامية واليهودية في مختلف أنحاء العالم، على خلفية ما يجري في قطاع غزة. البابا فرنسيس لم يتأخر في الرد عليها إذ وجه بدوره رسالة في الثاني من شباط فبراير الجاري إلى «الأخوة والأخوات اليهود في إسرائيل» عبر من خلالها عن تضامن الكنيسة بأسرها مع الشعب اليهودي، ودعا إلى إحلال السلام بين جميع سكان الأرض المقدسة، على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية. وتطرق الحبر الأعظم إلى الحرب الدائرة رحاها في إسرائيل وقطاع غزة مشيرا إلى أنها ولدت انقسامات ومواقف متضاربة تفضي أحياناً إلى أشكال من معاداة السامية ومعاداة اليهودية، مذكرا بأن الكنيسة الكاثوليكية تدين بشكل لا لبس فيه كل تعابير الكراهية تجاه اليهود كخطية تجاه الله نفسه.  
   وأصدر الفاتيكان قرار الاعتذار البابوي عن هذه المجازر بـ(وثيقة Shoah). ومن يقرأ بعض المقتطفات منها يعجب إلى أي درجة من الضعف والهوان وصلت إليها المؤسسة الكاثوليكية في دفاعها عن نفسها أمام اليهود، منها مثلا: «علينا ألا ننسى من ساعد لإنقاذ أكبر عدد من اليهود مُعَرِّضاً حياته لخطر الموت خلال الحرب وبعدها، بما في ذلك البابا بيوس الثاني عشر، الذي فعل ذلك شخصياً أو من خلال الأساقفة والرهبان ورجال الدين». وأيضا الدفاع عن النفس بالتذكير «بأن البابا استقبل لجان ممثلة عن
اللاجئين اليهود القادمين من معسكرات الاعتقال في ألمانيا، والذين عبروا عن الشرف العظيم لأنهم تمكنوا من تقديم الشكر شخصياً لقداسة البابا للكرم
الذي قدمه لهم عندما كانوا مطاردين خلال الحقبة النازية الفاشية المرعبة»! وبعد كل هذه التسويغات جاء في نهاية الوثيقة: «بعض المسيحيين كانوا، وبسبب ذلك، وللأسف مذنبين».

  وقال مدير رابطة مكافحة التشهير أبراهام فوكسمان في تصريح له انه بالنسبة للطائفة اليهودية فإن «البابا ويوحنا بولس الثاني ويوحنا الـ ـ 23 هما بمثابة قديسين منذ فترة طويلة».

خلاصة: يتبين لنا يشكل واضح وبعد هذا العرض السريع، أن اثنين وستين السنة الاخيرة كانت كافية لإنهاء حالة العداء التاريخية واللاهوتية بين الكنيسة المسيحة واليهودية والمتمثلة بدولة الاحتلال فحققت اليهودية سيطرتها الكاملة على الفكر والخطاب للفاتيكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *