لمحة تاريخية:
بالعودة إلى حقبة التاريخ القديم، تاريخ الأسطورة تحديداً، يتبين لنا بشكل جلّي، أن القاسم المشترك في الحضارات القديمة كلها، أن أساس التكوين وولادة الكون، والألة، والأنسان هو المياه.
فالأسطورة السومرية والتي تُعد أولى الأساطير المدونة عبر العصور تتحدث عن الإله «نمو» والأسطورة البابلية تتحدث عن الإله «تعامة» أما الأوغاريتية فتتحدث عن الإله «يم»، كذلك الأمر بالنسبة إلى الحضارة المصرية القديمة، فنجد أن «رع» هو الذي يخرج من الماء، في المقابل نجد الأسطورة الاغريقية تحدثنا عن « اوقيانوس» الذي هو المياه الأولى، وتحدثت الميثولوجيا اليونانية عن «نبتون» والذي يعتبر إله جميع مخلوقات البحر، أما في التكوين العبري فكان واضحاً ضمن الإصحاحات 1،2،3 كيف يقوم يهوه بخلق الإنسان من طين وينفخ في انفه نسمة الحياة فيُخلق آدم.
وبالانتقال إلى الحقبة التاريخية الوسيطة، ومع ظهور المسيحية والإسلام، نرى بوضوح تأثير الميثولوجيا القديمة في الكثير من الأمور الدينية والطقسية لتبقى الماء العنصر الأساسي في التكوين، كما ونشير في هذا السياق أن بعضاً من المؤرخين العرب تطرقوا إلى موضوع البدايات حيث تم التركيز على موضوع المياه أمثال «ابن إسحاق الثعلبي» (ت 1035) في كتابه عرائس المجالس في قصص الأنبياء، إضافة إلى «الطبري» (ت 923) في كتابه الرسل والملوك. هكذا نرى كيف كان الماء العنصر التأسيسي في مسألة التكوين في العصرين القديم والوسيط.
أذا كيف كان هذا العنصر التأسيسي في العصر الحديث؟
بموازاة تلك الأساطير القديمة والوسيطة، ظهرت نظرية علمية في نشأة الكون، ويمكن الملاحظة انها لا تبتعد عن أفكار الميثولوجيا القديمة، حيث انها افترضت ان انفجاراً كبيرا قد حدث منذ الأزمنة السحيقة، فنتج عنه فراغاً تبعثرت فيه الإجرام، وابتعدت عن نقطة الانفجار مما أدى إلى انفصال الكواكب، فتشكلت حينئذ السماء والأرض.
انطلاقا من هنا يبرز معنا مسألة مهمة، هي ان المياه ليست مجرد عنصراً مادي في الطبيعة، بل هي جوهر الحياة، وان ما سنحاول تقديمه من خلال دراستنا المتواضعة، هو التأكيد على أن أهمية المياه تتجاوز الأبعاد الاقتصادية ـ السياسية لتشمل البعد الحضاري والوجودي، لهذا المشرق النازف دائماً.
ونود أن نشير، انه وبالرغم من التطور التكنولوجي، وزيادة المعرفة الحاصلة اليوم، وهي فعلا مخيفة بحجمها وضخامتها، لا يزال عنصر المياه هو الشريان الرئيسي للحياة، وان المياه هي العنصر التي يُعتمد عليها بقاء البشرية واستمرار حضارتها، لذلك حماية مواردنا المائية ليست مجرد مسؤولية أخلاقية ووطنية، بل هي الضرورة القصوى لضمان استدامة المستقبل وحياة أجيالنا القادمة.
أولا: الجغرافيا المائية – الأساس الطبيعي للصراع
لطالما كان الماء عنصراً حيوياَ لبقاء الحضارات وتطورها، وفي نفس الوقت، يمكن ان نرى كيف ان هذا العنصر المهم جداً أصبح مصدراً للنزاعات والصراعات بين الدول خاصة ضمن جغرافية المشرق، بل أصبح يشكل مطمعاً للقوى الإقليمية والدولية.
ومن خلال دراستنا، سنتناول أطماع كل من « إسرائيل وتركيا» على مواردنا المشتركة، والتي يميزها موقعها الجغرافي الاستراتيجي ما يزيد من تعقيدات استغلالها، بل ونهبها، ومن هذه النماذج:
. نهر الليطاني: الذي كان ولا يزال، مطمعاً إسرائيليا نظراً لغزارة مياهه وإمكاناته في عملية الري وحتى توليد الطاقة.
. العاصي: الذي ينبع من لبنان ويمر بسورية قبل أن يصل إلى تركيا.
. اليرموك: والذي يشكل جزءاً من حدود « سايكس – بيكو» بين سورية والأردن، والذي يعتبر مورداً أساسياً لمياه الشرب والزراعة وهو الآن، للأسف تحت السيطرة الإسرائيلية نتيجة الحرب الأخيرة بعد سقوط سورية.
. نهر بانياس: والذي ينبع من سفوح جبل الشيخ ويتدفق نحو بحيرة طبريا كما ويعتبر أحد روافد نهر الأردن.
. نهر دان: ينبع من ينابيع جبل الشيخ ويُعد أكبر روافد نهر الأردن.
. نهر الحاصباني: يبدأ من لبنان، ويمر بالجولان، ليصب في بحيرة طبريا، مما يجعله مورداً متنازع عليه أيضاً، أما الجدير بالإشارة، فهو أن منطقة الجولان وأعالي جبل الشيخ ومزارع شبعا وكفرشوبا تحتوي على العديد من العيون والأنهار، التي تنهبها إسرائيل. وتشير دراسة إسرائيلية ان ما نسبته 33% من مياه تلك المنطقة تتغذى منها كامل مساحة إسرائيل.
. نهر الأزرق: يُعد ثاني أكبر نهر في الأردن بعد نهر اليرموك، ينبع من منطقة راس العين في عمان، ويصب في سد الملك طلال، حيث يستخدم بشكل رئيسي لمياه الشرب وأعمال الزراعة.
. وادي الموجب: هو نهر موسمي ينبع من مرتفعات الأردن وينحدر نحو بحر الميت يتميز بأهميته في ري المزروعات وتوليد الطاقة المائية.
. وادي عربة: يشكل حدود «سايكس-بيكو» بين الأردن وفلسطين ويعاني من استنزاف شديد بسبب السياسات الإسرائيلية، مما أثر على تدفقه الطبيعي.
. نهر دجلة: ينبع من تركيا، ويُعد شرياناً حيوياً للعراق حيث يمر عبر مدنه الكبرى، «بغداد والموصل نموذجاً»«، ويعتبر مصدرا رئيسياً لمياه الشرب وأعمال الزراعة، لكن تدفقه تأثر بسبب السدود التركية.
. نهر الفرات: والذي ينبع من تركيا يمر عبر سورية قبل وصوله إلى العراق، حيث يشكل مع نهر دجلة نظاماً نهرياً يغذي به الأراضي الزراعية الواسعة في وسط وجنوب العراق.
. نهر ديالى: ينبع من إيران ويتدفق إلى العراق حيث يرفد دجلة، ويُعد مصدراً مهماً للري ومياه الشرب في المناطق الشرقية للعراق.
. شط العرب يتكون من التقاء دجلة والفرات في جنوب العراق ويصب في الخليج العربي ويعتبر مورداً مائيا حيوياً لكنه يعاني من التلوث، وارتفاع نسبة الملوحة، لكنه يستخدم لري الأراضي الزراعية جنوب العراق.