عقدة غزة بين المحورين

قاسم مشترك بين محورين

في الحيز الجغرافي المسمى أمبريالياً بالشرق الأوسط تسارع في السنوات الأخيرة محورين اطلق الأول على نفسه اسم محور الاعتدال فينا اسماه خصومه في المحور الأخر باسم محور الاستسلام والغرب الأمريكي وضمه تركيا ودول الخليج ومصر والأردن وإسرائيل بشكل معلن حينا وخفي في أحيان أخرى وبالطبع ان تباينات في الراي والموقف كانت تتعايش داخل هذا المحور.

المحور الأخر اطلق على نفسه اسم محور المقاومة وجعل من مهماته التصدي للمشاريع الغربية ودوله الاحتلال فيما اسماه خصومه باسم محور الإرهاب والشر أو المحور الشيعي مع انه لم يسعى أبدا لنشر التشيع بقدر ما سعى لنشر ثقافه المقاومة، وقد ضم في صفوفه قوى سنيه أثبتت فعاليتها وقدرتها على مدى 15 شهرا في غزه، وكما المحور الأول ففي داخلي محور المقاومة تباينات في الراي والعقيدة.

ولكن مع التداعيات التي بدأت بالضربات المؤلمة والمؤثرة التي نالت من المقاومة اللبنانية ومن قدراتها العسكرية والقيادية ومن سمعتها و هيبتها، نتيجة لحاله الاختراق غير المتوقعة، ثم ما لحق بذلك من انهيار النظام في دمشق وانكفاء الدور الإيراني في شرق المتوسط أمام ضرورات البقاء، خاصه مع عوده دونالد ترامب للبيت الأبيض والتهديدات التي سبق أن اطلقها في رئاسته الأولى تجاه إيران وإلغائه الاتفاق النووي الذي كانت قد أبرمته إدارة أوباما مع طهران، وكانت النتيجة أن محور المقاومة قد تقلص من حاله الوجود المؤثر والفاعل إلى حاله الفكرة التي تنتظر من يعمل عليها ويطورها ويعيد جذوتها وهو الأمر الذي لا ريب فيه. و أن احتاج إلى بعض الوقت و بما أن السياسة تشترك مع الفيزياء في كراهيتها للفراغ، فسرعان ما تشكل محورين جديدين من قلب المحور الأول الذي كان لابد للتباينات التي تعتمل في داخله من أن تنتظر هذه اللحظة، أو هذه الفرصة لتعلن عن نفسها، فكان المحور الأول مكون من تركيا وقطر والإخوان المسلمين وهو ليس ببعيد عن دوله الاحتلال لا بل وكان له دور في دعم تل أبيب أثناء الحرب والمحور الثاني من السعودية والإمارات ومصر وهو أيضاً ليس بالبعيد عن دوله الاحتلال التي جعل القدر الساخر منها القاسم المشترك بين المحورين.

تقدم المحور الثاني مبكرا بفتح سفارات في دمشق وفي التعاطي مع الرئيس السوري الراحل لا بل و اقنعه بإمكانية أن يجد قبولاً عالمياً به و بما يضمن بقاءه ، مما أدى إلى اهتزاز علاقته مع طهران وموسكو ومحور المقاومة لكن المحور التركي القطري كان من بادر العمل عندما حانت اللحظة فتتقدم تركيا عسكريا بشمال ومعها الذرع المحور الاسلامويه التي وصلت دمشق وأسقطت النظام وحلت محله .

وفي حين استثمرت الأمارات والسعودية ومصر بالعلاقة مع الرئيس السوري السابق إلا من نفذ عملية رحيله كان الفريق الأخر الذي يظن أنه ربح ربحاً صافياً باعتقاده أن دمشق قد أصبحت في قبضته، ولكن (الإسرائيلي) هو من تقدم واحتل مزيدا من الأرض السورية وسيطر على القمم الاستراتيجية العالية كذلك على الأنهار والينابيع والسدود وروافد بحيره طبرية ونهر الأردن وهو لا يقيم وزنا للصدقات والتحالفات وما قدمته تركيا من دعم استخباري وغذائي له أثناء الحرب أو ما قدمته قطر من ضغط على قياده المقاومة لتقبل بشروطه، فهو يريد منها إسقاط النظام وتفكيك الدولة السورية فقط دون أن تحصل على مكاسب، و عليها (تركيا) ان تبقى بعيده عنه فيما هو يدعم قسد  الكردية باتجاه استقلالها وقيام دوله كرديه تمثل خطرا استراتيجيا كبيرا على انقره، كذلك يسعى لقيام دويلة طائفيه أخرى متحالفة معه.

المحور السعودي الإماراتي المصري شعر بخساره دمشق فانتقل إلى لبنان للامساك بتلابيب القرار فيه من خلال تحديده لشخص رئيس الدولة ورئيس الوزراء وذلك لتعويض خسارته في الشام.

هكذا تملأ الفراغات التي ظهرت بعد غياب محور المقاومة، والصراع يدور اليوم بين المحورين على ما تبقى من مناطق فارغه لم يتم ملئها، في غزه حيث تحتدم معركه خفيه بين المحورين، فغزه لا يمكن أن تحكمها حماس (الاخوان المسلمين) ومحورهم القطري- التركي، وفي ذات الوقت لا يمكن حكمها من غير موافقه حماس ومشاركتها غير معلنه و ما سوف تقدمة قطر من مال لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، و بالمقابل فان غزه أيضاً لا يمكن أن تعيش دون مصر بسبب دكتاتورية  الجغرافيا، و كذلك دون رضا الضفة الجغرافية الأخرى (إسرائيل) التي ستتكرس اكثر فاكثر باعتبارها ناظم العلاقة بين المحورين و القاسم المشترك بينهما، هذه هي العقدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *