العلاقات بين اليهود والكنيسة الكاثوليكة: محطات التحول. الجزء الرابع

وفي عام 2000 قدم الفاتيكان اعتذاراً رسمياً لما ارتكبته الكنيسة الكاثوليكية في حق اليهود من مآس وموقفها المتواطئ مع الاضطهاد النازي لهم. وثيقة الاعتذار ظلت ثلاث سنوات طي الأدراج إلى أن وقع عليها ستون خبيراً دينياً في اللاهوت الكاثوليكي، وأعلن حينها أن الفاتيكان بصدد تعديل بعض نصوص عدة أناجيل، منها أناجيل: متى وبولص و«قصة التلاميذ» برمتها لأنها ـ بحسب الفاتيكان ـ «تتحامل على اليهود».

وعلى سبيل المثال، فلجنة العلاقات الدينية مع اليهودية في الكرسي الرسولي واللجنة اليهودية للتشاور بشأن حوار الأديان (IJCIC) عملتا معا خلال العام 2004 في الأرجنتين، في الفترة التي كان يمرّ فيها البلد بضائفة مالية، لمد يد العون بمعونات غذائية للفقراء وفاقدي المأوى ولمساعدة الأطفال الذين يفتقرون لأي سند لارتياد المدارس، لأجل توفير المأكل لهم..

في يناير 2005 أصبح البابا أول حبر أعظم ينال بركة من حاخام أثناء زيارة الحاخام بنيامين بليش للقصر الرسولي.[19] ومباشرة بعد وفاته، أصدرت جمعية آي.دي.إل اليهودية بيانًا قالت فيه أن البابا يوحنا بولس الثاني قد أحدث ثورة في العلاقات الكاثوليكية اليهودية، وقالت التحسينات التي وقعت خلال ثمانية وعشرين عامًا من باباويته لم تحصل خلال ألفي عام من قبل.

   وما لبث ان أعلنت صحيفة الفاتيكان «اوسرفاتوري رومانو» استجابة البابا المستأسد على المسلمين «بنديكتوس السادس عشر» لأول تهديد من اليهود، واضطر مرغماً على أن يقص ويلصق «القداس اللاتيني» حتى يخرج على مقاس «اليهود الصحيفة نقلت ما أسمته» رسالة لأمانة سر الدولة في الفاتيكان «تشير إلى أن البابا» القوي «أمام العالم الإسلامي، قبل بإذعان تعديل صلاة «تدعو إلى اليهود لاعتناق المسيحية»، وذلك بعدما أثارت استياء العديد من المنظمات اليهودية«. الفاتيكان كان متعجلاً و«متسرعاً» فى إرضاء اليهود وتطييب خاطرهم، ولم ينتظر موعد «القداس» القادم، إذ بادر إلى نشر «نص التعديل» على الصلاة والتي سيصلي بها «اليهود» في قداس «يوم الجمعة العظيمة الموافق 21 مارس /2008م
زما لبث ان صرح وزير الشؤون الاجتماعية الإسرائيلى إسحاق هرتزوج فى مقابلة مع صحيفة «هاآرتس» ان تطويب البابا بيوس الثانى عشر سيكون أمرا «غير مقبول»، بسبب موقفه من حملة «الإبادة» النازية ضد اليهود .وقال هرتزوج المكلف بمكافحة معاداة اليهود والعلاقات مع المجموعات المسيحية، إن «مشروع تحويل بيوس الثانى عشر إلى قديس غير مقبول», موضحاًً أن الفاتيكان كان يعرف بدقة ما كان يحدث فى أوروبا أثناء المعركة. كما أضاف أن «البابا التزم الصمت وربما فعل أسوأ من ذلك بدلا من أن يرتقي إلى مفاهيم التوراة ويقف ضد سفك الدماء». وقبل عشرة أيام كان البابا بنديكتوس السادس عشر قد أكد، خلال قداس بمناسبة الذكرى الخمسين لوفاة البابا بيوس الثانى عشر، أنه يؤيد تطويبه. لكن الكاهن بيتر غانبل، وهو وكيل ملف تطويب بيوس الثانى عشر، أعلن السبت أن البابا لم يوقع على مرسوم إعلان فضائل بيوس الثانى عشر حرصا «على علاقات جيدة مع اليهود ومن من أجل أن يعتنق اليهود المسيحية ويحررهم الله من الظلمة وانعدام البصر».

وقصة حمل الصليب عند حائط البراق (المبكى) تكشف عن عجز البابا أمام السطوة الصهيونية. فقبل زيارة البابا بحوالي شهرين، دعا الحاخام رابينوفيتش –وهو المشرف على الحائط- البابا إلى عدم حمل الصليب أثناء زيارته للحائط. وقد منع نفس الحاخام عام 2007 عددا من القسس النمساويين من دخول المكان بعد أن رفضوا طلبه بخلع أو إخفاء صلبانهم، وقال الحاخام حينها: «إن الصلبان رموز تجرح مشاعر اليهود» وفي عام 2008 منع الحاخام قسسًا أيرلنديين من دخول المكان بنفس الذريعة (صحيفة جيروزلم بوست 17/03/2009). واضطر البابا إلى الخضوع لابتزاز الحاخام رابينوفيتش فقبل عدم حمل العصا الكبيرة ذات الصليب، رغم أنها لا تفارق يده عادة، وأمر مصاحبيه من القسس بإخفاء صلبانهم أثناء الزيارة (جيروزلم بوست 13/05/2009).

وفي يونيو/حزيران 2012، كانت مفاوضات تجري منذ 13 عاماً حول مسودة «اتفاق اقتصادي» بين الطرفين، أثارت حفيظة الفلسطينيين، واعتبرته جهات قانونية« شرعنة» للسلطة «الإسرائيلية» على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، واعترافاً بضم القدس الشرقية، بينما اعتبرت الطوائف المسيحية الفلسطينية بعض ما جاء فيه من مواد «سابقة خطيرة» تنطوي على اعتراف ضمني بضم القدس الشرقية والسلطة «الإسرائيلية» على الضفة الغربية. وقد نفى ناطق باسم الفاتيكان الاعتراف بضم القدس الشرقية، وقال عن الاتفاق إنه يتعلق بالكنيسة الكاثوليكية، وأنشطتها وبنيتها في «إسرائيل». لكن الحاخام دافيد روزان، المسؤول المالي عن الاتفاق من الجانب «الإسرائيلي»، قال: إن الاتفاق، بعد توقيعه، سيشكل إنجازاً، وأضاف: لا تؤكد الكنيسة الكاثوليكية فقط من جديد اعترافها بسيادة الشعب اليهودي في وطنه التاريخي، بل سجلت أيضاً مؤسساتها تحت الصلاحية القانونية «الإسرائيلية»، ومنها مؤسسات في شرقي القدس! وعلى حد علمنا مازالت المفاوضات جارية لتوقيع هذا الاتفاق.
وسيكون النص الجديد المفصل على المقاس والمبني على الخوف والرعب من «قتلة المسيح خالياً من الظلمة» ويحض على الصلاة على نية اليهود «لينير الله قلوبهم» .. وذلك بحسب ما خطه «بنديكتوس» بيمينه! وهو آخر تعديل على الصيغة التي عدلت من قبل عام 1962 بحذف عبارة «اليهود المخادعون«!

  الزيارة التي قام بها البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، لفلسطين المحتلة، لثلاثة أيام بدأت يوم 24 مايو/أيار 2014، وزار فيها القدس المحتلة ورام الله، إضافة إلى بيت لحم، وصفها البعض بأنها «زيارة روحية»، فيما اتفق المراقبون على أنها حملت في طياتها رسائل سياسية عدة، فضلاً عن أن تحركات البابا وتصريحاته كان فيها من المواقف السياسية الضمنية حيناً، والصريحة حيناً، ما يجعل من وصفها بأنها «زيارة روحية» وصفاً ناقصاً بكل تأكيد.

في مايو/أيار 2014، وزار فيها القدس ا لمحتلة ورام الله، إضافة إلى بيت لحم، وصفها البعض بأنها «زيارة روحية»، فيما اتفق المراقبون على أنها حملت في طياتها رسائل سياسية عدة، فضلاً عن أن تحركات البابا وتصريحاته كان فيها من المواقف السياسية الضمنية حيناً، والصريحة حيناً، ما يجعل من وصفها بأنها «زيارة روحية» وصفاً ناقصاً بكل تأكيد. البابا فرنسيس هو البابا الثالث الذي زار فلسطين المحتلة بعد قيام العلاقات الدبلوماسية بين الفاتيكان والكيان الصهيوني في عام 1993.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *