الفرق بين السلالة العرقية والسلالة التاريخية عند سعاده

عندما نقرأ سعادة يجب التمييز دائماً في ما نقرأ  بين ما هو علمي وما هو فلسفي، أي بين ما هو وصفي وما هو معياري حسب بعض الكتَاب. ذلك أن سعادة بالاضافة لكونه صاحب عقيدة، أي فلسفة، أي نظرة جديدة الى الحياة والكون والفن، فأنه كذلك عالم أجتماع وله مؤلفه العلمي المشهور “نشوء الأمم”.

ويجب الأنتباه أيضاً أن كتاب نشؤء الامم العلمي لا يحتوي نصوصاً فلسفية أبداً، وقد نوّه سعادة بنفسه عن ذلك بقوله:

“إن كتاب نشوء الامم هو كتاب علمي بحت تجنبت فيه التأويلات والاستنتاجات النظرية وسائر فروع الفلسفة ما وجدت لذلك سبيلاً”. لكن هذا لا ينطبق على كتابات وأقوال سعادة ومؤلفاته الأخرى، الفلسفية والعقائدية، فهذه مليئة بالنصوص العلمية التي أوردها سعادة في معرض الاستشهاد بها لتأييد صحة عقيدته- فلسفته ونظرته الى الحياة. فسعادة يقول لنا أن عقيدته، أي فلسفته ونظرته، هي مؤسسة على العلم وأن كتابه “نشؤء الامم” هو الاساس العلمي للعقيدة. فبديهي إذاً أن نجد نصوصاً علمية في شروحات سعادة الفلسفية العقائدية مثل المحاضرات العشر وغيرها. والقارئ الفطن يستطيع التمييز جيداً بين الاثنين.

لسنا هنا في معرض البحث عن الفرق بين العلم والفلسفة أو عن العلاقة بينهما، بل عن الفرق بين السلالة العرقية الدموية، أي الحيوانية الفيزيائية حسب بعض التسميات، والسلالة التاريخية التي قال بها العالم “مورتيلة” ووافقه عليه سعادة ( الاعمال الكاملة ج 3 ص 138). وغرضنا من هذا التفريق هو جلاء الالتباس الذي يقع فيه بعض الباحثين عندما يقرأون سعادة ويجدون أنه من جهة يشدد كثيراً على حقيقة المزيج السلالي عند جميع الشعوب والأمم وعدم جواز الأخذ بنظرية تفاضل السلالات ولكنه من جهة أخرى يقول “بالسلالة السورية الممتازة” مما يوحي بأن سعادة يناقض نفسه حيث مرة يقول بعدم جواز تفضيل وتمييز سلالة عن أخرى ومرة يفاضل هو نفسه ويقول بالسلالة السورية الممتازة. لكن هذا الالتباس يزول عندما ننتبه ونعرف أن السلالة السورية الممتازة هي سلالة تاريخية وليست سلالة عرقية دموية، ولا يوجد شيء إسمه سلالة عرقية دموية سوريّة لأن السوريين هم مزيج سلالي عرقي وليسوا سلالة عرقية واحدة كي تكون متفوقة أو غير متفوقة. إن عقيدة التفوق السلالي العرقي هي نظرية عنصرية فاسدة قال بها النازيون متاثرين باليهود “شعب الله المختار”، وقد دحضها سعاده وبيّن فسادها. إن هناك فرقاً كبيراً بين السلالتين العرقية والتاريخية ومعنييهما. وهذا ما سنبينه فيما يلي.

أولاً: في السلالة العرقية الدموية والفرق بين نوعية المزيج ونوعية السلالات الممتزجة

صحيح أن سعادة، كعالم أجتماع، يقول في كتابه نشوء الامم “بان الانسانية موزعة الى سلالات راقية وسلالات منحطة”(المحاضرة الرابعة)، لكن الصحيح ايضاً إنه كان يتكلم على السلالات الأولية فقط وهي لم يعد لها وجود الآن إلا في الأقوام المنعزلة تماماً وهي نادرة، كما إنه كان ينقل لنا ما هو مقرر علمياً من قبل علماء الاجتماع في عصره. فلنقرأه في “نشوء الأمم” تحت عنوان “نشوء السلائل وعددها” بقول:

“وقد أختلف العلماء في تعيين عدد السلالات، ولعل ذلك بسبب أعتماد بعضهم أدلّة أكثر من البعض الآخر. والأمانة لغرض ها الكتاب تقضي أن لا نتوسع في هذا البحث أكثر مما يجب، ولذلك يحسن بنا التوفيق بين غرض الكتاب وهذا الموضوع أن نقسّم السلالات البشرية الى قسمين: أولي ومرتقي”.

وبعد ذلك مباشرة، وتحت عنوان “السلائل والعقليات” يقول:

“أن السلالات امر فيزيائي واقع والادلة على وجوده متوفرة. ومما لا شك فيه أن هناك فوارق بين السلالات في الارتقاء والتمدن والاستعداد لهما عند السلائل الاولية …وقد يكون ذلك بسبب عدم أكتمال تطورها…وأذا تركنا السلالات الابتدائية (أي الاولية) وعمدنا الى السلالات الواقعة ضمن نطاق المدنية الاسيوية الاوروبية وجدنا أنها كلها قد برهنت عن مزايا الارتقاء فيها…وبدهي أن لكل فرد نفسية أو عقلية خاصة مستقلة ولكن ذلك لا يعني انها اساس للمقابلة والتفضيل السلاليين. وللسلالات عقليات مستقلة موجودة فعلاً ولكن لا يجب أن يتخذ ذلك حجة للتمسك بعقائد تفاضل السلالات المتمدنة تفاضلاً أساسياً جوهرياً كما رأينا فيما تقدم من هذا الفصل… وأن الادلة على عدم صحة القول بتفوق أحدى السلالات الراقية في المواهب العقلية على الاخرى لمتوفرة”.

والى جانب تشديد سعادة، كعالم أجتماع، على عدم جواز التمسك بعقائد تفاضل السلالات وعدم صحة القول بتفوق سلالة على أخرى، فأنه يشدد على نوعية المزيج السلالي المعين وأنه يجب التمييز بين مزيج ومزيج. لكن هنا يجب الإنتباه الى أن هذا التمييز بين مزيج ومزيج ليس عائداً الى أوهام نوعية وتمايز السلالات الداخلة في هذا المزيج أو ذاك بل عائد الى نوعية الإمتزاج نفسه، أي أتساعه وشموله وتجدده وتجانسه وغير ذلك. إن المفاضلة والتمييز بين مزيج ومزيج هو بالضبط ما يأخذه بعض المثقفين والكتاب والسياسيين على سعادة ويزعمون أن قوله بتفاضل المزيجات ليس قولاً علمياً أبداً بل هو قول عقائدي وفلسفي من النوع العنصري.

سأبين هنا الآن أن قول سعادة بتفاضل المزيجات، أي بمزيج سلالي افضل من مزيج سلالي آخر، هو قول علمي وحقيقة علمية وليس مجرد نظرة عقائدية وفلسفية خاصة بسعادة، رغم أن سعادة قاله في المحاضرات العشر أكثر مما قاله في نشوء الامم، أي أن سعادة قاله في معرض شروحه العقائدية الفلسفية أكثر مما قاله في كتاباته العلمية.

إن مبدأ التجانس أو التباين الدموي هو مبدأ علمي حصل عليه الإجماع اليوم، مما لم يكن مجمَعاً عليه، علمياً، عندما ألقى سعاده محاضراته العشر سنة 1948.

 ففي المحاضرة الرابعة وشرحه للمبدأ الأساسي الرابع من مبادئ الحزب يقول:

“مع ذلك لا بد من الاعتراف بواقع الفوارق السلالية وبمبدأ التباين والتجانس الدموي، وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوق السوريين النفسي الذي لا يعود الى المزيج المطلق بل الى نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قوياً مع نوعية البيئة”.

وفي مطلع المحاضرة الخامسة يقول:

لا بد من الاقرار بحقيقة جوهرية هي حقيقة المزيج السلالي المعين الذي هو عامل أساسي جوهري في اعطاء الأمة صفتها، حقيقة طبيعتها وأسباب مواهبها التي تظهر في افعالها في مجرى التاريخ، أي أنه أذا لم يكن السوريون يعودون لاصل سلالي واحد فان لهم خصائص سلالية واحدة حاصلة من مزيجهم تجعل لهم مزايا تتميز عن مزايا أخرى في العالم”.

إن قراءة متأنية جيدة لقول سعاده هذا تبيّن لنا بوضوح الصيغة العلمية في عبارات “لا بد من الإعتراف بواقع” و “لا بد من الإقرار بحقيقة”, رغم أن سعاده قال ذلك في معرض شروح عقائدية فلسفية وليس في كتابه العلمي.

لقد ظن كثيرون من خصوم سعادة بأن قوله الآنف الذكر يرادف الإعلان عن عنصرية وأخذوا يرمونه بتهمة التعصب العرقي وقالوا أنه أحلّ التعصب للمزيج السلالي محل التعصب للسلالة الواحدة، وأن الاثنين يعبران عن عنصرية.

لكن سعادة عالم الإجتماع الخبير المتعمق في علوم الحياة والانسان لم يكن ليستبدل الحقائق العلمية بأي نوع من أنواع المجاملة  أو مراعاة وأتقاء نقد المنتقدين ناقصي العلم في ذلك الوقت. إنه لم يكن يبدي رأياً ولم يكن يقدم نظرية لكي نقول أنه كان عنصرياً أو أنه لم يكن عنصرياً. بل إنه كان يعلن حقيقة علمية أصبحت اليوم، بعد ثلاثة أرباع القرن من الزمن، محط أجماع علماء الانسان والحياة. إن عبارات “لا بد من الاعتراف بواقع…” و”لا بد من الاقرار بحقيقة جوهرية…” ليست عبارات عقائدية- فلسفية ولا تصريحات سياسية، بل أنها عبارات علمية لمن يجيدون القراءة ويميزون بين ما هو فلسفي وما هو علمي.

أقول ذلك الآن حيث وجدت مصوراً كنت قد أضعته منذ ثماني سنوات، وهذه قصته:

لقد قابلت سنة 2010 عميد أحدى كليات جامعة سدني البرفسور تشيزولم ماكسويل، وهو الاختصاصي في علم  الحياة وله فيها مئات الابحاث والاطروحات العلمية. سألته إذا كانت معارفه العلمية تسمح له بالقول بأن المزيج السلالي أنواع منها المتجانس ومنها المتباين. وقلت له صراحة أنني أساله لأن أنطون سعادة يقول ذلك وأني أريد أن اسمعه من عالم آخر. كان جوابه أن سعادة مصيب مئة بالمئة، وسالني بدوره لماذا لم يقرأ للدكتور سعادة ولو بحثاً علمياً واحداً في هذا المجال في أية مجلة من المجلات العلمية الاختصاصية. لقد ذُهل هذا البروفسور عندما قلت له أن سعادة لم يكن دكتوراً بل كان زعيماً سياسياً، ولم يكن باحثاً في علم الجنتيك بل كان فيلسوفاً وعالماً أجتماعياً لم يدرس علم الانسان والحياة ألا ليؤسس فلسفته على الحقائق والمعارف العلمية لزمانه، وأنه كان قائداً لحركة الحزب السوري القومي الاجتماعي وأنه أستشهد “أغتيالاً رسمياً” منذ ستين سنة. قال لي أنه كاد أن يطلب مني أن أعرّفه على سعادة شخصياً، وأن سعادة هو حقاً سابق لعصره لأنه من ستين سنة لم يكن هناك أجماع على فكرة التجانس او التباين الدموي بل كانت مسألة تحتاج لبرهان قاطع، أما اليوم فهي حقيقة علمية ثابتة. ثم أنكب البروفسور تشيز ورسم لي هذه الصورة:

وأخذ يشرح لي مما لم أستطع تدوين إلّا القليل منه كما يلي:

The bigger is the  number of circles, the better is the mixture, for many reasons:

1 – More races are involved, the combination is rich.

2 – New races that have not been there before in the history came and rejuvenated                                     

the mixture.

3 – R1+R9 is better than R1+R2 because the distance between R1 and R9 is larger than the distance between R1 and R2.

Q: What do you mean by “better”?

A: Better means healthier and less abnormalities.

Q: What does “healthier” means?

A: Healthier means people live longer without accidents and are less prone to diseases. They have a stronger immune system.

وترجمة ذلك ما يلي:

كلما زاد عدد الدوائر (السلالات) كلما كان المزيج أفضل. وذلك لعدة اسباب منها:

1 – يصبح المزيج أغنى وأكثر تنوعاً.

2 – سلالات جديدة لم يكن لها وجود تاريخي سابق تدخل في المزيج وتجدده.

3 – المزيج 1+9 هو أفضل من المزيج 1+2 لأن 9 أبعد من 2 بالنسبة ل1.

س: ماذا تعني بكلمة أفضل؟

ج: كلمة أفضل تعني صحي أكثر واقل تشوهات خلقية.

س: ماذا تعني بعبارة صحي أكثر؟

ك: أعني أن الناس يعيشون سنيناً أطول دون أنتكاسات صحية وهم أقل عرضة للأمراض لأن جهاز المناعة عندهم أقوى.

أن ما أدلى به هذا العالم سنة 2010 يؤكد ما أعلنه سعادة سنة 1935 عندما وضع شرح المبادئ لأول مرة في كتاب التعاليم (النصوص واردة في مطلع هذا المقال)، مع فارق أن هذا العالم قد أقتصر على الناحية المادية البيولوجية من الموضوع التي هي من أختصاصه، ولم يتطرق الى الشأن النفسي العقلي الذي لا يعنيه. ذلك رغم أني حاولت أستدراجه للتطرق الى مسألة التأثير النفسي العقلي لنوعية المزيج السلالي عندما سألته عن المقصود بعبارة “أفضل” وعبارة “صحي أكثر”. وهذا مفهوم ومقبول من أختصاصي في علم الحياة البيولوجيا وليس مطلوباً منه أكثر من ذلك. أما سعادة فقد جمع الى معارفه في علوم الحياة معرفة في علم الإجتماع والتاريخ وعلم النفس الإجتماعي. يقول سعادة:

“أنه لا يمكننا أن نفهم فهماً صحيحاً نفسيات الأفراد ونفسيات الجماعات البشرية إلا بفهم فسيولوجيتها وحقيقة تركيبها الوراثي أيضاً…إن هناك علاقة وثيقة بين الشكل والروح، بين فراسة الانسان التشريحية الخارجية ونفسيته ومقدرته العقلية…إذا درسنا الشعب السوري من الوجهة الانترفلوجية الطبيعية وجدنا توافقاً عظيماً بين أنتاجه الثقافي العمراني وأفعاله التاريخية العظيمة من جهة، وأشكاله الانترفلوجية الممتازة من جهة أخرى. وهو توافق لا يمكن أن يكون من سبيل الصدف أو بلا مغزى. فالشعب السوري راق جداً في مزيجه السلالي المتجانس الذي مكنه من أنشاء الثقافة المادية والروحية وتقديم أنتاج ثقافي هام للتقدم الانساني العام، ولا يمكننا أن نتصور هذه المقدرة الانشائية عارضاً لا علاقة له بطبيعة الحيوية الوراثية فيه القادرة على الخلق والاكتساب…لذلك فأننا ندرك جيداً أننا إذ نقول بالمزيج السلالي وبأنه لا يوجد أصل سلالي واحد للأمة، لا نعني مطلقاً إهمال أهمية الجنس وخصائص المزيج الجنسي المتجانس وأهمال الحقائق العلمية الثابتة التي تعطينا أساساً جديداً للنظر في أصول الأمم وأحوال الجماعات البشرية على وجه العموم”.

نحن نعتقد أن هذا القول لسعاده يجب فهمه في الظروف التي قيل فيها، وهي فقدان عامة السوريين يومذاك لثقتهم بأنفسهم، واعتقادهم أنهم جنس وضيع غير قادر على النهوض وأخذ مكانه بين الأمم الحيّة المتقدمة، وهذا الإعتقاد الخاطئ سببه وقوع أجيال سوريّة عديدة تحت السيطرة الفارسية، الرومانية، العثمانية والأوروبية لعهود طويلة  وفقدانهم لإستقلالهم ولسيادتهم القومية. فسعاده أراد القول للسوريين أنهم ليسوا جنساً وضيعاً بل راقياً ومتفوقاً وعنده كل الأسباب للنهوض. وإذا كانت علوم الإنسان الحديثة اليوم تقول، أو لا تقول، بتفاضل مزيج سلالي عن مزيج سلالي آخر، يبقى معنى قول سعاده صحيحاً مئة بالمئة وهو: السوريون ليسوا جنساً عاطلاً ووضيعاً بل إنهم جنسٌ راقيٌ ومتفوِّقٌ. فقضية سعاده ليست البحث في الأجناس البشرية بل قضيته هي في نهضة سورية وإعادة ثقة السوريين بأنفسهم شعباً عنده جميع مقومات النهوض والإرتقاء.

 لقد أوردنا هذه النصوص لنبرهن أن فكرة التفضيل في المزيج التي أعلنها سعاده قد أعلنها “كحقيقة علمية”، وكونها حقيقة علمية فقد استعملها ليبرهن صحّة عقيدته بأن السوريين هم أهلٌ للنهوض.

ونعود ونكرر أن التفضيل في المزيج ليس سببه التفضيل المزعوم في السلالات الداخلة فيه، بل في غير ذلك، أنه في تجانس السلالات الداخلة في المزيج أو عدمه، وأنه في شمول المزيج وأتساعه وتجدده أي دخول عناصر جديدة فيه في أزمان متعددة …الخ.

ثانياً: في السلالة التاريخية

       أن حقيقة المزيج السلالي المعين المختلف عن مزيج سلالي آخر قد قاد العلماء الى الكلام عن ما سمّوه “السلالة التاريخية”. فالسلالة التاريخية هي: الخصائص السلالية الناتجة من مزيج سلالي معيّن عبر التاريخ.

يذكر سعادة هذه المسألة في كتابه “نشوء الامم” (الاعمال الكاملة ج 3 ص 138)حيث يقول:

(mortillet)  

“من المؤلفين في السلائل كمرتيليه                         من يميز بين السلالات التاريخية والسلالات الحيوانية الفيزيائية. وهذه نظرة تذهب الى أن أختلاط سلالات أمة معينة وتمازج نسلها قد يولدان، على التعاقب، سلالة فرعية أو ثانوية بحيث يصبح في الامكان التكلم عن السلالة السورية والسلالة الالمانية والسلالة الانكليزية… وقد ورد ذكر السلالة السورية على اقلام الكتاب كما جرت على اقلامهم السلالة الانكلوسكسونية…”.

ويظهر تبني سعادة لمعنى السلالة التاريخية في قوله على الصفحة 140 ما يلي:

“…المزيج المتجانس أصل كاف للأمة، وهذا المزيج هو ما يعبر عنه أحياناً بلفظة السلالة”.

ولا شك أن لفظة السلالة هنا هي السلالة التاريخية وليست السلالة الدموية- الحيولنية- الفيزيائية.

نستطيع الآن أن نفهم سبب قول سعاده في شرح المبدأ الأساسي الرابع “بالسلالة المتفوقة” التي للسوريين الكنعانيين، وللعرب بعدهم، و”بالسلالة الأحط” من سلالتهم التي لشعوب شمالي أفريقيا (رغم أنه لا السورييين الكنعانيين ولا العرب ولا شعوب شمالي أفريقيا هم مؤلفون من سلالة واحدة كي تكون متفوقة أم منحطة)، في كلامه عن كيفية فتح السوريين الكنعانيين لشمال أفريقيا وكيفية فتح العرب المسلمين لها، وقوله “بين رفع الأدنى وإنزال الأعلى حصل متوسط أقرب الى الإنحطاط منه الى الإرتقاء“.

إن قول سعاده هنا بالسلالة المتفوقة والسلالة المنحطة قد يبدو متعارضاً ومتناقضاً مع قوله هو نفسه بعدم جواز القول بتفاضل السلالات وتفوق الواحدة على الأخرى. لكن هذا التعارض والتناقض  يزول عندما نعرف أن سعاده، كعالِم إجتماع، كان يميّز بين معنى السلالة الفيزيائية الحيوانية العرقية الدموية البيولوجية من جهة، والسلالة التاريخية التي قال بها علماء الإنسان من جهة أخرى.

إن سعاده في كلامه الآنف الذكر كان يتكلم على السلالة التاريخية وليس على السلالة الدموية البيولوجية. ويمكننا ملاحظة ذلك ومعرفته من ملاحظتنا ومعرفتنا أن لا السوريين الكنعانيين ولا شعوب شمالي أفريقيا ولا العرب هم مؤلفون من سلالة دموية واحدة متفوقة أو منحطة. إذاً، لم يكن سعاده يتكلم على السلالة الدموية بل كان يتكلم على السلالة التاريخية التي تعني أن “المزيج المتجانس أصل كاف للأمة، وهذا المزيج هو ما يعبر عنه أحياناً بلفظة السلالة“. فالسلالة التاريخية ما هي، إذاً، إلّا الأمة المؤلفة من مزيج سلالي عرقي دموي وليس من سلالة عرقية دموية واحدة.

لذلك كله نقول أن كل إنتقادات المنتقدين لسعاده ورميهم له بالتناقض وبالعنصرية ما هي إلّا إنتقادات فارغة من المصداقية وناتجة عن سوء قراءتهم له وعن قصورهم في فهم الحقائق العلمية التي تكلّم عنها وعجزهم عن التمييز بين معنيي السلالة الدموية والسلالة التاريخية.

أمّا عن تفوّق السوريين الكنعانيين على شعوب أفريقيا الشمالية في ذلك الزمان فهو حقيقة تاريخية يمكن رؤيتها بسهولة عبر مقارنة إنجازات كل من الشعبين ومآثره في العمران والحضارة الإنسانيين…

شحادي الغاوي