الشعب في الشام/ يتوق إلى دولة مدنية ديمقراطية عادلة

فلو سلمنا جدلا أن السلطة السياسية السابقة في الشام كانت قائمة على نظام حكم الأقلية المفضلة التي كانت تنضوي تحت جناح حزب البعث، وأن هذه السلطة مارست بطريقة ما الأساليب الديمقراطية الوهمية أو المشوهة، فكان مجلس الشعب منتخب من الشعب وان كان مجلسا معلبا مسبقا من قبل الحاكم،  كما أن رئيس الجمهورية كان ينتخب من الشعب،،  والجميع يعلم كيف كانت الأجهزة ترهب وتلعب بشكل فاضح في الانتخابات،  والصحيح أيضاً كان رئيس الدولة متفرد في الحكم والقرارات . إنما السلطة كانت دولة تعتمد النظام الرئاسي بشكل ديمقراطي ظاهريا إنما الحقيقة كانت ضاربة بعرض الحائط القواعد الديمقراطية الحقيقية والإرادة الشعبية،  وكانت السلطة مكونة من مجلس للوزراء، ومجلس للنواب وقضاء مستقل والصحيح أيضاً إنها كانت غير صادرة عن الإرادة الشعبية العامة بل كانت صادرة عن إرادة الحزب الحاكم. والحقيقة أيضاً أن هذه المؤسسات التي كانت موجودة سابقاً كانت ظاهرياً وكذباً مؤسسات ديمقراطية من حيث شكل ونظم المؤسسات، ولكن في حقيقتها أنها مؤسسات خاضعة تابعة لقرار رأس الدولة والحزب الحاكم، والحزب الحاكم تابع وخاضع لإرادة رأس الدولة . و الحقيقة أن المشكلة الكبرى كانت في بنية النظام والمؤسسات التابعة له . والدليل أن الإدارة العليا والمؤسسات الدستورية قد نخرها سوس الفساد والمحسوبيات والتحابب وكثرة الرشاوة. مما عطل الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين وعطلت مفاعيل العقل الاجتماعي التطويري في الدولة وذلك عندما منع النظام حرية الصراع الفكري وأبقى على أحادية البعث متحكما بكل مفاصل الدولة والمجتمع من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية . إنما هذه الدولة السابقة، على عللها البنوية وفساد نظرتها إلى الحياة والكون والفن قد أقامت مشاريع عديدة وضخمة على مستوى الخدمات،  قد شقت الطرق وأنشأت شبكة السكك الحديدية،  وبنت السدود، وخطوط الري، وبنت المطارات والمرافئ،  ودعمت الزراعة وحسنت الإنتاج ودعمت الصناعة ورفعت جودتها،  حتى وصلت إلى الاكتفاء الذاتي زراعياً و شارفت على الاكتفاء الذاتي بالنسبة للصناعات الخفيفة. وللإنصاف كانت هذه الدولة صفر ديون،  وهذا إنجاز من أعظم الإنجازات الاقتصادية للدول الحديثة بل نادراً ما تكون مصفرة ديونها . وللحقيقة كانت الدولة السابقة في الشام باسطة بساط الأمن والأمان للمواطنين، وقد يكون عيبها القاتل أنها جائرة وظالمة بحق الحريات السياسية والإعلامية والثقافية . ولكن هذه الدولة أعدت جيشا قوياً وحديثاً سلحته بأحدث الأسلحة المسموح له التسلح بها في ظل النظام العالمي الحاضر. وركزت دولة الشام السابقة على مراكز الدراسات العلمية،  وعلى الصناعات العسكرية وفق الإمكانيات المتاحة والمسموح به دوليا. ولقد أثبت هذا الجيش جدارته وقدراته في حرب تشرين 1973. وأهم ما كانت تتمتع به هذه الدولة أنها كانت واعية ومدركة للخطر اليهودي على بلادنا وكانت على قناعة عميقة أن عليها إزالة العدو اليهودي من فلسطين. وكانت دولة الشام السابقة عصية على الموجات المتلاحقة التي اجتاحت العالم العربي،  من عمليات سلام مع العدو اليهودي وتطبيع،  وطأطأة الرأس أمام المستعمر الأجنبي،  يسجل لها أنها بقيت صامدة ثابتة وممانعة في وجه هذه الأهوال العالمية. كانت الدولة بالشام معلنة العداء للاحتلال اليهودي في أي بقعة أرض من أرض سورية الطبيعية وتعبىء الشعب لتحرير فلسطين وكانت داعمة لحركات المقاومة على مختلف اتجاهاتها الفكرية، فسلحت ودربت ودعمت هذه الحركات دون تمييز. كما لا بد أن الدولة السابقة اهتمت بالتعليم فأنشأت المدارس والجامعات، كما أنشأت المصحات الصحية وكان التعليم والرعاية الصحية لجميع المواطنين دون تمييز ومجاناً، وهذه ميزة عجزت عن تقديمها الدول العظمى لمواطنيها. كما فتحت هذه الدولة حدودها لكل أبناء العالم العربي إقامة وتدريساً وطبابة. وكانت دولة الشام مناصرة لحقوق كل شعوب العالم العربي لمواجهة الأطماع الأجنبية. والموضوعية تحتم علينا أن نعترف أن هذا النظام المريض في الأصل تعرض إلى قلاقل واضطرابات خطيرة وقاسية. ولن أناقش كيف كان عليه إقامة الإصلاح وترميم الثغرات التي هي فيه،  لا بالكيف ولا بالأسلوب لان هذا ليس موضوعنا الآن. وتعرض هذا النظام إلى حرب شاركت بها عشرات الدول الكبرى والصغرى،  وتعرض إلى حصار اقتصادي حاد و خانق . مما  زاد في اتساع الثغرات المميتة في كافة مؤسسات الدولة، وزاد الفساد الوقح على كافة المستويات. وغشى مفهوم الدولة على عيون المواطنين. وضعف الوجدان القومي واتسعت رقعته،  وضعفت النفوس نتيجة الضغط الذي زاد عن العشرة من السنين. وتفككت بنية النظام وصارت نادرة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، الماء، الغاز والوقود . وما عادت الحكومة قادرة على تلبية حاجات الناس البديهية. مما أدى إلى سقوط السلطة ومغادرة رئيسها البلاد. وتقدم المجموعات المسلحة المدعومة من قوى خارجية،  وأبرز هذه القوى تركيا ومن خلف تركيا كل حلفائها بالعالم ابرزهم الولايات المتحدة الأمريكانية. وهل نسمي هذه المجموعات المسلحة، تمرداً أو عصيان أو غضب وشغب أو مجموعات مدفوعة من الخارج . أو نسميها ثورة تسعى إلى التغيير والتجديد وإعادة البناء السياسي والاجتماعي . لن ندخل هنا في تسميتها أو توصيفها على ما هي عليه . فهي الآن السلطة الحالية في الشام. بيدها الحكم والقرار،  وأول قراراتها قد ألغت الدستور إكراها لإرادة الشعب وعدم الرجوع إليه . فكان الأجدر أن يعدل الدستور ويعرض للاستفتاء الشعبي. أما الخطيئة الثانية أن السلطة الحالية قد حلت الجيش والجيش هو من عموم الشعب وان كان هناك تخوف من كبار الضباط فكان بالمقدور وضعهم بتصرف رئيس الأركان الجديد أو وزير الدفاع. والمعلوم للجميع أن الجيش في الشام لا يتدخل في الشؤون السياسية وليس هو الحاكم بالشام بل يؤتمر من السلطة السياسية . والمعلوم أن الأجهزة التي هي ذراع السلطة السياسية هي المخابرات على مختلف أجهزتها . أما باقي الأجهزة الأمنية والجمركية والأمن العام هي مؤسسات لا شأن لها بسياسة الحاكم.،  كما هو حل مجلس الشعب دون دعوة لانتخاب مجلس جديد على أساس قانون عصري للانتخابات يلبي المزاج الشعبي الذي يتوقف للتغيير . وسمينا هذه القرارات بالخطيئة الكبرى لان الشام الآن واقعة في فوضى أمنية كبيرة . ولأن الشام وقعت تحت احتلال يهودي كبير من جديد ولأن أراضي واسعة أصبحت تحت السيطرة التركية . ولان السلطة الاستثنائية الحالية غير منبثقة من الإرادة الشعبية بأي شكل من الأشكال لذلك لا نبرر لها سطوتها على الإرادة الشعبية

أما اليوم وإلى ما وصلت إليه الأمور. فشعبنا في الشام لا يقبل سلطة تكون مثل السلطة السابقة. أن الشعب في الشام العزيزة لا يقبل بغير دولة مدنية ديمقراطية واحدة موحدة الأرض والشعب مركزية،  لا ميزات دينية وطائفية ومذهبية وأثنية وعرقية وحزبية فيها. ولا ميزة لاحد فيها . بل يريد دولة صادرة من الشعب لكل الشعب . دولة المواطنون متساوون بالحقوق والواجبات،  دولة تمثل إرادة الشعب أرادة كل أبناء شعبنا بالشام . وشعبنا في الشام لا يقبل إلا بدولة ديمقراطية حديثة تتمثل بها الإرادة الشعبية الحقيقية و احدث بكثير من الدولة السابقة والدول الراقية . شعبنا لا يرضى بأمن وأمان أقل مما كان سابقاً . وشعبنا لا يقبل مستوى أمن غذائي إلا أعلى بكثير من مستوى ولاية الحكومة السابقة لا أقل ولا مماثل. وشعبنا في الشام لا يقبل رعاية صحية أقل جودة من فترة ولاية الحكومة السابقة. وشعبنا في الشام لا يقبل إلا تعليماً راقياً وجامعات يضاهي التعليم الموجود في الأمم المتقدمة . وشعبنا يريد زراعة وصناعة اقوى مما كانت عليه في الحكم السابق بل تكون وفرتها اكثر وجودتها أعلى. وشعبنا لا يقبل قمع الحريات وقمع الحقوق السياسة ولا يقبل بالسجون السياسية أو الاغتيالات السياسية. وشعبنا بالشام لا يقبل أن تمس حقوقه المدنية والسياسية. وشعبنا لا يقبل قمع الأحزاب وحلها. فشعبنا في الشام يدرك نفسه جيداً فهو يعرف أن الشام هي قلب الأمة وقوتها وسر بقائها،  ولأنه يعرف ذاته،  لن يقبل إلا أن يكون له جيشاً قوياً أقوى مما مضى يكون له كلمة الفصل في تقرير حقوق أمتنا الطبيعية . ولن تقبل عزة وكرامة أهلنا بالشام الاحتلال اليهودي لأرض الشام أو لأي أرض من أراضي الأمة السورية عموماً،  ولا يرضى احتلالاً تركياً في الشمال تحت أية ذريعة . لذلك يريد شعبنا جيشاً أقوى وافعل من ما كان عليه في النظام السابق. وشعبنا في الشام لم ولن يترك فلسطين المسألة الأساس في القضية السورية. فلا يقبل أن تكون سلطة في الشام تتخلى عن المقاومة بل يريد سلطة مقاومة وممانعة للعدو اليهودي، وسلطة تدعم المقاومة في بلادنا ضد العدو اليهودي والأطماع الأجنبية الاستعمارية . وشعبنا في الشام لا يقبل بديمقراطية أقل من الديمقراطية التي تتمتع بها أحدث الديمقراطيات الحديثة في العالم،  ولا يقبل إلا بديمقراطية تعبر عن عظمة الإرادة الشعبية التي لا ترضى إلا بعظمة التقدم والرقي. ولان الشام واقع قلب الأمة،  فواجب شعبنا بالشام ومدعوما من كل أبناء أمتنا أن ينهض ويتكاتف ويتماسك وأن يصر على إقامة دولة مدنية ديمقراطية قوية قادرة على حفظ كيانها وقادرة على حماية الكيانات السورية . ولان الشام ركن الأمة نتطلع أن يشيد شعبنا على هذا الركن البناء الثقافي الحضاري العظيم للأمة السورية