ـ في مشهد اللبنانيين يزحفون عائدين إلى جنوبهم
ـ ومشهد الفلسطينيين يزحفون عائدين إلى شمال القطاع في غزّة
ـ رسالة صمود وعناد وتشبّث بالأرض في مواجهة الأخطبوط الأميركي/ الإسرائيلي.
ما تشهده المنطقة هذه الأيّام، يحمل الكثير في طيّاته من الدلائل والوقائع التي تحفر عميقاً في السياسة والجغرافية، في منطقة كُتِب لها أن تعاني من الكوارث والويلات على امتداد تاريخها، وذلك بحكم موقعها وثرواتها من جهة، وبحكم المطامع الإمبريالية والصهيونية من جهة أخرى.
وبدون أدنى شكّ، عبّرت هذه المطامع عن طبيعتها وشهواتها منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتحديداً منذ بدأت تظهر إلى العلن «أدبيّات» الحركة الصهيونية، والتي تتوّجت بكتاب تيودور هرتزل «الدولة اليهودية» والذي أعلن فيه صراحةً عن نوايا الحركة الصهيونية في إقامة المشروع الاستيطاني في فلسطين باعتبارها أرض الميعاد لشعب الله المختار.
وهكذا كان، حيث جاءت نكبة العام ١٩٤٨ لترسم وقائع جديدة في المنطقة، بدأت معها رحلة الاقتلاع والتهجير والتوطين والمذابح الجماعية والتي لا زالت تمثلُ أمامنا على امتداد سبعة وسبعين عاماً دون كللٍ أو مللْ.
في هذا السياق، جاءت التطورات التي شهدتها المنطقة منذ شهر أكتوبر ٢٠٢٣ في غزّة ولبنان في عمليات عسكرية جنونيّة شنّها جيش الاحتلال ضدّ الشعب اللبناني الفلسطيني وبغطاء مباشر من حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبدعم مالي ولوجيستي وعسكري مفضوح، حيث كان الهدف خلفها رسم وقائع جيوبوليتيكية على الجبهتين تصبّ في مصلحة مشاريع التوسّع والاستيطان الذي لا حدود لشهيّتها.
غير أنّ الصمود الأسطوري للشعبين الفلسطيني واللبناني في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية التي استخدمت أحدث التقنيات العسكرية برّاً وبحراً وجوّاً والتي انتهجت سياسة الأرض المحروقة وأبدعت في عمليات التدمير والجرف والإبادة الجماعية، هذا الصمود الأسطوري تتوّج بعمليات انسحاب من الجنوب اللبناني ومن قطاع غزّة، منعت الاحتلال من تحقيق أهدافه في تفريغ المناطق المستهدفة من سكانها من أجل إقامة مناطق عازلة حيناً، ومناطق جاهزة لتوسيع دائرة الاستيطان حيناً أخر.
وهكذا جاءت مشاهد القوافل الزاحفة إلى المناطق المنكوبة، لتأخذ بُعداً دوليًّا على المستويات الإعلامية والسياسية ولتؤكد حقّ العودة إلى الأرض التي فقدت كل مقوِّمات الحياة بعد التدمير المنهجي للمناطق السكنية والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية.
عائلات مع أطفالها وشيوخها ونسائها تحمل خيمها بيوتاً على أكتافها وأكتاف أطفالها موجهّةً رسالة إباء وعنفوان لنتنياهو وكابينت حربه ومشروع جنرالاته وكذلك لدونالد ترامب الذي يعمل وكيلاً في دوائر العقارات الإسرائيلية.
رسالة صمود مفادها:
أنّ هذه الأرض ليست للبيع والشراء، وأن أصحاب هذه الأرض يحملون من الْعِزَّة والكرامة والحقوق التاريخية ما يؤهلهم للتمسّك بهذه الحقوق حتى الرمق الأخير من حياتهم.
لم يتعرّض شعب في العالم لما تعرّض له الشعب الفلسطيني مدى العقود المنصرمة، غير أنّ هذا الصمود الأسطوري الذي يتوارثه الفلسطينيون جيلاً بعد جيل سيفتح الباب واسعاً أمام مشهد قوافل العودة إلى فلسطين التاريخية.