لا ترتبط سيادة الدولة بحقها في احتكار السلاح. لا علاقة لسيادتها بحصر السلاح (القوة) في
يدها. فقد تلجأ الدولة نفسها إلى توزيع السلاح على شعبها ومواطنيها إذا ما داهمها خطر الاعتداء عليها من قوة أجنبية خارجية أو من دولة مجاورة وذلك لتردف جيشها بقوة إضافية.
ترتبط سيادة الدولة بحقها في فرض سيطرتها على أرضها ومواردها ومنع العدو من اختراق حدودها. لا حق للدولة في فرض سيطرتها على شعبها الحر، فرق شاسع بين سيادة الدولة وبين سيطرتها على شعبها.
سويسرا، الدولة، والأمثولة التاريخية في الحياد، فرضت حيادها على العالم بالقوة فشعبها معروف أنه مدجج بالسلاح، وفي الحقبة النازية والفاشية، لما شعرت بأن هتلر يخطط لغزوها وزعت السلاح على شعبها وأضافت إلى جيشها المحترف قوة كبيرة من مواطنيها وصلت إلى حوالي 500000 (خمسمئة ألف) مقاتل نشرتهم على حدودها مما حدا بهتلر إلى التراجع عن مخططاته لغزوها. وهذه واقعة تاريخية مشهودة وموثقة.
ومازال إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل يوزع السلاح على قطعان المستوطنين وكأنه يوزع إعاشة، والأمثلة التاريخية وافرة.
منذ أن ارتقى مفهوم الدولة لم تعد بالنسبة لشعبها “سيّدة” بل “خادمة” وتقوم بوظيفة الراعية، هي صاحبة السيادة بالنسبة إلى الخارج لا بالنسبة إلى الداخل، في الداخل لا سيطرة لها على شعبها، بل هو ما يسيطر عليها وعلى حكامها وهو من يختار لها نظامها ومؤسساتها ويفرض السياسة عليها. بعض اللبنانيين ما زالوا واقعين في أسر المفهوم القديم للدولة وسلطانها.
في القانون الدولي وفي شرعة حقوق الإنسان الأممية (1948) لم تعد السيادة في الداخل للدولة، بل للشعب الحر، إرادة الشعب العامة تسمو على كل إرادة وهذا وارد في دساتير الدول على العموم، والشعار المشهور “إرادة الشعب فوق كل إرادة” بات على كل شفة ولسان.
الدولة في الداخل بتصرف الشعب وهي في أقصى حدود سلطاتها المختلفة حكم لفض المنازعات الداخلية الناشبة بين الأفراد والجماعات، أي هي موظف عند الشعب تسهر على أمنه وصحته وإدارة موارده.. الخ.
سيادة الدولة باتت محصورة بالنسبة إلى الخارج وباعتراف أغلب الدول وقبولها بهذه السيادة، وجيشها وقواها المسلحة تحمي وتصون حدودها (وهي ليست حدودها) بل حدود الأمة والمجتمع وهي مؤتمنة عليها.
لا مبرر لوجود دولة غير قادرة ولا تستطيع منع عدو من اختراق حدودها. لا مبرر لوجود دولة لا تستطيع حماية شعبها في ابدانه وارزاقه وعمرانه ومزارعه (موارده وثرواته).
عدم الاستطاعة يفقدها شرعيتها في أن تكون دولة لها سيادتها بين الدول، كما يُفقدها حق إحتكار وحصر السلاح بيدها، إذ يصبح حق الدفاع عن الأرض مشرعا ومشروعا لأي مواطن من مواطنيها ولأي حزب من أحزابها ولأي جماعة من جماعاتها…. وهذا وارد في ميثاق الأمم المتحدة عن حق الشعوب في مقاومة الإحتلال.
حصرية السلاح بيد الدولة مشروطة بالدفاع عن الأرض ومقاومة العدوان، وإذا لم تراع الدولة هذا الشرط، أو إذا كانت غير قادرة على الإلتزام بهذه المشروطية فهي ما يجب نزع سلاحها وتسليمه للشعب، فما لزومها وما لزوم سلاحها خارج هذا الإلتزام ، عندها لا لزوم البتة لاقتنائها السلاح ويصبح مشكوكا في أمر استخدامه للقمع والإضطهاد وقسر الحريات وفتح السجون والإعتداء على حقوق الإنسان ، أي تصبح الدولة قوة غاشمة وغير شرعية….
نصل إلى بيت القصيد، لا يتناقض سلاح حزب الله بتاتا مع سيادة الدولة اللبنانية ولا نرغب الآن في قول أنه هو أحق منها في السلاح لأنها إلى الآن لم تقم بواجبها السيادي في رد العدوان (وهي غير قادرة لظروف ذاتية وموضوعية بحاجة إلى حديث على حدة). سنكتفي بالقول أن الدولة اللبنانية هي جمعية الشعب اللبناني الكبرى، هي مؤسسة الشعب السياسية، هي الحزب الكبير للشعب اللبناني الحر ، وهي إذا كانت فعلا كذلك فلا يعود يوجد تناقض في مفهوم السيادة بينها وبين أحد أحزابها…
وعلينا أن نعي أننا ما زلنا في غمار حرب لم تنته بعد.