المجتمع معرفة والمعرفة قوّة, المناهج التّربويّة في ميزان الإبداع والتّقليد

محوريّة مفهوم المعرفة الذي يطرحه هذا القول لا يمكن أن يتمّ المرور عليه مرور الكرام، لكونه يختزن في داخله أبعاداً عدّة، منها بعد الوعي العامّ أوّلاً، والوعي بالذّات تالياً، وكذلك البعد الإدراكيّ والمنطقيّ، إضافةً إلى البعد الثّقافيّ الحضاريّ الذي يتمثّل في المنحى الفكريّ من جهة، والمنحى المتعلّق بمنجزات هذا الفكر على مستوى الحياة الواقعيّة.

لذلك يمكن النّظر في النّظام التّربويّ بوصفه واحداً من المصادر الرّئيسة للوصول إلى تلك المعرفة، وبقدر ما يكون هذا النّظام منفتحاً على الإبداع والحريّة، يكون قادراً على أداء ذاك الدّور بشكلٍ فاعل. لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه: إلى أيّ مدى يمكن أن نرى في مناهجنا التّربويّة مصدراً فعليّاً للمعرفة بهذا  المعنى؟ ولا مصدراً للمعلومات فحسب.

في الواقع، قد تكون هذه المناهج وافيةً من الناحيّة العلميّة، على الأقلّ في ما يتعلّق بمحتويات الموادّ التي يتمّ تقديمها، مع أنّ هذا الأمر قد يكون موضوعاً لدراسةٍ متأنّيةٍ تشمل كلّ مادّةٍ على حدة. لكنّ إمكانيّة كون تلك المناهج مرتبطةً بالمعرفة، وبالتّالي بما تشتمل عليه من أبعاد، فهذا أمرٌ خاضع للمناقشة، ويمكننا أن نقاربه في هذا السّياق استناداً إلى اقترابه من عنصرَي الإبداع والحرّيّة.

من المؤكّد أنّ المناهج المعتمدة في بلادنا، عدا بعض المناهج الدّوليّة، لا تمنح المتعلّم مجالاً لتنمية قدراته الإبداعيّة، خصوصاً من خلال التركيز على التّلقين وكمّ المعلومات المتلقّاة، لا على المهارات التي يتمّ إتقانها، وبالتّالي تغدو العمليّة التّربويّة تعليميّةً تلقينيّة فحسب، ويصبح التّركيز على أداء الشّهادات الرّسميّة ليس إلّا، وتصبح سمعة المؤسسة التّربويّة أهمّ من مرتاديها، وينتفي بذلك مفهوم “المتعلّم” انتفاءً تامّاً. وبناءً عليه، يكون المجال مغلقاً أمام العنصر الإبداعيّ، فكم من مؤسّسةٍ تخصّص حصصاً للموادّ الفنّيّة بحيث تكون جزءاً من منهاجها ومن تقويمها؟ وكم من “خطّة تربويّةٍ” يمكن أن تلحظ تنميّةً للمواهب الفنّيّة مهما كان نوعها؟

أمّا في ما يتعلّق بالحرّيّة، فلا مجال للكلام على إمكانيّة حضورها في مناهج كهذه، إذ لا نجد مكاناً لإبداء الرّأي النّقديّ، إلّا باجتهادٍ شخصيّ من بعض المعلّمين، ولا حضور لإمكانيّة مناقشة المعلومة المعطاة أو المساءلة حولها، إلّا في ما ندر. إضافةً إلى أنّ المنحى التّلقينيّ الذي ما زال سائداً في القرن الحادي والعشرين، يفرض المعلومة التي يفترضها مناسبة ووجهة النّظر التي يفترضها واقعاً، لا المعلومة المستندة إلى المنطق العلميّ وإلى الواقع.

عميد الاذاعة والاعلام لؤي زيتوني