التحولات الجيوسياسية الإقليمية

منذ عقود والولايات المتحدة الأميركية. في سلم أولويات اهتماماتها السياسية للشرق الأوسط رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة عامة .

كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أعلن صراحة عن هذا المشروع قبل غزو جيوش الحلفاء العراق في آذار 2003 .

عندما اقتُرح عليه ألا تدخل القوات الأميركية العراق مقابل التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل. وخروج الرئيس العراقي صدام حسين من العراق . فكان رده (سواء أكان في العراق سلاح دمار شامل أم لم يكن. سواء خرج صدام حسين من العراق أم لم يخرج سندخل العراق. لأنه عندنا خارطة سياسية للمنطقة سنعمل على تحقيقها) فدخول الأمريكيين العراق. ليس لتحرير العراق من دكتاتورية صدام حسين وليس خوفا من امتلاك العراق سلاح التدمير الشامل .وإنما لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير التي تشمل ايران وتركيا والمشرق العربي كاملا. الهلال الخصيب وكامل الجزيرة العربية .

الهدف من إقامة هذه الخارطة اسقطا الدول التي تقوم على أساس قومي أو ديني وإنشاء دول على أساس اقتصادي والمصالح الاقتصادية

ـ تهيئة الأجواء لجعل الكيان الصهيوني مقبولاً في محيطه مندمجاً في دورة الحياة الاقتصادية الاجتماعية السياسية مع دول المنطقة .

وتجلت المساعي لتحقيق هذا المشرع في هرولة العديد من دول المنطقة للتطبيع مع الكيان الصهيوني بدأ مع أكبر دولة في العالم العربي مصر والأردن ثم تبعتهما دول الخليج: الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان والطريق تُمهد لتنضم المملكة العربية السعودية إلى جوقة المطبعين.

كما لاحظنا نأي حكومة العراق إلى حد كبير بنفسها عن الاهتمام المباشر بالمسألة الفلسطينية خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين و اعتراف الحكومة العراقية بالاستقلال الذاتي للأكراد في شمال العراق (كردستان) وتسلل بؤر التجسس الإسرائيلية إليه .

وفي هذا السياق أعلنت سورية الشام عن محادثات (سلام الشجعان) مع إسرائيل في محادثات مدريد. ومن ثمّ . الوساطة التركية التي رعت حواراً غير مباشر بين الشام وإسرائيل. إلا أن التعنت الإسرائيلي في عدم الانسحاب إلى حدود الـ 1967 وقيام محور المقاومة عطل هذه المساعي لإنهاء حالة الحرب بن إسرائيل والشام .

وجاءت عملية طوفان الأقصى التى أفقدت إسرائيل صوابها لتعلن على أعقابها حرب الوجود بدعم أميركي غربي غير محدود وعدم اكتراث العالم للجرائم ومجازر الإبادة الجماعية التي ترتكبها الهمجية الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ أمام نظر العالم قاطبة وهو ساكت عن هذه الجرائم بحق الإنسانية .

استغل الإسرائيليون إسناد حزب الله لمقاومة غزة حتى يشنوا حربا تدميرية على لبنان وليعلنوا عزمهم على رسم خارطة جديدة للمنطقة.

تمهد الطرق أمامها لتحقيق الحلم اليهودي في إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات .

ـ رافق الحرب الإسرائيلية على لبنان سقوط نظام الأسد في الشام وخروج ايران نهائيا من الشام ورافق خروج الإيرانيين خروج حزب الله من الشام وخروج الشام من محور المقاومة

ـ أنتجت هذه التحولات السياسية الجذرية تقلص النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة تمهيدا لخروجهما من المشهد .

وهيمنة النفوذ الأميركي الإسرائيلي .(لجعل التطبيع مع العدو الإسرائيلي مقبولاً في أوساط شعوب المنطقة. لبنان الشام المملكة العربية السعودية). وعززت مسعاها في هذا الاتجاه بشنها الغارات العدوانية على سورية وتدمير مراكز قوتها العسكرية الجوية والبحرية والصاروخية ولا أعتقد أن الشعب السوري سيكون مستسلما للمشروع الإسرائيلي وإنما ستُفرض قواعد اشتباك جديدة على ساحة الجبهة الشامية الإسرائيلية .

المتغيرات السياسية واستراتيجية الصمود

فوجئت بلاد الشام (فلسطين .لبنان . سورية) بأحداث جسام أوقعتها في بلبلة وفوضى سياسية حيث فرضت متغيرات جوهرية على الخارطة السياسية في مجمل المنطقة لم تكن مستعدة لها ولم تكن في الحسبان .

بدأت هذه الأحداث

1 ـ بغزوة طوفان الأقصى على غلاف غزه جنوب فلسطين المحتلة في 8 أكتوبر 2023.

أحدثت هذه الغزوة هزة عنيفة في الكيان الإسرائيلي أهانت غرور جيشه إلى درجة انه فقد صوابه وليعلن رئيس وزراء الكيان نتنياهو حرب الوجود بدعم أميركي غربي لا محدود. وصمت عالمي حتى ممن نعتبرهم حلفاء عن الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين العزل من نساء وشيوخ وأطفال وتدمير منازلهم فوق رؤوسهم .

وأعلن نتنياهو أهدافاُ لهذه الحرب اعتبرها مصيرية لإسرائيل والفلسطينيين على حد سواء .

ابرز هذه الأهداف المعلنة .

ا – القضاء على حماس كقوة عسكرية وحضور سياسي.

ب – الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس .

د – احتلال غزة والعمل على تهجير اهلها إلى سيناء والمملكة الأردنية الهاشمية .

وهدف مضمر القضاء على المقاومة في الضفة الغربية والقضاء على حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم مكتملة السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس .

ج – إعلان حزب الله حرب الإسناد دعما لمقاومة غزة من جنوب لبنان على شمال إسرائيل تفعيلاً لوحدة الساحات. في اطار الحد الأدنى. ضمن قواعد الاشتباك المتعارف عليها بين طرفي الصراع – خاصة وأن إيران لم تكن راغبة بتوسيع رقعة الحرب- وتأكيداً على دور محور المقامة في دعم مقاومة أهل غزة .

ولما احتلت إسرائيل اغلب مدن القطاع وشعورها بضعف قدرة حماس القتالية .

تحولت في 1 أكتوبر 2024 القوة العسكرية الإسرائيلية لتغزو الجنوب اللبناني في حرب شبه مفتوحة تدمر قرى الجنوب وتهجر أهله وتتوسع في غاراتها إلى الضاحية الجنوبية في بيروت وكامل الجغرافية اللبنانية تقريباً .

واغتالت قيادات الصف الأول والثاني في حزب الله وعلى رأس الشهداء أمينه العام حسن نصر الله .

مطالبة تطبيق قرار الأمم المتحدة الصادر في العام 2006 عقب حرب تموز 1701 ومندرجاته كشرط لوقف إطلاق النار والقاضي بانسحاب حزب الله مع كامل سلاحه إلى. جنوب نهر الليطاني .

توصل الطرفان إلى وقف إطلاق النار على أساس قرار الأمم المتحدة 1701

ح – كان الزلزال الأكبر سقوط نظام العائلة الاسدية الذي جاء مفاجئا للعالم .

احدث سقوط نظام بشار الأسد المفاجئ بلبلة وفوضى وتخبطاً كبيراً في الرؤى السياسية على صعيد منطقة المشرق العربي و من أهم نتائجه خروج ايران مع كل ميليشياتها بما فيها حزب الله نهائيا من سورية .

إضعاف الوجود والنفوذ الإيراني في لبنان إضعاف الهيمنة السياسية لحزب الله على لبنان .

إضعاف محور المقاومة بخروج سورية منه أن لم نقل فرط عقده .

تقلص النفوذ الروسي ووجوده على الساحة السورية تمهيدا لخروجه نهائيا

النتائج التي أفرزتها الأحداث التي عصفت بالمنطقة :

ا – ضعف أو انهيار ما سمي بمحور المقاومة. ونشوء محور جديد يقود المنطقة في المرحلة المقبلة من (الولايات المتحدة الأمريكية – تركيا – ومن وراء الستار إسرائيل) يعمل هذا المحور جاهدا لانهاء هيمنة النفوذين الروسي والإيراني على المنطقة .

ب – تصاعد نفوذ المحور العربي المطبع. والمنتظر تهيية الظروف للتطبيع مع العدو الإسرائيلي

(دول الخليج – المملكة العربية السعودية) والعمل لتهيئة المناخات السياسية والاقتصادية والثقافية لجعل الكيان الإسرائيلي مقبولا ككيان طبيعي بين كيانات المشرق العربي ومندمج في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوب المنطقة .

ج – العمل لجعل أولى اهتمامات شعوب الهلال الخصيب وشعوب المنطقة الاستقرار والتنمية الاقتصادية والتوجه إلى إقامة السلام وتحقيق الاستقرار بعيداً عن الصراعات والحروب. وعن استراتيجيات التحرير. والتحرر القومية المصيرية .

 الاهتمام بمعالجة الهموم اليومية لتحسين المستوى المعيشى والخدمي للإنسان الفرد والمجتمع، من منطلق أن استراتيجيات المقاومة والتحرير واستنزاف ميزانيات الدول المعلنة شعار التحرير والمقاومة في المجهود الحربي في مواجهة مخططات اميركا الحليف الأقوى لإسرائيل .

لم تجلب على شعوبها غير انتكاسات ونكبات متتالية كان من نتيجتها المزيد من القضم الإسرائيلي الممنهج للأراضي السورية إن في فلسطين والشام والأ ردن .

د – ترويض شعوب المنطقة للقبول بالواقع الجديد والوصاية الأميركية .

هـ – نشوء صراع خفي بين المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج و تركيا لملء الفراغ في العلم العربي الذي أحدثه خروج النفوذ الايران وتقلّص النفوذ الروسي وبالأخص في دول المشرق العربي

 و- سعي إسرائيل الجاد وبمباركة أمريكية كما صرح نتنياهو مع بداية حرب طوفان الأقصى وعاد وأكده بعد سقوط نظام الأسد إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تبدأ بتقسيم الشام إلى دويلات .

– اذا ما قيّمنا ما آلت إليه حال أمتنا بموضوعية بعيداً عن الشعارات الفارغة والادعاءات بالانتصارات الكاذبة والمضللة. وبعيداً عن الأوهام المخادعة . بعد صراع خاضته أمتنا على مدى قرن من الزمن علينا أن نقر بجرأة

ونعترف بأن مشروعنا واستراتيجيتنا الثقافية والسياسية والعسكرية التي أعددناها وخضنا الصراع على أساسها على مدى قرن لم تكن هي الخطة النظامية المعاكسة التي تمكننا من تحقيق أهدافنا في التحرر والوحدة ودفع الغزوة اليهودية الصهيونية عن بلادنا. بل منينا بالخسارة والفشل الذريع أن لم نقل أننا منينا بالهزيمة .

أمام هذا الواقع الجديد يتوجب علينا إعادة النظر في سياساتنا واستراتيجياتنا التي خضنا على أساسها معارك التحرر والتحرير والتي أوصلتنا إلى مانحن عليه من أوضاع لا نحسد عليها .

علينا البدء بتحديد أولوياتنا في معركة المصير التي فرضت علينا .

من أبرز أولوياتنا في هذه المرحلية المفصلية في تاريخ امتنا والمشرق العربي عامة.

1- العمل على بناء دولة مدنية علمانية ديمقراطية يعتمد دستورها على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز في الدين أو المذهب أو العرق وجعل الديمقراطية ٱلية لممارسة الحرية وبناء المجتمع الموحد ..

فمن غير قيام دولة دستورية قوية تقوم على تطبيق احكام الدستور والقوانين المنبثقة عن الدستور نكون محكومين لإرادة وأمزجة الأشخاص القائمين على حكم البلاد.

2 – نشر ثقافة الدفاع عن الوجود القومي الثقافي والحضاري والمجتمعي المهدد بالاختراق والسرقة والتشويه

3 – الكشف عن مخاطر الهرولة باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني على المشروع العربي لإنشاء الجبهة العربية .

4 – العمل الجاد للحيلولة دون تحويل الكيان الصهيوني من كيان معاد إلى كيان مقبول و ومعترف به ككيان طبيعي بين كيانات المنطقة العربية وشريك في المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي .

5 – مقاومة الفكر المتطرف التكفيري والإلغائي من أي مصدر تسلل. وكشف مخاطره على وحدة المجتمع وامنه واستقراره.

6 – نشر وتعزيز ثقافة الحوار الخلاق في البحث عن القواسم المشتركة بين مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية والسياسية والعقائدية .

 7- النضال للتخلص من كل أشكال النفوذ والوصاية و الاحتلالات الأجنبية .

8 – العمل على تحقيق العدالة الانتقالية بعيداً عن روح الانتقام والثأر والاتهامات الظنية .

النضال السلمي لتحقيق هذه الأهداف هو السبيل الموصل لتحقيق مصلحة سورية التي هي فوق كل مصلحة.