بين المساعدات الإنسانية و«المساعدات العسكرية» فارق شاسع. هما خطان لا يلتقيان. المساعدات الأولى صادرة عن دول ومنظمات غايتها محاولة تأمين المستلزمات الحياتية والاستشفائية والصحية لشعب يتعرض للإبادة والتهجير وتدمير الأرزاق والممتلكات. أما المساعدات الثانية أي ما يسمى ب«المساعدات العسكرية» فصادرة عن دول عظمى غايتها دعم كيان قام على اغتصاب الأرض واضطهاد شعبها وارتكاب مجازر بحقها.
الكيان الصهيوني أبدع في استخدام النوع الثاني من «المساعدات» متكلاً على داعمه الأساسي الولايات المتحدة الأميركية على مر العصور والسنوات وبمليارات الدولارات التي تفرج عنها من وقت إلى آخر غير عابئة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان والمنظمات الإنقاذية.
وفي هذا الإطار ورغم كل المواقف الدولية المعارضة، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أنه وقّع إيعازاً يهدف إلى تسريع نقل «مساعدات عسكرية» إلى الكيان الصهيوني بقيمة تُقدّر بنحو 4 مليارات دولار. وكان سبق لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن صادقت على صفقات عسكرية خارجية كبيرة إلى «إسرائيل» بقيمة تقارب الـ12 مليار دولار. وهذا يدل على «الوفاء» بالتزام أميركا الطويل الأمد بأمن هذا الكيان، وبالتالي فإن هذه المساعدات لن تحتاج إلى موافقة الكونغرس لتزويد ربيبتها بالسلاح، وهذا ما يمنع أعضاء الكونغرس من عرقلة هذه الصفقات.
لا يكتفي العدو بالإبادة التي يمارسها بحق أهل غزة فحسب، بل يعمل على منع وصول المساعدات الإنسانية إليهم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تاريخ تشديده الحصار على القطاع، وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود والغذاء وتدمير المنشآت المدنية وقصف المستشفيات والمراكز الطبية. فقد قرر بنيامين نتنياهو وقف دخول كل المساعدات الإنسانية إلى غزة، مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع. مهدداً بأنه «إذا استمرت «حماس» في رفض الإفراج عن المختطفين فستكون هناك عواقب أخرى«. حركة «حماس» من جهتها اعتبرت أن قرار نتنياهو بوقف إدخال المساعدات لقطاع غزة «ابتزاز رخيص وجريمة حرب وانقلاب سافر على اتفاق غزة».
قرار وقف المساعدات الإنسانية دخول غزة أثار حفيظة المجتمع الدولي والدول العربية. فقد أكدت الأمم المتحدة وجود «صعوبات كثيرة» في إدخال المساعدات إلى قطاع غزة رغم إعلان وقف إطلاق النار، حيث بلغت الأوضاع الإنسانية في القطاع مستويات «كارثية» حسب وصفها، وحيث يعاني السكان من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، في ظل تنصّل الاحتلال «الإسرائيلي» من السماح بإدخال مساعدات إنسانية «ضرورية»، فضلاً عن الحاجة إلى إدخال المزيد من المنازل المتنقلة (كرافان) والخيام. الجدير ذكره أن قرابة 1.5 مليون فلسطيني أصبحوا بلا مأوى بعد تدمير منازلهم في قطاع غزة، في حين يعاني جميع فلسطينيي القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون شخص من عدم توفر أبسط الخدمات الحياتية الأساسية وانعدام البنى التحتية. ويتنصل العدو من السماح بإدخال مساعدات إنسانية ضرورية وأساسية للقطاع، خصوصاً 200 ألف خيمة و60 ألف منزل متنقل لتوفير الإيواء العاجل للفلسطينيين المتضررين، منتهكة بذلك اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني الماضي. من جانبه، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، إن «قرار إسرائيل تعليق المساعدات لغزة مقلق. القانون الدولي واضح: يجب أن يسمح لنا بالوصول لتقديم مساعدات حيوية منقذة للحياة».
على المستوى العربي دان البرلمان العربي القرار معتبراً إياه «جريمة حرب جديدة وجريمة ضد الإنسانية تضاف إلى سجل جرائم كيان الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني»، مؤكداً أن «هذا القرار يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وخرقاً صريحاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تضمن تدفق المساعدات الإنسانية للمدنيين في أوقات النزاعات«، ومحذراً من تعريض حياة الأبرياء للخطر من خلال استخدام كيان الاحتلال سلاح التجويع ضد الشعب الفلسطيني خصوصاً ونحن في شهر رمضان المبارك».
الدول العربية من جهتها سجلت المواقف نفسها. فقد نددت مصر بالقرار «الاسرائيلي» واعتبرته «انتهاكاً صارخاً» لاتفاق الهدنة مع حركة «حماس»، وأكدت «عدم وجود أي مبرر أو ظرف أو منطق يمكن أن يسمح باستخدام تجويع المدنيين الأبرياء وفرض الحصار عليهم، لاسيما خلال شهر رمضان». وطالبت مصر المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف جميع الممارسات غير الشرعية وغير الإنسانية التي تستهدف المدنيين وإدانة محاولات تحقيق الأغراض السياسية من خلال تعريض حياة الأبرياء للخطر.
المملكة السعودية اتهمت «إسرائيل» باستخدام المساعدات الإنسانية إلى غزة كأداة للابتزاز والعقاب الجماعي، الذي يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ومساساً مباشراً بقواعد القانون الدولي الإنساني«، مجدّدة دعوتها للمجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة وتفعيل آليات المحاسبة الدولية وضمان الوصول المستدام للمساعدات.
الأردن من جهته اعتبر قرار العدو الإسرائيلي انتهاكاً فاضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، مما يهدد بتفجر الأوضاع مجدداً في القطاع، مشدداً على ضرورة أن توقف «إسرائيل» استخدام التجويع سلاحاً ضد الفلسطينيين والأبرياء من خلال فرض الحصار عليهم«.
دولة قطر رأت أن «وقف إدخال المساعدات لغزة انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة ولكل الشرائع الدينية وللقانون الدولي الإنساني»، داعية المجتمع الدولي لإلزام «إسرائيل» بضمان دخول المساعدات بشكل آمن ومستدام لكل أنحاء القطاع، ورافضة تجويع المدنيين واستخدام الغذاء سلاح حرب في غزة.
من الأهمية بمكان التذكير أن العدو الصهيوني منذ بداية الحرب في قطاع غزة وضع شروطاً عدة وعراقيل أمام السماح بدخول المساعدات إلى السكان المحاصرين وعلى دفعات، كما فرض آلية معينة لدخول الشاحنات إلى معبر العوجا التجاري وسط سيناء وعبورها لمعبري كرم أبو سالم ونيتسانا «الإسرائيليين» لإجراء فحوصات أمنية لفحصها وتفتيشها ثم العودة إلى معبر رفح المصري ثم تسليمها إلى الأونروا والهلال الأحمر الفلسطيني. وهذا ما كان يجعل قوافل الشاحنات تنتظر لأيام عديدة قبل السماح بدخولها رغم الحاجة الملحة إليها لا سيما الأدوية والمستلزمات الطبية وحليب الأطفال والمياه المعدنية ومعدات الإيواء. المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة من جهتهما لطالما أكدتا أن هذه المساعدات أقل بكثير مما يحتاجه نحو 2,4 مليون نسمة يقطنون القطاع.