هل تستطيع القمة العربية التصدي لخطة ترامب

كلما وصل رئيس جديد للبيت الأبيض كنا نفترض انه أكثر الرؤساء دعما لدولة الاحتلال وانحيازا لها، ولكننا في حالة دونالد ترامب نجد أننا أمام حاله فريدة في شكلها ومضمونها عما سبقها وكذلك في الظروف التي رافقتها.

سياسات وأفكار ترامب تشابه تماما صورته التي نشاهدها، وهي على قدر كبير من الوضوح والفظاظة، فهو يريد شطب المسالة الفلسطينية شطباً تاماً و نهائياً و للابد، لا أن يجد حلولاً لها حتى وان كانت تلك الحلول منحازة وفي غير صالح فلسطين وأهلها، كما كان يفعل من سبقه من الرؤساء الأمريكان. يقول دونالد ترامب: لقد قررت ذلك، ويقول: سأشتريها، وبهذا نكون قد عرفنا المشتري ولكن علينا أن نعرف البائع والثمن وهو ما سنعرفه سريعاً، سال الصحفيون ترامب أثناء استقباله الملك عبد الله الثاني هذا السؤال فأحاله إلى ضيفه وكان جواب الملك أن قمة خماسية ستعقد في الرياض لبحث الخطة ووضع تصور عربي مشترك يسبق عقد قمة عربية موسعة ثم قمة منظمة العمل الإسلامي التي تحضرها 50 دولة تنتظر التطبيع السعودي مع (إسرائيل) لتلحق به، فهل ستكون هذه القمم للدخول في مشروع التطبيع مع دولة الاحتلال ام للتصدي لمشروع دونالد ترامب؟.

يترافق مع خطة دونالد ترامب ملاحظة أن الوضع القومي أولاً قد وصل إلى حالة متردية بعد أن قدمت المقاومة في غزة اقصى ما يمكن تقديمه، ثم سيطرة جماعة التكفير على دمشق وهي التي لا ترى أنها في حالة صراع مع دولة الاحتلال كما يصرح المسؤولون هناك، ثم في انكفاء المقاومة اللبنانية ودخول لبنان في ذات الحالة التي تسيطر على دمشق وان بطريقة مختلفة. أما وضع العالم العربي وما وصل إليه من ضعف وهوان فهي لا تترك أي انطباع بان هذه القمة ستكون مفيدة أو أنها ستخرج بنتائج جدية وقرارات حاسمة للتصدي إلى خطة ترامب صاحب الشخصية والعقلية التي لا تقبل التفاوض وإنما تفرض إرادتها بالقوة والأوامر.

من الغريب أن كثيرين يتفاءلون بهذه القمة مفترضين أنها ستكون مختلفة ومن أسبابهم أن السعودية قد تعرضت للتهديد خاصة بعدما أعلن (الإسرائيلي) أنها تملك أرضاً واسعة تتسع لإقامة دولة للفلسطينيين المهاجرين، ومنهم من رأى أن البيان السعودي الذي دعا للقمة الخماسية استعمل كلمة تصدي ومجابهة وكأن السعودية قد تعلن الحرب على الولايات المتحدة و (إسرائيل)، وان السعودية قد أصبحت قوة دولية يحسب لها حساب ومن دلائلهم على ذلك أن القمة الأمريكية- الروسية بين ترامب وبوتين ستعقد في الرياض.

لكن مؤشرات أخرى تذهب باتجاه معاكس فعندما تحدث ترامب عن العودة لتزويد تل أبيب بشحنات السلاح التي كانت قد علقتها الإدارة الأمريكية السابقة قال: بان السلام يجب أن يتحقق من خلال القوه والمزيد من الدعم (لإسرائيل) وأضاف قلت لنتنياهو افعل ما تريد، فيما اكد نتنياهو أن لا خطة تملك فرص النجاح سوى خطة دونالد ترامب وان غزة منطقة حرب وعلينا أن نفكر بسلامة الناس بإقناعهم بالخروج الطوعي خوفا على حياتهم، و بالطبع فمن يبقى عليه أن يتحمل تبعات ذلك، اما وزير الخارجية الأمريكي فقال أنا من لا تعجبه هذه الخطة فعليه أن يقدم البديل الذي يحقق ذات الهدف بالطبع.

تبدو ملامح الخطة البديلة في إعادة إعمار غزة و هدم الأنفاق وكل ما له علاقة بالمقاومة وشطبها كمؤسسات سياسية حتى و أن تخلت عن سلاحها، و كأشخاص أو كفكرة، وإقامة وديان سيليكون لصناعة الرقائق الإلكترونية وريفيرا سياحية وما إلى ذلك، أنها تحقيق المطالب الأمريكية (الإسرائيلية) ولكن بطريقة مختلفة، وعلى كثير من أهل غزة أن يغادروها مؤقتا ريثما تتم عملية إزالة الأنقاض وإعادة الأعمار وهي التي ستطول و تطول، وتتحول حالة من غادر إلى هجرة دائمة، الأمر الذي يذكرنا بمن قال للفلسطينيين عام 1948 عليكم مغادرة مدنكم وقراكم لبضعة أسابيع ريثما يتم القضاء على العصابات اليهودية وهكذا انقضت آلاف الأسابيع أي ثلاثة أرباع القرن دون أن يعودوا، واذا بهم مهددون بهجرة جديدة.

باختصار فان الواقع القومي والإقليمي قد وصل إلى حالة بالغة الخطورة من العجز، فلا رؤية قومية ولا عمل مقاوم بالسلاح أو السياسة على المستوى الرسمي، فيما تمت مقايضة الأمن القومي بالبقاء السياسي للحاكم وحاشيته وهذا ما يجعلنا لا نتوقع شيئا مفيداً من القمة العربية القادمة.

فهل خطة ترامب قدر من السماء لا يمكن التصدي لها؟ قطعا يمكن التصدي، ولكن بالمقاومة وحشد الطاقات وتجنيد الأمة في خدمة المشروع المقاوم و هذه وظيفة القوى الحية في الأمة، لا اعتمادا على قمة ستعمل على تلبية المطالب الأمريكية وان بثوب شرعي من النظام العربي الذي تتآكل مشروعيته، أو بإصدار بيانات الشجب والاستنكار التي لن تكون اكثر من فرقعات العاب نارية و جعجعات لا تقتل ذبابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *