الانسحاب من الجنوب بين الاستراتيجية الصهيونية.. وضعف البعض

هل ستنسحب إسرائيل من جنوب لبنان في الموعد الذي تم تجديده، وهو الثامن عشر من شباط الجاري، وذلك يعد أن أخلت بتعهداتها بالانسحاب في المرة الأولى ضمن مهلة الستين يوماً من تاريخ توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار؟ وبعد أن اختلقت العديد من الحجج لتبرير استمرار بقائها في الأراضي التي احتلتها في عدوانها الأخير على لبنان في أيلول الماضي، مستفيدة في ذلك من دعم الولايات المتحدة، والتي تشكل إسرائيل بالنسبة لها القاعدة الاستراتيجية لإخضاع شعوب المنطقة. وانطلاقاً من هذه النقطة بات امن إسرائيل بالنسبة للولايات وحلفائها الغربين هو الذي يحدد للدول الأخرى طبيعة حدودها، ونوعية العلاقات السياسية والعسكرية بالكيان الغاصب. وهكذا يمكن للمتابع لعملية تعاطي إسرائيل مع مسألة الانسحاب من جنوب لبنان ملاحظة الأسلوب الأميركي الإسرائيلي في محاولة خلق وقائع جديدة على الساحة اللبنانية من اجل تحقيق مكاسب سياسية وامنيه جديدة، تهدف إلى عودة لبنان إلى السيطرة الأميركية الإسرائيلية الكاملة سياسياً وامنياً مرة أخرى، وذلك بعد أن فشلت المحاولة الأولى عام 1982، حيث رأينا كيف تسارعت الأحداث، وكيف تحركت قوى المقاومة من اجل إسقاط عملية التطبيع الأميركي للقرار السيادي اللبناني، وذلك من خلال اتفاقية السابع عشر من أيار.

هناك كثيرون يعتقدون اليوم إن الانسحاب لن يتم في موعده الجديد، ولا في اي وقت قريب، بحيث تأمل إسرائيل إن تعتاد عقول اللبنانيين ومشاعرهم مع الوقت على هذا الواقع، فلا يبقى هناك أي تطلع إلى المقاومة لإخراج الاحتلال مرة أخرى آملين. أن تخرج يوماً ما بموجب المواثيق والعهود الدولية، وكأنما الصهاينة التزموا يوماً بعهد أو ميثاق من تلقاء نفسهم.

إن المراقب للأحداث في جنوب لبنان منذ العدوان الإسرائيلي الأخير، والذي تلا سلسة اغتيالات وتفجيرات طالت مجموعة من قادة المقاومة في مقدمتها السيد حسن نصر الله، بإمكانه أن يدرك إن العملية العسكرية الأخيرة لم يكن هدفها تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل كما ادعى قادة العدو. بل هي أتت في سياق مشروع سياسي لتغيير وجه المنطقة باعتراف القادة الصهاينة أنفسهم، وكان واضحاً منذ البداية إن الخطة تم إعدادها بعناية تامة. اعتمدت فيها إسرائيل على منطق الصدمة، أن باستهدافهم القادة، حيث اعتقد الكثيرون في الأيام الأولى للمعركة إن الحلم انهار، وان كابوس الاحتلال عائد لامحالة. وبرزت أصوات تدعو لتقديم تنازلات كبيرة معتبرة إن الكثير من الأمور تبدلت، وان أوراق اللعبة باتت بيد أميركا وإسرائيل وحدهما.

وهنا برز منطقين متقابلين ،الأول والذي ظهر منذ اليوم انه على استعداد لا بتلاع الهزيمة والتسليم بالأمر بالواقع، محاولاً تغطية تخاذله بصفات الحكمة والواقعية معتبراً إن دولة العدو الإسرائيلي  بالاغتيالات التي قامت بها،  باستعمال التكنولوجيا المتقدمة أثبتت بانها قوة لا تقهر، وانه خير لنا أن نقدم لها التنازلات بدل الدخول معها في مجابهات خاسرة. أما المنطق الأخر فهو  منطق الثبات على الحق، وعدم التراجع عنه تحت أي ظرف من الظروف، والذي انطلق في مجابهته، من أن المقاومة التي بدأت بإمكانات محدودة عام 1982، وتطورت مع الوقت حتى استطاعت إخراج إسرائيل لبنان عام 2000 لم تكن اقوى مما هي عليه اليوم، وقد جاءت تطورات المعركة لتثبت إن أصحاب هذه النظرية كانوا على حق، ،وذلك من خلال نجاحهم في إفشال الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب، وهي فرض عودة المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل، وتدمير القوة الصاروخية للمقاومة، ووصول جيش الاحتلال إلى نهر الليطاني.

إن «إسرائيل» في تعاملها اليوم مع مسألة الانسحاب من جنوب لبنان إنما تنتهج مخططا واضح الأهداف والمعالم، وهو محاولة ضم الأراضي التي تحاول البقاء فيها إلى دولة إسرائيل مستقبلاً. وهي في سبيل تحقيق هذا الهدف تعمل على هدم المنازل، ومنع السكان مع العودة إلى قراهم، وتخريب المنشأة الحيوية والبنى التحتية، وذلك لا فساح المجال أمام حركة استيطان جديدة في جنوب لبنان، والتي ستعمل على بناء الأحياء اليهودية الجديدة على انقاض منازل السكان الأصليين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *